رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خبير علم نفس الأوبئة ستيفن تايلور لـ «الأهرام»: تأثير «كورونا» النفسى أضخم من تأثيره الطبى ..وعلينا الاستعداد للوباء القادم

هبة عبد الستار

برز اسم الدكتور ستيفن تايلور، أستاذ الطب النفسى بجامعة «بريتيش كولومبيا» الكندية بوسائل الإعلام العالمية منذ ديسمبر 2019 بسبب كتابه «علم نفس الأوبئة: الاستعداد للتفشى العالمى القادم للأمراض المعدية» الذى صدر قبل أن تضرب جائحة كورونا العالم بشهرين فقط، فبدا وكأنه يحمل نبوءة ما. توقع تايلور وقوع الوباء، ووضع خريطة طريق للتعامل معه، وبسبب ربطه فى كتابه بين حجم التأثيرات النفسية للوباء ومعدلات تفشى العدوى، وكيف يمكن إدارة الأوبئة أصبح خبيرا بالظواهر النفسية للأوبئة. تقدم «الأهرام» قراءة فى كتابه، كما تنفرد بهذا الحوار مع الخبير وأستاذ الطب النفسى ستيفن تايلور، الذى يكشف لنا خلاله كيف علم أن الوباء قادم، وكيف يمكن لمشاعر القلق والخوف الفردية أن تتحول لسلوك جماعى يسرع من معدلات تفشى الأوبئة، ولماذا يتحدى البعض الإجراءات الاحترازية ظنا منهم أنهم محصنون ضد العدوى، وكيف يمكننا التعامل مع التداعيات النفسية للوباء، والاستعداد للوباء القادم، الذى يؤكد تايلور أنه قادم لا محالة! .. فإلى نص الحوار.

 

حمل كتابك نبوءة من نوع ما. كيف توقعت حدوث وباء كورونا؟

كنت أعلم أن الوباء قادم، لكن لم أكن أعرف أنه سيأتى قريبا. بالسنوات الأخيرة طالعت تصريحات لعلماء الفيروسات تتنبأ بالوباء القادم، وأدركت أهمية الطب النفسى لفهم الظواهر النفسية للأوبئة وتأثيراتها على سلوكيات الناس وكيف يتفاعلون مع خطر العدوى. ولم يتطرق لذلك أحد، لذا قررت العمل على كتابى، وعندما قدمته لناشرى رفضه وقال « لا أحد سيقرأه» فقدمته لناشر آخر، وتم نشره فى أكتوبر 2019 قبل أن يضرب فيروس كورونا الصين بشهرين.

رغم مخاطر الوباء؛ هناك ظواهر اجتماعية مثل عدم التزام البعض بالإجراءات الاحترازية لشعورهم بأنهم محميون وسوف ينجون. كيف تفسر هذا الشعور بالإنكار؟

هذا سؤال مهم. هناك الكثير من العوامل التى تتسبب بالتقليل من تقدير خطورة الوباء، بعضها يرجع للرسائل الخاطئة التى تصل لبعض الأشخاص، وخاصة الشباب الذين يتلقون رسالة بأن الوباء يستهدف كبار السن بالأساس، لذلك يعتقدون أنه لا داعى للقلق وأنهم لن يتأثروا به. العامل الآخر يتعلق بطبيعة الوباء.  فالكثيرون لا يشعرون بأننا وسط جائحة، إذا ما قارنا بالأوضاع عام 1918 وقت تفشى الإنفلونزا الإسبانية، فنحن حاليا لا نرى النعوش أو جثث الموتى بالشوارع بل نسمع فقط أعداد الوفيات بالأخبار، وهذا يؤدى ببعض الناس للتقليل من خطورة الوباء، بالإضافة إلى دور نظريات المؤامرة، ويرجع ذلك جزئيًا لوسائل التواصل الاجتماعي، ولبعض السياسيين الذين يتبنون نظريات المؤامرة، مثل دونالد ترامب، فمثلا، مازالت النظريات القائلة بأن «كوفيد - 19» خدعة أنشأتها الحكومات للسيطرة على الناس أو أنه سلاح بيولوجى تلقى رواجا على مواقع التواصل، ويمكن أن يقود ذلك بعض الناس لعدم القلق بشأنها ظنا أنها خدعة! .

فى كتابك تحدثت عن الشائعات ونظريات المؤامرة وكيف تتغذى بأوقات عدم اليقين، ومنذ بدء الوباء شهدنا ذلك. كيف نقلل من آثارها النفسية؟

من الصعب حقا القضاء على الشائعات، لأن عدم اليقين الذى نعيشه فى ظل الوباء يؤدى لانتشارها بين الأفراد الذين يحاولون التوصل لإجابات لهذه الشكوك، وهذه هى الطريقة التى تتطور بها الشائعات وتنتشر عبر مواقع التواصل، وتعد نظريات المؤامرة شكلاً متطرفًا من الشائعات، هى توفر «وهم السيطرة» خلال فترات الارتباك الشديد. لذا على القادة السياسيين عدم التحدث عن نظريات المؤامرة إلا إذا كانوا يتصدون لها. ولايجب إعطاء تلك النظريات أى اهتمام إعلامى، وإذا برزت يجب دحضها بالعلم والنصائح الواضحة لأن تغطيتها إعلاميا يمكن أن تدفع الناس لمزيد من القلق المفرط.

منذ بدء تفشى وباء «كورونا» أدى القلق المفرط، ومازال إلى موجات شراء مدفوعة بالذعر. ما تفسيرك لذلك؟

 لقد نشرت دراسة بحثية أخيرا عن الشراء المدفوع بالذعر. لايلعب الذعر دورا فوريا فى اندفاع الناس للشراء بقدر ما كان التأثير الأكبر لقادة الحكومات الذين ظهروا على شاشات التليفزيون مطالبين الناس بعدم الذعر بشكل متكرر مما أدى لإصابة الناس بالذعر أكثر من المتوقع.

هذا يدفعنى للتساؤل؛ لماذا حقا نستسلم لهذه المخاوف، على الرغم من إدراكنا أنها ليست عقلانية بطريقة ما؟ 

هناك تأثير متعاظم ككرة الثلج يلعب دورا فى تلك الحالة. فمثلا سلوك المتسوقين الآخرين معك قد يؤثر عليك أثناء التسوق، وكذلك سلوك أفراد عائلتك والأشخاص الذين تثق بهم. لذلك إذا كنت فى السوبر ماركت، وكان الأشخاص القلقون يشترون كل ورق التواليت. قد أقول لنفسى، حسنا، إذا لم أشتر أيا منه فإن الآخرين سيشترون كل ما تبقى وستبدأ فى التساؤل يبدو أن الأمر خطير حقا، ولأن الخوف معد فسيتصاعد تأثير كرة الثلج. والحل هو تلقيح نفسك بتفهم أسباب ذعر الآخرين وعدم الانجراف بالذعر الجماعى.  وبالطبع، وسائل التواصل الاجتماعى تلعب دورا، وهذا يرجعنى مرة أخرى لسؤالك حول وسيلة مواجهة ذلك، للأسف وسائل الإعلام الموثوق بها ليست لديها سيطرة كاملة على القصص الإخبارية التى تلعب وسائل التواصل الاجتماعى دورا رئيسيًا فى مشاركتها أو تضخيمها أو حتى تجاهلها. وبالتالى تلعب مواقع التواصل دورا مهما فى تضخيم خطر الوباء.

 إذن ما هى نصيحتك للتقليل من آثار ذلك وما يسببه من إجهاد وضغط نفسي، وتوتر ؟

 هناك علامات تدل على أنك شديد التوتر مثل أن تجد نفسك سريع الانفعال بشكل غير عادى أو لاتنام بشكل جيد، أو تأكل أكثر أو أقل من المعتاد، وتعانى الكثير من الصداع أو إزعاجا بالمعدة. لذا إذا كنت تعانى تلك الأعراض فيجب الحد من درجة الضغوط والتوتر لديك سواء من خلال لعب الرياضة أو تقليل الوقت الذى تقضيه بقراءة الأخبار السلبية، واتباع أسلوب حياة صحى أمر مهم جدا. ويمكن أن يساعد التواصل الآمن مع الأشخاص المقربين أيضا. ولكن من المهم أن ندرك أن هذا الوباء سينتهي، فقد نجا البشر من أوبئة لا حصر لها فى الماضي. نأمل بنهاية هذا العام مع وجود اللقاحات أن تعود الحياة لطبيعتها.

وماذا عن الأطفال، كيف نعدهم للتعامل مع الوضع خلال الجائحة دون التسبب بمزيد من القلق والتوتر؟

نحن بحاجة إلى أن يعرف الآباء أطفالهم بشكل أفضل، ولكن عليك البحث عن العلامات التى سبق وأشرت إليها لتعرف إذا كان طفلك متوترا أم لا، فمن المهم التحدث مع أطفالك لتسألهم عن شعورهم، فسيشعرون بالراحة عندما يشاركون مخاوفهم معك. وبهذه الطريقة يمكنك فهم ما يجري.  بالعديد من البلدان الأطفال متوترون بشأن تغيبهم عن المدرسة وأن عليهم تلقى الدروس عبر الإنترنت، إنهم قلقون بشأن التخلف بالمدرسة أو عدم القدرة على التأقلم، أو أنهم لا يحصلون على فرصة للعب مع الأصدقاء، وهذا مرهق للغاية بالنسبة لهم. . لذلك من المهم التفكير بالطرق التى يمكنك من خلالها تسهيل الأمور عليهم. لكن الخبر السار هو أن الأطفال مثل البالغين مرنون جدا بمواجهة التوتر، وبالتالي قد يتعرضون للتوتر على المدى القصير وعلى المدى الطويل، يجب أن يكونوا بخير. كبشر، نحن أقوى مما نعتقد بالواقع.

خلال هذا الوباء؛ فقد الكثيرون أحباءهم فجأة، سواء أفراد عائلة أو أصدقاء أو زملاء عمل.. ما هى نصيحتك للتعامل مع مشاعر الحزن والفقد؟

الأشخاص الذين عانوا من هذه الخسائر المأساوية، يمكن أن يتوقعوا وجود شعور بالحزن والتعاسة كرد فعل إنسانى طبيعي. والزمن هو أفضل معالج، لذلك ننصح بالتواصل مع الأصدقاء والأحباء بطريقة آمنة، وعدم عزل الذات كى لا يتحول الحزن إلى اكتئاب لأنه إذا بدأ الناس يشعرون بأنهم يرغبون بالموت أو إيذاء أنفسهم فمن المهم أن يتوجهوا لطبيب لأنهم قد يحتاجون إلى علاج للاكتئاب.

أنت تعتبر أن الأوبئة ظواهر نفسية بالأساس، وأن البصمة النفسية للوباء أكبر من بصمته الطبية. هل يمكنك تفسير هذا لقرائنا؟

دعيني أبدأ بالتأكيد على خطورة فيروس كورونا. لقد مات الكثير من الناس وأصيب به الكثيرون. وما أقصده بالبصمة النفسية هو تضخم الأثر النفسى للوباء على المزيد من الأشخاص الذين تأثروا به مقارنة بعدد الذين أصيبوا به بالفعل. فى دراسة لنا قمنا باستطلاع آراء 7000 كندى وأمريكي 25٪ أصيبوا بالتوتر أو القلق والاكتئاب بسبب كورونا دون إصابتهم به. أيضا هناك من فقدوا وظائفهم أو قلقون بشأن فقدانها بسبب الإغلاق. كل هذا يشكل ضغوطا نفسية. هذا ما أعنيه بأن البصمة النفسية أكبر من البصمة الطبية. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، قد لا يكونون قلقين بشأن الإصابة بالعدوى، لكنهم يتأثرون اجتماعيا واقتصاديا ومن ثم نفسيا.

 ما هى برأيك الآثار طويلة المدى التى ستعانى منها صحتنا النفسية، وكيف نتعامل معها؟

الخبر السار هو أن الناس صامدون. وهناك ظاهرة تسمى النمو اللاحق للصدمة، فرغم خطورة الوباء وموت وإصابة الكثيرين، إلا أن العديد من الأشخاص يرون أن ذلك جعلهم أناسا أفضل، وأكثر مقاومة للتوتر أو أكثر روحانية، كما تعزز تقديرهم للأشياء الصغيرة بالحياة. آمل أن يكون لذلك تأثير طويل المدى.  بالنسبة للأقلية، فبعضهم سيصابون بمشاكل نفسية مزمنة خطيرة مثل الاكتئاب المستمر للذين فقدوا أحباءهم أو عانوا بطريقة ما من اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الوسواس القهري، سيحتاج هؤلاء لمساعدة نفسية. الآن، هناك الكثير من التنبؤات حول كيف ستكون الحياة بعد زوال الوباء. وبالتنبؤات الأخيرة فإن البشر سيندفعون لمزيد من الأنشطة الاجتماعية المفرطة بعد رفع الإغلاق والقيود، وبعد ذلك ستعود الحياة لطبيعتها. 

 من تجربتنا مع فيروس كورونا، ما الذى يجب أن نفعله بشكل أفضل لإدارة الأوبئة بالمستقبل؟

 هذا مهم حقًا لأن الأوبئة الماضية نسيها الناس بعد انتهائها، وهناك دروس مهمة من «كوفيد-19». فمثلا نحتاج لتسمية الفيروس باسمه وليس بالأنفلونزا الآسيوية أو غيرها من الأسماء المضللة التى تروج للعنصرية. نحن بحاجة لبرامج التأهب للأوبئة. يجب أن نكون مستعدين لأنه سيكون هناك وباء آخر قادم بالسنوات المقبلة، ولانعرف متى. لكن هذا أمر لا مفر منه، لأننا كبشر نتنقل ونختلط بشكل أسرع مما قبل، وهكذا تزداد معدلات انتشار الأوبئة. نحن بحاجة للتفكير بمواجهة المواقف المناهضة للتلقيح. لقد أجريت مقابلات إعلامية بشأن «كوفيد ـ 19» منذ ديسمبر 2019 واستمررت بالتحذير من أننا بحاجة للاستعداد لمواجهة مقاومة البعض للتطعيم عندما يأتى اللقاح، حيث سيرفضه الكثير من الناس وستتجاهل الحكومات ذلك، وهذا أمر خطير، كان يجب على الحكومات أن تفكر فى تثقيف المجتمعات مبكرا للتقليل من مخاوف الناس بدلا من الانتظار لمواجهتها بعد تفجر المشكلة. الآن هناك لقاحات والناس يرفضون أخذها. نحن بحاجة للتفكير فى ذلك للوباء القادم. لذا يمكننا توقع المشاكل قبل ظهورها والتفكير بالحلول. فى بعض البلدان، هناك مطالب بإشراك المجتمع أكثر كما الحال فى كندا، وهذا مهم حقا فإذا قمت بإشراك مجتمعك بإيجاد الحلول، فمن المرجح أن يتابعوا تنفيذها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق