رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

روسيا .. ومحاولة ترويض الطموحات التركية

رسالة موسكو د. سامى عمارة

أثارت الخريطة التى عرضتها إحدى القنوات التليفزيونية التركية خلال الأيام القليلة الماضية، وظهرت فيها مناطق ومساحات غير تابعة للدولة التركية ضمن طموحاتها الجيوسياسية، جدلا واسع النطاق داخل روسيا وخارجها. وكانت هذه الخريطة تضم إلى جانب أراضى تركيا فى حدودها الحالية المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، مساحات واسعة فى كل من القارتين الآسيوية والإفريقية، كانت تابعة فى "التاريخ السحيق" لما كانت تسمى بالإمبراطورية العثمانية فى سالف العصر والأوان!

ومن اللافت، أن الكشف عن هذه الخريطة فى مثل هذا التوقيت، جاء عقب الحرب التى اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا، حول مقاطعة قره باغ المتنازع حولها منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وكانت تركيا حققت قدرا من النجاح فى دعم أذربيجان ماديا وعسكريا، لاستعادة نفوذها وسيطرتها على كثير من الأراضى التى كانت احتلتها أرمينيا منذ ذلك الحين. كما أنها استغلت ما تحقق من انتصارات أذربيجانية، وما نجحت باكو فى استرداده من أراض، لتوطيد مواقعها فى المنطقة، والترويج لأحلامها التى كثيرا ما تأرجحت بين الواقع والمأمول، حول استعادة نفوذ وسيطرة الإمبراطورية العثمانية على كثير من الأراضى فى آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وهو ما أثار حفيظة الأوساط الروسية. ورغم أن موسكو الرسمية لم تُعِرْ مثل هذه "الأحلام" اهتماماً يُذْكَر، فان الدوائر الإعلامية والصحفية فى روسيا، سارعت الى شجب مثل هذه التوجهات، فى إطار تحذيرات للجانب التركى من الإغراق فى الأوهام الإمبراطورية. وكتبت صحيفة "أوراسيا ديلي" الإلكترونية الروسية، تحذر من مغبة مثل هذه الطموحات التركية، التى كانت بلغت خلال السنوات القليلة الماضية أبعادا بعيدة المدى، إلى ما وراء الحدود التركية، فى اتجاه كل من العراق وسوريا، وتجاوزتهما إلى شرق المتوسط حتى سواحله الجنوبية فى ليبيا، وصارت تهدد كثيرا من بلدان منطقة الشرق الأوسط المجاورة. وقالت إن ما تطمح إليه تركيا فى جنوب روسيا وشمال القوقاز "خطوة استفزازية لا أساس منطقيا لها"، يمكن أن تؤدى إلى تفاقم العلاقات، على خلفية ما تقوم به، من خلال استخدامها ما يسمى بـ "سياسات القوى الناعمة" التى تتمثل فى انتشار المدارس التركية والأفلام والدراما التليفزيونية، إلى جانب السياحة والمنح الدراسية المجانية. ورغم أن طموحات تركيا تفوق قدراتها ولاسيما فيما يتعلق باحتمالات توسعها فى مناطق النفوذ الروسية، سواء داخل أراضيها فى منطقة القوقاز، او فى آسيا الوسطى، فان ما تشهده علاقات الزعيمين الروسى فلاديمير بوتين والتركى رجب طيب أردوغان من تواصل دوري، وتنسيق فى السياسات والتوجهات، يسهم إلى حد كبير فى الحد من شطط "الأحلام التركية"، دون التورط فى الانزلاق إلى "مشاحنات إعلامية" و"اتهامات متبادلة"، والسقوط فى شرك ما تدبره الدوائر الغربية للشريكين الروسى والتركى من مؤامرات، تستهدف الوقيعة بينهما. ومن هذا المنظور أشارت مصادر صحفية روسية، إلى نجاح الرئيس الروسى فى الإبقاء على تركيا على مساحة مناسبة، بعيدا عن مخططات زعيمها، الذى حقق قدرا هائلا من النجاح على صعيد تسوية أزمة قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، بما أسهم به من دعم عسكرى وبشري، قدمه إلى اذربيجان.

 وظلت الصحافة الروسية تتابع ما وصفه بعض المراقبين والمعلقين، ومنهم ميخائيل روستوفسكي، بمحاولات "الاختراق التركى فى القوقاز". ونشرت صحيفة "موسكوفسكى كومسوموليتس" عن روستوفسكى معلقها السياسي، ما قاله حول ان هناك من كان يحاول الوقيعة بين روسيا وتركيا، من خلال الزج بالأخيرة للقيام بدور غير محسوب، خلال الصراع الذى اشتعل بين أذربيجان وأرمينيا، ما كان ينذر باحتمالات قطيعة كلية مع أذربيجان. وأضاف ان ذلك كان من الممكن ان يسفر أيضا عن انتصار "جيوسياسي" لتركيا فى جنوب القوقاز، كان لابد ان يتبعه اهتزاز مواقعها وضياع فرصتها وحريتها فى المناورة بالمنطقة، الى جانب احتمالات اندلاع كثير من المشكلات القومية داخل حدودها‪.‬ ومضى روستوفسكى ليؤكد ان الدبلوماسية الروسية نجحت وبامتياز فى الاستفادة الكاملة مما وصفه بـ "المكانة السياسية الغريبة لأردوغان ولبلاده على خريطة السياسة الخارجية". وفسر ذلك بقوله، إن تركيا فى الوقت الحالي، عضو فى الناتو، بينما تبدو فى الوقت نفسه، وكأنما ليست عضوا فى الناتو. كما ان أنقرة، حليف لواشنطن والغرب، فى الوقت الذى تتباين فيه كثير من مصالحها، مع كل من واشنطن والغرب ".

ورغم صحة تقديرات كثير من المعلقين الروس تجاه حقائق وثوابت العلاقات بين موسكو وأنقرة، فان هناك من القضايا الخلافية التى كثيرا ما عكرت صفو هذه العلاقات، ومنها حادث إسقاط المقاتلة الروسية ومصرع طيارها فوق سماء سوريا فى نوفمبر 2015 وما أعقب ذلك من "قطيعة" لم تدم طويلا. وكانت موسكو أبدت قدرا كبيرا من التشدد، الذى بلغ إصرارها على تقديم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان اعتذارا مكتوبا، وهو ما فعله فى رسالة خطية، بعث بها الى الرئيس بوتين، وكان آنذاك فى اجتماع قمة مع حلفائه من بلدان الفضاء السوفيتى السابق فى طشقند. ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، بل سارع بالسفر الى سان بطرسبورج للقاء بوتين، على رأس وفد تركى كبير، فى زيارة يظل الغموض يكتنف كثيرا من تفاصيلها. ومع ذلك فقد أسهم الاعتذار والزيارة وما تخللته من مباحثات وما أسفرت عنه من اتفاقات اقتصادية واسعة النطاق، فى تبديد كثير من تبعات الكارثة والقطيعة بين الطرفين.

وعلى ضوء وضوح أهداف تركيا وحرص رئيس أذربيجان الهام علييف، على عدم الوقوع فى شرك حبائلها ومخططاتها، تواصل موسكو الرسمية السير على حد السيف فى علاقاتها مع تركيا، التى تعتبرها قوة إقليمية وشريكا استراتيجيا تستمر فى التعامل معه لحل كثير من القضايا والأزمات الإقليمية، ومنها الأزمة السورية فى إطار "الثلاثية" التى تجمعهما مع إيران.  وكشفت مصادر من الجهاز الصحفى للكرملين خلال الأيام القليلة الماضية، عن جوهر ما تطرقت إليه المكالمة الهاتفية بين بوتين وأردوغان من موضوعات تصدرتها العلاقات الثنائية، إلى جانب قضايا السياستين الإقليمية والدولية. وقالت إن الرئيسين تناولا المسائل المتعلقة بتوسيع التعاون بين البلدين، ولاسيما فى مجال المشاريع المشتركة فى قطاع الطاقة، إلى جانب إمداد تركيا باللقاحات الروسية المضادة لفيروس كورونا، ومسألة انتاج هذه الأمصال فى تركيا.

كما تطرق حديث الرئيسين الروسى والتركي، إلى استعراض نتائج تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله بين رئيسى أذربيجان وأرمينيا فى 9 نوفمبر الماضى و11 يناير من هذا العام، على ضوء ما توصل اليه اللقاء الثلاثى الذى جمع الرئيسين الأذربيجانى والأرمينى مع الرئيس بوتين فى موسكو. وقالت مصادر من الكرملين، ان استعراض هذه النتائج استهدف ضمنا "تنسيق أعمال روسيا وتركيا لمصلحة التنمية الاجتماعية والاقتصادية فى المنطقة".

وفى الشأن السوري، قالت مصادر من الكرملين، ان بوتين وأردوغان أشارا إلى أن الجانبين " فى ضوء مساعى روسيا وتركيا لإرساء الاستقرار فى محافظة إدلب، يؤكدان التزامهما المتبادل بالقتال بلا هوادة ضد الجماعات الإرهابية الدولية المستقرة فى سوريا، إلى جانب التعبير عن النية لمواصلة دعم العملية السياسية بين الأطراف السورية، فى إطار صيغة آستانا". وحول الأوضاع فى ليبيا وما شهدته فى الفترة الأخيرة من تطورات، أكد الرئيسان الروسى والتركى "أهمية تشكيل سلطات انتقالية فى البلاد، بمساعدة الأمم المتحدة، لضمان استقرار الوضع على المدى الطويل"، إلى جانب ضرورة "عدم إضاعة فرصة السلام والاستقرار فى ليبيا‪."‬

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق