فقد الأزهر والعالم الإسلامى شيخ السادة المالكية بمصر والأزهر الشريف؛ الدكتور أحمد طه ريَّان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الذى وافته المنية صباح أمس الأول الأربعاء، وترك إرثًا كبيرًا فى مجال الفقه الإسلامى ومسيرة علمية عامرة بالبذل والجهد والعطاء وخدمة رسالة الإسلام.
ولد الدكتور أحمد طه ريان فى 10 فبراير 1939م بمحافظة الأقصر، والتحق بالتعليم الأزهرى حتى تخرَّج فى كلية الشريعة والقانون بالقاهرة عام 1966م، ثم حصل على درجة الماجستير فى الفقه المقارن عام 1968م، ثم درجة الدكتوراه عام 1973م، كما تولى العديد من المناصب العلمية والإدارية بجامعة الأزهر والجامعات العربية والإسلامية منها عمادة كلية الشريعة والقانون بأسيوط، ورئاسة لجنة موسوعة الفقه الإسلامى بوزارة الأوقاف، كما عمل عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الأحقاف باليمن، ووكيلاً لكلية الإمام مالك للشريعة والقانون بدبي. وقد اختير عضوًا بهيئة كبار العلماء عام 2012م. وامتدت جولاته العلمية إلي: السعودية والأردن والإمارات وبنجلادش وأوزبكستان والدنمارك وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. واختير عضوا فى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، الذى يضم أربعين عالما من علماء العالم الإسلامى، مهمتهم أن يجعلوا الجاليات الإسلامية تتعايش فى المجتمعات الغربية من خلال أحكام الفقه المتغيرة.
تأسيس موسوعة الفقه بالإمارات
لعب العلامة الراحل دورا مهما فى تأسيس موسوعة الفقه المالكى لدولة الإمارات الشقيقة التى تضم أربع إمارات مذهبهم الرسمى مالكى هى: دبى، وأبوظبى، والبحرين، والكويت، وهذه الإمارات الأربع أرادوا أن يضعوا أدلة على مسائل الفقه المالكى، فاختاروا كتاب الشرح الصغير للشيخ الدردير ليضعوا عليه الأدلة من القرآن والسنة والإجماع والقياس من خلال الفقه المالكى، فأصبح الكتيب الموسوم باسم الشرح الصغير للشيخ الدردير صار بعد الإتيان بالأدلة عليه 21 مجلدا، وقد استغرق العمل فيه عشر سنوات. ثم قام الراحل بعدها بتدريسه بعد فى مسجد الشيخ الدردير بالقاهرة.
علم يسير على ساقين
لقد كان الدكتور أحمد طه ريان ـ يرحمه الله ـ علما يسير على ساقين، وروحا طيبا سمحا لينا هينا، محبا للخير سابقا إلى الخيرات، نعاه زملاؤه وتلامذته ومحبوه من كل مكان، فيقول الدكتور هانئ الطنطاوى أستاذ الحديث بجامعة الأزهر وأحد تلاميذه: جسد الراحل بصدق: (الأستاذ) بمبناها ومعناها ..(الفقيه) بحق الفقه وغايته ..(أحمد) الناس للناس ..(طه) الذى كأنه قيل له: طأ الأرض بقدميك؛ فقد ألين لك الفقه...(الريان) حيث يرتوى منه المتفقه والسالك إلى كل المسالك. كانت رؤيته: تذكر بالله ..ومجالسته: تزيد الإيمان والحضور عنده: حضور للقلب مع العقل.
فقد كان رحمه الله شعلة من نشاط فى العلم، فكان يلقى درسه فى الجامع الأزهر درسين: شرح صحيح البخارى ويختمه بترجمة لعالم جليل صوفى شهير أو محدث أو فقيه، ثم يذهب فيجلس فى مسجد الدرديرى ساعة أو ساعتين ثم يصلى العصر فيلقى درسا آخر فى الفقه فى أدلة المالكية. وكان هجيره الدائم: (العلم ليس بكثرة الرواية إنما هو نور يقذفه الله فى قلب من أخلص)..( الناس تخضع للدين والدين لا يخضع لأحد) رضى الله عنه وأرضاه.
ويقول الدكتور محمد سيد سلطان، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: إن الشيخ الراحل كان أنموذجا فريدا للعالم الربانى الفقيه العالم العامل قوى الصلة بالله تعالى والمستمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والذى لا يخشى فى الحق لومة لائم والشجاعة فى الرد على كل من خرج عن الجادة فى العلم مهما تكن مناصبهم ومكانتهم، مع ما كان يتمتع به من فصاحة لسان وقوة حجة وبيان، ومن يطالع المجلدات الثلاثة التى نشرتها له إذاعة القرآن الكريم والتى تناولت فتاوى للشيخ فى شتى مناحى الحياة يدرك ما كان يتمتع به الشيخ من مكانة علمية وعلم غزير. وأضاف أن الشيخ رحمه الله كانت لديه همة لا يملكها شاب رغم أن سنه تجاوزت الثمانين، كما قدم درسا عمليا لما يجب أن يكون عليه من يتصدى للفتوى حيث كان يشتهر بالأمانة العلمية والتزامه فى الفتوى نهج السلف الصالح وعدم الخروج عن منهجهم رغم ما كان لديه من علم غزير فى شتى فروع الفقه ولذا كانت فتواه مقتضبة.
وينعى الدكتور صابر محمد سيد، عميد كلية الشريعة والقانون بأسيوط، أستاذه قائلا: درست الفقه المقارن على يدى الشيخ ريان عندما كان عميدا لكلية الشريعة والقانون بأسيوط، ومن شدة إخلاص الشيخ فى عمله ومراقبته لله عز وجل، كان يصر على إلقاء محاضراته حتى ولو لم يحضر الطلاب فقد كان يقوم بغلق المدرج على نفسه ويقوم بأداء المحاضرة كما لو كان الطلاب موجودين، وعندما سألناه عن ذلك قال: هذا عمل سأحاسب عليه يوم القيامة وإذا لم يحضر الطلاب، فهناك عالم الجن والملائكة يسمعوننا.
ويشير د. أيمن الحجار، الباحث بمشيخة الأزهر: إلى أن الشيخ طه ريان كان مثالًا فريدًا فى الحرص على التعليم والتوجيه والإفادة فكان حبُّ التدريس والإفهام يجرى فى عروقه؛ حيث كان لا يتخلف عن درسه الأسبوعى بالجامع الأزهر الشريف مهما تكن الظروف والأحوال حتى فى يوم المطر الشديد، وإذا كان فى مجلس أو اجتماع فإنه كان يستأذن منه ليحضر بين طلابه وأبنائه مع الحرص على التوجيه والتهذيب ؛وذلك بسلاسة أسلوبه، وترتيبه للمعلومة التى يقولها، مع التحضير المتقن فى ورقات يصحبها فى الدرس، وسوقه للتجارب الشخصية، والحكايات العلمية، مما يدل على الاهتمام والحرص على الإفادة، بل كان يقوم بإكرام الطلاب فى وقت الدرس على نفقته، وبذله لكتبه ومؤلفاته بغير مقابل لكل طالب علم.
ويضيف الشيخ شريف نعمان، إمام وخطيب بالأوقاف وأحد تلاميذ الشيخ الراحل قائلا : لقد كان شيخنا من العلماء العاملين، الذين حرصوا على العلم تعليمًا وتعلُّمًا إلى آخر لحظات حياته، وأدَّى زكاة علمه؛ وهى نشره وتعليمه! فقد كان عالمًا موسوعيًّا، يجيد تخصُّصه وفى غير تخصُّصه، ودروسه فى الجامع الأزهر وأروقته كثيرة مشهورة، تُنبئ عن غزارة علم، وسعة اطلاع، كان عالمًا من الطِّراز الأوَّل، تشعر أنَّه من بقيَّة السَّلف، ودُرَّة الخلَف! عاش أزهريًّا؛ عقيدة وشريعة وتزكية.
رحل الشيخ أحمد طه ريان عن عالمنا، لكنه ترك للمكتبة الإسلامية عددا من المؤلفات القيمة والعامرة التى تناولت قضايا ومشكلات العصر الذى نعيشه والتى تظهر أنه كان مهموما ومشغولا بمشكلات وطنه خصوصا الشباب ومنها ضوابط الاجتهاد والفتوى..سنن الفطرة بين المحدِّثين والفقهاء.. فقهاء المذهب المالكى..تعدُّد الزَّوجات ومعيار العدل بينهنَّ فى الشَّريعة الإسلاميَّة..المخدِّرات بين الطِّبِّ والفقه.. التَّعليق الفقهى على مدوَّنة الإمام مالك.. الردّ على الفِكر العَلماني..المدخل الوجيز فى التَّعريف بمذهب إمام الفقه والحديث مالك بن أنس..المُسكِرات وعقوبتها فى الشَّريعة الإسلاميَّة..التذكير بجهاد قادة المؤسَّسة الأزهريَّة المباركة فى كيفيَّة الحفاظ عليها عزيزة، وتمكينها من أداء رسالتها. ومن الكتب التى قام بشرَحها فى مجالس العلم بالجامع الأزهر، ومسجد الشَّيخ صالح الجعفرى: صحيح الإمام البخاري..الشَّرح الكبير على مختصر خليل للإمام الدَّردير.. رياض الصَّالحين للإمام النووي.. متن الأخضرى فى الفقه المالكى.
رابط دائم: