رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ورق التواليت» كشف ضعفنا
عندما يصبح الخوف هو الوباء

هبة عبدالستار

سيظل عام 2020 عاما لا ينسى بتاريخ البشرية. عام الوباء وجائحة »كورونا« كما يفضل البعض تسميته. أدركنا خلال هذا العام، ومازلنا، كيف تهدد الأوبئة الدول والنظم الاجتماعية وحتى بقاء العالم نفسه. تبين لنا كيف أن مواقفنا وسلوكياتنا بالتأهب خلال الأزمات يمكنها أن تكشف الكثير عن أنفسنا وعن هشاشتنا. فوجئنا بما يمكننا أن نفعل عندما نفقد السيطرة. شعرنا بتأثير الضغوط علينا. تدافعت تساؤلاتنا حول من يمكن الوثوق به؟ ما الذى تعكسه مخاوفنا حقا وكيف يمكننا مواجهتها؟ كيف يصبح الخوف شعورا معديا تتخطى خطورته ومعدلات انتشاره خطورة انتشار الوباء نفسه؟ كيف نغرق بسهولة فى فخ نظريات المؤامرة والشائعات رغم مخالفتها المنطق والعقل؟ ما هى آليات السلطة والسيطرة؟ كيف سيتم تأريخ الأزمات؟ وعلى من يقع اللوم؟

تساؤلات ستجد إجابة للكثير منها فى كتاب «علم نفس الأوبئة: الاستعداد للتفشى العالمى القادم للأمراض المعدية» لأستاذ الطب النفسى وخبير علم نفس الأوبئة، ستيفن تايلور، الذى يكشف فيه كيف يمكن التعامل مع الظواهر النفسية التى تفرضها الأوبئة وتأثيراتها على سلوكيات البشر، مبرزا تأثيرها على انتشار العدوى وما يرتبط بها من ضغوط نفسية واضطراب اجتماعى، ومحذرا من خطورة إهمالها .كما يحلل السلوك الاجتماعى للجائحة، عبر رصد ردود الأفعال المختلفة حيالها. يبرز تايلور دور اللايقين فى إشاعة الهلع بين الناس جراء الخوف من الموت بالوباء؛ لذا يمكننا أن نفهم كيف يمكن للخوف وفقدان السيطرة أن يدفعانا باتجاهات صادمة. فمثلا ورق التواليت تلك السلعة التى يعتبرها البعض شيئآ عاديا لايستحق الاهتمام كانت محور الاهتمام العام الماضى، أبرزت معاناة البشرية وكشفت ضعفنا. لتفهم ذلك تأمل معى بتفاصيل ذلك المشهد العالمى. ارتفع الطلب على ورق التواليت بنسبة 845٪ خلال الجائحة لدرجة أن الشركات العالمية وجدت صعوبة التكيف رغم عمل مصانعها 24 ساعة يوميا.حققت تلك الشركات أرباحا جاوزت 230% لأول مرة فى التاريخ، بحسب إحصاءات شركة نيلسن، اندلعت بسببه المشاجرات بالمتاجر الاسترالية والأمريكية واليابانية والصينية والفيتنامية، بعضها تحولت لمحاكمات قضائية كما حدث بأستراليا، واندفعت الدول لتفرض قيودا تحدد نصيب الفرد من ورق التواليت لضمان التوزيع العادل كما حدث باستراليا ،وبعض المتاجر الألمانية والإيطالية والفرنسية، وبرزت تشكيلات عصابية مسلحة لسرقة لفائف ورق التواليت كما حدث فى هونج كونج. ناشدت الشرطة بولاية أوريغون الأمريكية المواطنين التوقف عن طلب خدمة الطوارئ للإبلاغ عن نقص ورق التواليت لديهم.

وفى مصر وعالمنا العربى شاهدنا صورا وفيديوهات لعربات التسوق الممتلئة بالمواد الغذائية والمناديل الورقية وورق التواليت. تضخم المشهد وتسارعت عدوى الشراء المدفوع بالذعر حول العالم مع انتشار أكثر من هاشتاج على مواقع التواصل تعكس ذعر المستهلكين من النقص الحاد لورق التواليت، مرفقة بصور تكشف الرفوف الفارغة من ورق التواليت وبعض المواد الغذائية أيضا. لعبت مواقع التواصل الاجتماعى دورا بنشر هيستريا الخوف وتضخيم خطورة الوباء عبر الشائعات والأخبار الزائفة، كما يوضح تايلور فى كتابه، وبذلك يمكننا أن نفهم كيف أصبح ورق التواليت «رمزا للسلامة» أثناء الجائحة. يبرز نداء الخوف داخلنا مخاطر استخدام أو عدم استخدام منتج أو خدمة أو فكرة معينة بحيث إذا لم تشتر، ستواجه بالعواقب. يمكننا أن نفهم الطريقة التى يستجيب بها الناس عادة فى مواجهة الكوارث التى يحيط بها عدم اليقين، حيث يتم اتخاذ القرارات على أساس التهديدات المتصورة وليست الواقعية فيميل الناس للمبالغة فى رد الفعل. لذا اندفع الناس لتخزين ورق التواليت فى محاولة لاستعادة السيطرة على وظيفة بيولوجية واحدة مما يمنحهم شعورا بأنهم تمكنوا من احتواء خطر واحد. كما يمكنهم استخدام ورق التواليت كمناديل فى حالة الإصابة بعدوى كورونا لذا سيشعرون بتأنيب الضمير والندم إذا لم يقوموا بالتخزين.

أيضا فى مرحلة التعرف على الوباء خلال عدم اليقين، فإن الميل للبحث عن كبش فداء لإلقاء اللوم عليه يصبح الخيار الأسهل، كما يشير تايلور، لذا رأينا جميعا كيف انتشرت المشاعر المعادية للصين فى أنحاء العالم بسرعة أكبر من انتشار الفيروس نفسه. كان هناك تصاعد فى الوصم والعنصرية تجاه الصينيين، تم وصم الصين سياسيا من خلال وصف الوباء بأنه فيروس صينى.

إن تأثيرات الضغوط التى يعانى منها البشر حاليا جراء الوباء خلقت تصدعات بارزة بنظمنا الاجتماعية والثقافية، ربما سينظر لها التاريخ كاستجابة انعكاسية لمخاوفنا من الموت المفاجئ. لم تعد هناك مصائر فردية بل مصير جماعى. اعتاد البشر نسيان التجارب المؤلمة ودفنها باللاوعي. يحذر تايلور من وباء قادم لا مفر منه، ويؤكد أن علينا أن نتذكرونتعلم. يقلق علماء الأوبئة دائما من نمط قدرتنا على النسيان كلما تعرضنا لوباء جديد.  لقد فهم ألبير كامو هذا جيدا، فكتب « كل ما يستطيع الإنسان أن يربحه فى معركة الطاعون والحياة هو المعرفة والتذكر.» فهل ستنقذنا المعرفة والذكريات عندما نواجه مخاوفنا وأنفسنا فى الوباء القادم أم سيخدعنا النسيان من جديد؟

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق