هل من السهل أن تتخلى عن الثروة وتغادر حياة الترف والبريق المستمر؟! فعلها الملياردير جيف بيزوس-٥٧ عاما- الذى تخطت أرصدته حاجز الـ 200 مليار دولار، محطما رقما قياسيا. فبعد أن تربع على عرش أثرياء العالم فى ٢٠٢٠قال : «كفى» لدينا المال والنفوذ، وقرر أن يتنحى عن منصب المدير التنفيذى لشركة «أمازون» عملاق التجارة الإلكترونية التى وضع أساسها قبل ٣٠ عاما. أعلن الاعتزال وهو فى عنفوان مجده وقمة التوهج والنجاح والطريق مفتوح أمامه أكثر لجنى المزيد من ملايين الدولارات فى خزائنه البنكية .. فلماذا؟!.
للإجابة العملية عن هذا السؤال، لايوجد أبلغ من التقرير الرائع الذى نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» فى نوفمبر الماضى عن المبادئ العشرة التى صنعت فلسفة «بيزوس» منذ صغره. حزمة من القيم والقواعد قادت الفلاح الأمريكى الطموح إلى الانتقال من مجرد مكتبة متواضعة بجراج منزل عام ١٩٩٤ إلى قيادة أكبر مشروع للتجارة الإلكترونية وأضخم شركة تكنولوجيا متعددة الجنسيات. وكانت تلك المبادئ كفيلة بتفوق «بيزوس» فى رفع أسهم شركته إلى ٨٧ مليار دولار، وبلوغ مبيعات الشركة ٣٨٦ مليار دولار، بزيادة قدرها ٣٨ ٪ عن عام ٢٠١٩، فتتضاعف الأرباح وتصل إلى ٢١٫٣ مليار دولار.
فبيزوس يؤمن بأن لكل مشكلة حلا، من خلال التفكير والابتكار، وأن العميل دائما على حق، إلى حد أن توم ألبيرج المدير السابق لـ «أمازون» وصف بيزوس بأنه «مولود بجين العميل» من فرط التزامه بإرضائه طول الوقت وتحت أى ظرف. ويراهن الملياردير العصامى أيضا على أسلوب «العودة إلى الوراء والتوسع إلى الأمام»، بمعنى دراسة بدايات أى مشكلة لبحث أسبابها ثم الانطلاق منها نحو المخرج المناسب. ودائما ما يُذكِّر بيزوس العاملين فى مجموعته بـ «اليوم الأول» لإنشاء الكيان، لكى يعملوا بنفس الطاقة والنشاط والتفانى كما لو كانت ضربة البداية للإبقاء على التعطش للابتكار وروح العمل. ولا يتخلى أبدا عن خيار المغامرة الذى دفعه إلى فتح أسواق عالمية لـ «أمازون» مع بداية انتشار ظاهرة المواقع الإلكترونية عام ٢٠٠٠، واقتحام مجالات جديدة. مبدأ آخر التزم به بيزوس، وهو أن «الفشل طريق النجاح». ومن خبرة الفشل تكتسب مناعة ضد الندم على شئ قررت تجربته. ومن أبرز سمات شخصية بيزوس القيادية مطالبته الدائمة لمن يعمل معه بالتعبير عن رأيه. ومن هذه الزاوية تتغذى طاقة «المنافسة» على حرية تبادل الأفكار والاقتراحات، وتمتد إلى نطاق أوسع لمواجهة الشركات الكبرى والمؤسسات العملاقة فى سوق المال والتجارة الإلكترونية. ومن ثم يتحقق المبدأ الأخير فى نهاية الرحلة بالنظر دوما إلى المدى البعيد والتخطيط المتقن والمدروس للمستقبل بما يضمن استمرار الصعود والحفاظ على منحنى «أمازون» الشاهق. وانطلاقا من «مبادئ أمازون»، لم يرغب بيزوس فى أن يخلد للراحة والاستجمام، وإنما ضحى بمنصبه ليتفرغ لمشروعات أخرى تغازل طموحاته وأحلامه المتجددة. فهو لايزال شغوفا بمبادرات «أمازون» الملهمة، ويسعى لحشد وقته وعقله للتركيز على صندوقى «اليوم الأول» و «بيزوس إيرث»، وشركة استكشاف الفضاء (بلو أوريجين)، فقد صرح الملياردير العاشق للتجارب فى حديثه خلال إحدى فعاليات «بلو أوريجين» بأن الأرض محدودة، وفى حالة استمرار اقتصاد وسكان العالم فى التوسع، فإن الفضاء هو السبيل الوحيد». وأخيرا، تطوير صحيفة «واشنطن بوست». لاريب أن استغناء «بيزوس» عن عرش «أمازون» أكبر درس للتعامل مع المال باعتباره وسيلة وليس غاية .. ومن يملك ملكات الابتكار والطموح لا يجلس «عبدا» للثروة وشهواتها. القاتلة .. ولذلك يتعلم ويربح كثيرا»!.
رابط دائم: