على الرغم من أن محافظة الدقهلية تتصدر منطقة شمال الدلتا بإرث يضم آلاف القطع الأثرية، التى وجد بعضها طريقه إلى المتحف المصرى الكبير، بينما ظل أغلبها حبيس المخزن المتحفى فى مدينة «تمى الأمديد»، فإنها لا تزال تنتظر متحفا يليق بها.

إحدى المقابر المكتشفة
صحيح أن «دار بن لقمان»، التى تحمل مسمى «متحف المنصورة القومى»، وترتبط بحدث واحد، وهو أسر الملك لويس التاسع، قائد الحملة الصليبية على مصر، لتضم مقتنيات تخص هذه الفترة الزمنية. وهناك قاعة بديوان عام محافظة الدقهلية تضم معرضا لصور مشاهير وأعلام المحافظة فى العصر الحديث، يطلق عليها مجازا «متحف أعلام الدقهلية». ولكن هذه كلها تعتبر محاولات لا ترتقى إلى حلم المتحف.
مطالب متعاقبة وأمنيات متعددة عبر عنها أبناء محافظة الدقهلية تنتظر اللقاء بمبادرة فعلية لإنشاء متحف كبير مثل ما جرى فى طنطا، وملوى، وسوهاج، وكفر الشيخ وغيرها. انعقدت الآمال سابقا على قصر محمد باشا الشناوى بشارع الجمهورية، التابع لوزارة الآثار، لكنها آمال سرعان ما تبخرت بعدما قررت لجان فنية عدم صلاحيته لظروف تتعلق باحتياطات الأمان ومتاخمته المساكن.
وانتعش التفاؤل مرة أخرى بإعلان محافظ الدقهلية السابق الدكتور كمال شاروبيم، تحويل استراحة بناها الخديو إسماعيل لوالدته فى الستينيات على نيل المنصورة، إلى متحف لأعلام الدقهلية. وبدأت جهود ترميم الاستراحة تمهيدا لتحويلها إلى متحف أثرى متكامل. لكن المشروع تجمد بعد قرار محافظ الدقهلية، الدكتور أيمن مختار تحويل «الاستراحة» إلى مركز لاستقبال ضيوف المحافظة.
وتعبر الدكتورة رندا بليغ، رئيسة قسم الآثار المصرية القديمة بكلية الآداب جامعة المنصورة عن أسفها لغياب متحف عصرى بمحافظة الدقهلية رغم ثراء المحافظة بالآثار، وتحديدا بمواقع «تمى الأمديد»، و«تل الربع»، وغيرهما. وتشير دكتورة رندا بليغ إلى أن الدقهلية كانت عاصمة مصر الفرعونية، وتحديدا فى عهد الأسرة 29.
وتضيف الدكتورة رندا إلى أن الدقهلية لها دور فى الدولة الفرعونية وأراضيها الزراعية تزخر بالآثار على طول شريط وادى النيل والدلتا، وتؤكد الكتابات البارزة على القطع الأثرية أن النشاط تمركز فى الدلتا والمناطق الشمالية، خاصة فى الشرقية والدقهلية. وصان الحجر كانت عاصمة لمصر فى الأسرتين 22 و23. وما بين الأسرتين 15 و16 كانت العاصمة قنطير فى الشرقية ، وهناك تلال أثرية غير مكتشفة فى بحيرة المنزلة وغيرها من المناطق. وتتابع: «تل الفرخة فى غزالة بالسنبلاوين، أحد مراكز جنوب شرق محافظة الدقهلية، شهد بدايات التاريخ وعرفت مصر فيها صناعة التخمير وتصنيع مشروب الشعير».
ولفتت رئيسة قسم الآثار المصرية القديمة بجامعة المنصورة إلى قيام بعثات كندية وأمريكية ومن جامعة المنصورة بأعمال الاستكشاف والتنقيب فى مناطق مختلفة بالدقهلية، مثل «تل بلة» بمدينة دكرنس، التى تضم معبدا كبيرا ومقابر كانت مخصصة للعاصمة «منديس» وأغلب المكتشف فيها من آثار يرجع للعصر البطلمى.
أما الدكتور أيمن وهبى، أستاذ الآثار المصرية المساعد بجامعة المنصورة، فيؤكد أن الدقهلية أسهمت فى تغيير تاريخ مصر. فالاكتشافات الأخيرة أكدت وجود حياة متكاملة ومتطورة فى منطقة الدلتا فى عصور ما قبل التاريخ، وأن شمال الدلتا ربما سبق الجنوب فى التبادل التجارى مع آسيا. ويقترح وهبى أن يتضمن المتحف المنتظر سيرة ومقتنيات أعلام الدقهلية على مدى 6 آلاف سنة هى عمر حضارة المحافظة.
وحسب على محفوظ، الباحث فى الآثار المصرية، فإن تاريخ الدقهلية يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ. وتكتظ متاحف مصر فى القاهرة والجيزة والإسكندرية بآثارها الفريدة، بل تعرض كنوزها فى متاحف عالمية فى المملكة المتحدة وأمريكا وغيرها.ويضرب محفوظ مثلا بأحد أبرز اكتشافات الأثرية المهمة على أرض الدقهلية التى تناقلت أخبارها وكالات الأنباء، وهى «كوم الخلجان» الواقعة على الحدود بين الدقهلية والشرقية، التى شهد الكشف عن نحو 8٣ مقبرة أثرية، مشيرا إلى أن وزارة السياحة والآثار تبنت أخيرا شراكة القطاع الخاص لإقامة متاحف، وكان أول نتاج هذه الفكرة متحف الغردقة، ما يمكن نقله إلى الدقهلية.
ويؤكد المختصون فى آثار الدقهلية أن أكثر من 4 آلاف قطعة أثرية متنوعة نقلت إلى المتحف المصرى الكبير على مراحل، فى حين أن جميع القطع الموجودة فى الدقهلية محفوظة ومؤمنة داخل مخزن متحفى حديث مراقب إلكترونيا، إلى جانب حراسة على مدى الساعة. والمخزن مقام على مساحة 2600 متر مربع، ومؤلف من 8 قاعات، إلى جانب قاعة عرض ملحقة بمساحة 150 مترا مربعا. وجميع آثار الدقهلية مسجلة فى 17 سجلا ، لتتم مراجعة محتواها كل عامين.
وكان «فريق أحفاد الفراعنة» لنشر الوعى الأثرى أطلق حملة قبل نحو عام ونصف العام بعنوان «دقهليتنا تاريخنا» تستهدف إنشاء متحف قومى ضخم للدقهلية فى مدينة المنصورة الجديدة على الطراز العالمى وتجهيزه ليحتضن آثار المراحل التاريخية المختلفة، وإقامة متاحف مفتوحة فى المناطق الأثرية المهمة فى المحافظة .
وتضم الدقهلية عددا من التلال الأثرية العريقة منذ الزمن الفرعونى، منها «تل الربع» بمركز تمى الأمديد، وبقايا مدينة «منديس» القديمة، التى كانت عاصمة لمصر فى عهد الأسرة الـ29. وقد أقام الملك أحمس الثالث معبدا عظيما فى المدينة لم يتبق منه إلا ناووس ضخم يعد الناووس الحجرى الأكبر فى مصر. كما وجدت بقايا أحجار لمعابد أقامها الملك رمسيس الثانى بالمدينة.
ويوجد «تل تمى الأمديد» أو «ثمويس» ، وهو جزء من تل الربع وبه آثار من عهد الأسرة 21. أما «تل البلامون» فى شربين فيتبع المقاطعة الـ 17 من مقاطعات وجه بحرى فى عهد الرعامسة، وأهم آثار تلك المنطقة قناعان من الذهب الخالص. وهذه بعض نماذج على مجموعة كبيرة من التلال الأثرية التى تتميز بها الدقهلية وتنتظر الكشف عن كنوزها أمام العالم.

حفائر أثرية فى قرية بالدقهلية
رابط دائم: