رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ســـر الفرنســيين

دائما ما ينظر للفرنسيين بأنهم أكثر الشعوب رومانسية على الأرض، حتى أصبح الحب والرومانسية يرتبطان بهم وبعاصمتهم باريس. لمئات السنين؛ قدم الفرنسيون أنفسهم كمرشدين لفن الحب من خلال أدبهم ولوحاتهم وأغانيهم وأفلامهم، حتى إن الرجل أو المرأة الفرنسية دون عاطفة أو شغف يُنظر إليهما من قبل المجتمع الفرنسى بوصفهما معيبين، كمن يفتقد حاسة الشم أو التذوق. لكن ما السر وراء تلك السمعة العالمية التى دفعت بسيل من الكتب لمحاولة فك شفرة الحياة العاطفية والحسية الأفضل للفرنسيين والغموض الدائم للمرأة الفرنسية؟ ولماذا أصبح الحب على الطريقة الفرنسية أشبه بعلامة تجارية يتداولها العشاق والمحبون حول العالم أو يقلدونها مهما اختلفت الثقافات واللغات. ما الذى يلهم الفرنسيين ليحبوا بشغف شديد على أى حال؟

قد تبدو الإجابة صادمة للكثير من الثقافات والأعراف المجتمعية والدينية، حيث تحتل الأهمية الحسية أولوية فى نمط حياة الفرنسيين سواء فى الطعام أو المغازلة أو التألق اللفظى أو الأزياء، يرجع ذلك إلى فصل الفرنسيين بين العاطفة والزواج. هذا ما تكشفه الباحثة مارلين يالوم فى كتابها « كيف اخترع الفرنسيون الحب: تسعمائة عام من العاطفة والرومانسية» عبر جولة ساحرة بالأدب الفرنسى خلال الألفية الماضية، من العصور الوسطى حتى الوقت الحاضر، من حب موليير الكوميدى إلى الحب المأساوى لراسين، ومن الحب الوجودى لسيمون دى بوفوار وجان بول سارتر إلى رومانسية جورج ساند وألفريد دى موسيت، وغيرهم. هى تستكشف ألغاز الحب وتعقيداته كما ورثها الفرنسيون من أدبهم منذ قرون، وتتجاوز الكليشيهات المعروفة لتقدم دراسة شاملة ومسحا نفسيا وثقافيا ثريا يحلل الكيفية التى استمر بها الفرنسيون تاريخيا فى التعامل مع الرومانسية والعاطفة والشغف والجنس والزواج .

تبدأ بشعر التروبادور الذى أسس التقاليد المثالية للحب الملكى الفرنسى بالعصور الوسطى حتى أفلام العصر الحديث. التمييز بين الرابطة العاطفية الحقيقية والرغبة المجردة يمر عبر كل الأدب الفرنسي، لكنهما ليسا بالضرورة متعارضين. تشير «يالوم» إلى قبول الثقافة الفرنسية الصريح المتعة الحسية حتى وإن كانت خارج إطار الزواج، وهو أمر أكثر إشكالية بالنسبة للأنجلو ساكسونيين الذين ينظر لهم الفرنسيون بوصفهم متشددين!. ويعد الزواج الشهير بين جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار، اللذين حافظا فيه على حب «أساسي» بينما كانا يستمتعان بالحب «العرضي» مع الآخرين، مثالا للقرن العشرين على الاعتراف البراجماتى الفرنسى بأن الزواج والعاطفة لا يسيران جنبا إلى جنب دائما.

خلال مختلف العقود يتمسك الفرنسيون بقاعدة حول التركيز على الرضا الجسدى والشغف الحسى فى أى علاقة حب، بحيث لا تنجح أى علاقة حب دونهما، حتى إنه وفقا للقانون والمجتمع فإن سن الموافقة على إقامة علاقة جنسية بفرنسا هى 15 عاما، بينما تكون 18 عاما فى أمريكا. كما أنهم يتقبلون بأريحية الجوانب المظلمة التى تتردد الكثير من الثقافات الأخرى فى الاعتراف بها أو قبولها مثل الجنس خارج نطاق الزواج، وتعدد العشاق، وجرائم العاطفة. يقبل الفرنسيون فرضية أن الشغف له ما يبرره، ويؤمنون بأن الحب الكامل يتطلب متعة جسدية وعاطفة عميقة، وأنه ليس من الشرط أن يطلبوا من شريك واحد تلبية جميع الاحتياجات العاطفية والجسدية مدى الحياة. بدلا من ذلك، لطالما كان التواصل خارج نطاق الزواج فرصة للعاطفة أو حتى الحب الشامل دون تهديد للزواج أو الأبوة.  كما يظل الأزواج والزوجات الفرنسيون ملتزمين بالحفاظ على علاقتهم الرومانسية على قيد الحياة فى زيجاتهم حتى سن الشيخوخة جزئيا من خلال مغازلة بعضهم البعض علانية، وكذلك الآخرون.

تدوم الزيجات الفرنسية أو تستمر فى العلاقات الفردية خارج نطاق الزواج، لكن هذا لم يكن دائما سهلا على النساء مثل الرجال. تسلط «يالوم» الضوء على أنه خارج ثقافة البلاط بالعصور الوسطى وزيجات القرن العشرين، كان يُتوقع من الزوجات الفرنسيات أن يبقين وفيات بينما يُسمح للأزواج بالتجول بين أكثر من شريكة. بالتأكيد يتعارض ذلك مع قيم الوفاء والولاء؛ لذا تصطدم الثقافة الفرنسية فى هذه النقطة مع ثقافات اجتماعية أخري. لقد تم تصميم الدليل الإرشادى الرسمى لممارسى الحب الراقى (ما نسميه اليوم الحب الرومانسي) بالقرن الثانى عشر فى بلاط مارى دى شامبين، إحدى أوائل رعاة الفن والحب، بإعلان أن العشاق متساوون مع رفع المرأة إلى مكانة أعلى. كان من المفترض أن تعشق السيدة اللطيفة وأن تُخاطب كما لو كان الفارس على استعداد للخضوع لها دائما طوال الحياة. لا يهم أنها عادة ما تكون متزوجة؛ لا يمكن للمشاعر بين الأزواج والزوجات أن تكون مؤهلة للغرام!. توضح يالوم أن هذا الأسلوب الأرستقراطى فى الخطوبة والحب، كان مبنيا على الرغبة الشديدة التى لا تلتزم بالقواعد التقليدية للمجتمع. كان للشغف والرغبة الأسبقية على كل شيء، بما فى ذلك الروابط بالأزواج، والأسرة، وإملاءات الكنيسة الكاثوليكية.

الكتاب يمكن قراءته أيضا بوصفه نقدا ثقافيا وتاريخا اجتماعيا موجزا جدا لفرنسا. المشكلة الوحيدة هى عنوانه الخادع، لأن الفرنسيين لم يخترعوا الحب، حتى وإن أضافوا بصمتهم البارزة عليه وقاموا ببناء نسختهم المعاد اختراعها. فالحب تتم إعادة اختراعه إلى ما لا نهاية فى كل ثقافة، وفى كل عصر ولكن قام الفرنسيون بتنمية ورعاية الحب على طريقتهم منذ العصور الوسطى حتى أصبح L mour à la française سببا للفخر الوطنى الفرنسي. تختلف معهم الكثير من الثقافات والمجتمعات حوله، وفى الوقت نفسه تحسدهم عليه.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق