رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«جنة هنا» يشعل جحيم الذكريات

محمد بهجت
جنة هنا

يختلف إحساسنا بالمكان أو بالشيء الذى نمتلكه أو نستخدمه حسب ما تركه فينا من ذكريات وانطباعات تظل عالقة بالأذهان أحيانا مدى الحياة.. فشاطئ البحر على سبيل المثال يمثل الجمال والبهجة لكل من يقف أمامه.. ولكن صاحب تجربة الغرق سيشعر بانقباض أمام هذا الجمال الساحر.. والسرير الذى يرمز عادة للراحة والدفء ويحمل أجمل ذكريات الحب بين الزوجين قد يحمل شعورا بالألم والمعاناة لآخرين.. وحول سرير قديم ذى أعمدة تشبه قضبان السجن يدور الصراع النفسى بين بطلتى عرض «جنة هنا» الذى كتبته صفاء البيلى وأخرجه محمد صابر على مسرح الغد ومنه انتقل إلى مسرح ملك التابع لوزارة الثقافة.


السرير بالنسبة للبطلة الأولى عبير الطوخى التى لعبت دور الأم يحمل كل رصيد الحب والسعادة فى حياتها ويمثل رمزا مقدسا لزوجة مخلصة مضحية سافر زوجها بحثا عن لقمة العيش وتوفير مستوى معيشى أفضل لأسرته.. أو هذا ما كان يبدو فى أول العرض.. والسرير بالنسبة للبطلة الثانية الابنة هالة سرور هو رمز القيد والتعاسة والتمسك بالماضى ومثال على رضوخ المرأة فى مجتمع ذكورى بالغ القسوة حيث سافر الأب هربا من المسئولية وبحثا عن مغامرة عاطفية جديدة دون أدنى اكتراث بمشاعر زوجته وابنته.. والأم التى تحرص على تلميع أعمدة السرير وإعادة تنظيفه وترتيبه عدة مرات يوميا تثير غضب ابنتها ونقمتها عليها حيت ترى فيها نموذجا صارخا للاستسلام وقبول الذل فى رضا وسعادة! وتقرر الابنة بيع السرير وهنا يتدخل فى المباراة التمثيلية بين البطلتين أحمد الشريف فى دور صغير حيث يؤدى شخصية الزبون الطامع فى شراء السرير القديم كتحفة فنية.. ورغم صغر المشهد الذى قدمه فإنه برع فى تجسيد دور التاجر المستغل بخفة ظل طبيعية دون أن يفقد العرض طبيعته الجادة وما يحمله من قضايا اجتماعية وإنسانية.. وذكاء النص المسرحى لصفاء البيلى هى أنها طرحت الشخصيتين المتناقضتين للأم وابنتها فى غموض مثير ثم أخذت تكشف شيئا فشيئا عن الاسباب المنطقية والدرامية لهذا التناقض.. فنكتشف على سبيل المثال أن الابنة الساخطة على سلطة الأب وأفكار المجتمع قد تعرضت على نفس هذا السرير لعملية تعذيب تعرف باسم الختان.. وحدث هذا وهى فى سن الوعى بحيث تتذكر تفاصيل الألم وقسوة الجريمة التى ارتكبت فى حقها وأدت إلى تشويه جسدى ونفسى ترتب عليه فساد علاقتها الزوجية فيما بعد.. وعودتها إلى بيت أبيها لتلازم فى كل لحظة السرير القديم الموحش مصدر الذكريات المفجعة.. وتمثل الأم نموذج الثقافة الشعبية بكل ما تحمله من إيجابيات وسلبيات.. وعناصر أصالة ووفاء إلى جانب كم لا بأس به من الخرافات والموروثات القديمة التى لا تمت للأديان بأى صلة.

وترى الأم فى قضية الختان أنه أمر عادى حدث مع الجدات والأمهات من قبل ويجب أن يستمر الوضع الخطأ فى كل الأجيال من باب التحوط ومنع الفتن.. وعلى الرغم من أن قضايا النساء فى المجتمع الذكورى مكررة وتم تناولها فى الكثير من الأعمال الدرامية فإن الكاتبة نجحت إلى حد كبير فى طرح وجهتى النظر بأسلوب درامى جذاب ساعدها على ذلك تألق عبير الطوخى وهالة سرور وانسجامهما معا على خشبة المسرح بالإضافة إلى الأغانى المبدعة التى صاغها الشاعر الكبير مسعود شومان بحس راق وبصمة مميزة ولحنها الفنان الشاب أحمد الناصر الذى يملك وعيا كبيرا بالدراما ويقدم رؤية موسيقية مكثفة تساعد على تعميق الفكرة وتوصيلها للمشاهد.. كذلك نجح الديكور البسيط لمى زهدى والذى يعتمد على إبراز السرير كأهم الكتل والعناصر الموحية فى تكوين الصورة وترك فراغ للحركة على خشبة المسرح.. وحاول المخرج محمد صابر كسر رتابة المنظر الواحد طوال العرض من خلال تقديم رقصات تعبيرية صممها حسن شحاتة وفى النهاية قدم المخرج رؤية فنية بسيطة دون فذلكة توافقت مع طبيعة العرض المشحون بالمشاعر المؤلمة والذى لا يحمل من البهجة والتفاؤل إلا عنوانه «جنة هنا».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق