-
23 طالبا فقط دفعوا المصاريف كاملة و 88% يحصلون على دعم مادى
-
خسرنا 33% من عائد الوقف ولولا تدخل الدولة لأصابنا العجز
كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، عندما كنا ننعطف بسيارة الأهرام على طريق « زويل» المؤدى إلى مدينة العلوم والتكنولوجيا، والتى تقبع بحدائق أكتوبر فى موقع متفرد، يتيح لك أن تحظى بإطلالة على الأهرامات الثلاثة فى جانب، بينما تطل من جوانب أخرى على مساحات خضراء، ومبان تزدحم بحركة دءوبة لعمال وآلات.
التقينا القائم بأعمال الرئيس التنفيذى لهذا المكان وعميد الشئون الاستراتيجية به الدكتور محمود عبد ربه أستاذ تصميم الآلات والهندسة الميكانيكية، الذى أمضى فترات طويلة من حياته المهنية متنقلا بين بلدان العالم كأستاذ بجامعات ألمانيا والنمسا واليابان، حتى عاد ليتولى منصب مدير وحدة ضمان الجودة بهندسة القاهرة، وذلك قبل أن يبدأ مشواره فى مدينة العلوم والتكنولوجيا بنحو خمس سنوات، وافقنا على أن نرافقه فى جولة داخل أرجاء المدينة أولا قبل أن نبدأ حديثنا ونطرح أسئلتنا، حيث استطعنا أن نميز بين مبنيين ضخمين، أحدهما يحمل بأعلاه قبة نحاسية اللون تضاهى فى فكرتها قبة جامعة القاهرة، وهذا هو المبنى الإدارى للجامعة، بينما الثانى هو المبنى الأكاديمى الذى سوف يتسع بعد استكماله قريبا ــ يتم تسلم نصف المبنى فى يوليو القادم ــ لاستيعاب نحو عشرة آلاف طالب مابين مرحلتى البكالوريوس والدراسات العليا، إذ كانت المفاجأة أن الطلبة بالجامعة يدرسون بمبنى المراكز البحثية، وهى بالطبع غير مؤهلة لذلك، أما السبب ـ وفقا للدكتور محمود ـ فهو عدم وجود قدرة مادية لاستكمال المنشآت، التى تتكلف أكثر من أربعة مليارات جنيه، ولولا تدخل الدولة بتوجيهات من الرئيس السيسى بدعمنا بمبلغ 3.1 مليار جنيه لأصابنا العجز وتوقف العمل.
مع ظهور لغة الأرقام كنا قد غادرنا مواقع المبانى بما فيها من عمال ومشرفين إلى قاعة صغيرة بمبنى «حلمى» نسبة إلى شخصية المتبرع به وهوالدكتور حسن عباس حلمى، صاحب إحدى كبرى شركات الأدوية، وهو ماتكرر مع لافتات كثيرة وقعت أعيننا عليها خلال الجولة تحمل أسماء عدد من البنوك الوطنية مثل بنك مصر، والبنك الأهلى، كل هؤلاء يعتبرون جهات مانحة أو شركاء النجاح كما أسماهم دكتور محمود، ومنهم أيضا بيت الزكاة المصرى، ومؤسسة مصر الخيرالتى ألزمت نفسها بتحمل عدد من المنح تقدمها لطلاب الجامعة، جلسنا ومعنا مسئولة الإعلام رنا مراد، لنلقى بأول الاتهامات، ونسأل:
هل فعلا حدث «تأميم» لمدينة زويل ؟
أجابنا بابتسامة هادئة: مصطلح التأميم حتى يصدق على حالتنا لابد أن يتبعه عدة متغيرات، تبدأ بتغيير الإدارة القائمة، والذى يعقبه تغييرفى اللوائح وهذا مالم يحدث، فلدينا لائحتنا المنشأة بقانون خاص مثل الجامعتين اليابانية والأمريكية، وأؤكد أنها ستظل كماهى، نقطة أخرى تتعلق بمجلس الإدارة القديم، الذى لم يكن باستثناء الرئيس التنفيذى من داخل المدينة، فى حين أن المجلس الجديد أغلبيته من الداخل وهم أدرى بشئون المدينة، ولايزال مجلس الأمناء قائما بوضع السياسات والاستراتيجيات ومتابعة آداء مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذى، أى أنه رقيب عليهم، ويكمل د.عبد ربه مضيفا: لو أنه تأميم أيضا لكان قد طُبق علينا قانون تنظيم الجامعات، ولكان عندى موظفون وهيئة تدريس بعقود مستديمة، والحقيقة أن الجميع هنا بعقود سنوية، يخضع أصحابها للتقييم قبل التجديد لهم، ولدينا أساتذة جاوزوا السبعين من عمرهم، وليس معقولا أن نعتبره تأميما لمجرد ترؤس وزير التعليم العالى لمجلس الأمناء، أو إدراج الجامعة فى التنسيق الحكومى!
فماهى مزايا التعديل القانونى إذن؟
لو عدنا لبداية الحديث عن المنشآت والمبانى التى كانت بحاجة إلى استكمال وأضفنا إليها متغيرات كثيرة أحاطت بالظروف الاقتصادية، منها تخفيض البنك المركزى للفائدة على الودائع، مما أدى لخسارتنا نحو 33% من قيمة العائد المتحصل من وديعة الجامعة أو الوقف الذى أوقفه الدكتور زويل للإنفاق من عائده، ومنها كذلك تفشى كورونا وتفضيل الجهات المانحة توجيه تبرعاتهم لدعم أوجه الرعاية الصحية، وماحدث أننا لم نستطع تغطية تكلفة المنشآت التى تبلغ 4.2 مليار جنيه، وفور تغيير القانون تم ضخ المبلغ المتبقى وبدأ العمل كخلية نحل كما ترون.
ما مدى صحة أن «زويل» جامعة للقادرين فقط ؟
لدينا طلاب من كل محافظات مصر ومن قرى ونجوع أيضا، يحصل 88% منهم على دعم مادى، ونحن المكان الوحيد الذى يفعل ذلك لطلابه، كما أننا المكان الوحيد الذى قام بتخفيض قيمة المصروفات التى كانت وفقا لقرار مجلس الإدارة السابق 145 ألف جنيه إلى 96 ألف جنيه بعد تغيير القانون، دون مساس بالجودة التعليمية، وهذا العام قدمنا 24 منحة كاملة، و154 منحة جزئية تتراوح ما بين 10% و90% وبذلك لم يدفع المصاريف كاملة سوى 23 طالبا، وقال إن من حق أى طالب يجتاز مرحلة الاختبارات التقدم بطلب استمارة الدعم المادى، والتى يجب تدعيمها بمستندات بنكية بالأرصدة لدى جميع البنوك، ويكون الحكم على استحقاق الطالب للمنحة كاملة أو جزء منها، بالنظر إلى دخل الأسرة وماتملكه مع مراعاة عدد أفرادها وبنود الإنفاق لديها، ولايتم الاكتفاء بالبيانات، وإنما هناك لجنة لتحرى واستقصاء صحة استحقاق الطالب من عدمه، نافيا من ناحية أخرى ماتردد عن وجود مايسمى بشهادة الفقر، لافتا إلى أن جامعة زويل لا تهدف للربح وفقا للقانون، ولم تحقق أى أرباح منذ إنشائها.
وما سبب بقاء أماكن بالجامعة للمرحلة الثالثة؟
هذا العام كان استثنائيا فى أشياء كثيرة، منها تأخر إعلان نتيجة الثانوية العامة، أكثر من شهر، وتوقيت قرار دخولنا التنسيق الذى تم أثناء مرحلة اختبارات القبول بالجامعة، فلم يكن متاحا أن نبلغ التنسيق بما تم شغله، مما ترتب عليه أن ظهرنا فى المرحلة الثالثة، والحقيقة أننا لم نقبل من طلاب المرحلة الثالثة أحدا لأن الحد الأدنى للقبول لدينا 85%، وبالمناسبة كان الهدف وراء إدراجنا فى التنسيق الحكومى أن نصل إلى كل الشرائح الاجتماعية والمناطق الجغرافية، فهناك من لا يتخيل أن بإمكانه دخول جامعة زويل، أو يجهل الطريق إلى ذلك، أو يعتقد أنه سيأتى ليدرس الطب البشرى، ثم يفاجأ بأنه لا يتخرج لدينا طبيب، وإنما باحث بدرجة دكتور.
وماذا عن التشكيك فى مستوى اختبارات القبول؟
هناك خمسة اختبارات نجريها للطالب، فى الرياضة والفيزياء والكيمياء والأحياء، بالإضافة إلى التفكير النقدى، ويخوض بعدها اختبارات أخرى للتأكد من سمات الشخصية، فكيف يمكن أن تتم المجاملة فى أى خطوة خاصة أننا جامعة بحثية تجرى عملية انتخاب طبيعى لطلاب وطالبات يتسمون بصفات أقرب للعبقرية، ولدينا سمعة بالخارج لا يمكن المجازفة بها، ولقد وصلتنا طلبات شراكة علمية من جامعتى جنت، وبروكسل فى برنامج خاص بالضوئيات، بعد أن تقابلوا مع طلبة وقبلوهم بمرحلة الدراسات العليا ولمسوا مستواهم العلمى الفذ، بل أن لدينا طلبة ينشرون أبحاثا فى دوريات علمية دولية مهمة، واستطعنا أن نسبق آلاف الجامعات العالمية فى برنامج الفيزياء بترتيب شنغهاى، ولذا دائما تتراوح نسبة المجتازين لاختباراتنا حول الـ 50% وليس كما أُشيع أنها وصلت 80%.
ما الذى يستفيده المجتمع من «زويل» ولماذا تتحمل الدولة هذه المبالغ؟
زويل هى إحدى القواعد العلمية التى ستدفع بمصر إلى مرحلة الاقتصاد المبنى على المعرفة كحال الدول المتقدمة كلها، وهى مشروع قومى وليست جامعة فقط، إذ لدينا معاهد بحثية، ونادى العلوم والتكنولوجيا وهو المسئول عن إنتاج أفكار الطلاب والأساتذة لخدمة الصناعة والمجتمع، مثل فكرة الضمادة الذكية لجروح مرضى السكرى، وأسمدة اليوريا المقاومة لتسرب المياه، وأخيرا تصنيع أجهزة تنفس صناعى محليا، ونحن حاليا أيضا فى مرحلة إنتاج مستلزمات المعامل بدلا من استيرادها بتكلفة باهظة، كما سبق للدولة أن دعمت المدينة فى مشكلتها مع الأرض وخصصت لها مساحة مائتى فدان بحدائق أكتوبر والتى نقف عليها الآن.
هل تتوقع استمرار الإقبال على الالتحاق بالجامعة؟
سنظل قبلة الباحثين عن النبوغ العلمى والبحثى، وأيضا الباحثين عن فرص عمل مطلوبة ومضمونة، حيث يتم إلحاق 90% من المتخرجين بالعمل خلال ثلاثة أشهر من التخرج، حيث يعمل جزء منهم بالصناعة المصرية، وجزء آخر يكمل دراساته العليا سواء بمصر أو بالخارج.
قبل أن ننهى زيارتنا للمدينة، قمنا بجولة أخرى لم تكن بين المبانى والإنشاءات، وإنما داخل المعامل، حيث تفقدنا قاعات تحمل جدرانها أشهر علماء التخصص الذى يتم دراسته بكل قاعة، فهذه لوحات لمارى كورى، وأنيشتين، وكالوديوس، والدكتور أحمد زويل، حيث تحدثنا داخل معمله الخاص مع الدكتورة نهال على وهى تعمل على جهاز الميكروسكوب الإليكترونى النافذ، والذى يتيح رؤية الأشياء المتحركة فى مدى صغير بداخل الذرة، وزمن التفاعل بالفيمتو ثانية، وهو ما استحق عليه العالم الراحل جائزة نوبل، كما حاول به الدكتور زويل الوقوف على التفاعلات التى تحدث لمرضى الألزهايمر، وهو الجهاز الوحيد بالشرق الأوسط الموجود بالمدينة.
انطباعات النابغين
ينتظم فى مقاعد الدراسة بجامعة زويل عقول شابة لها حظ وافر من الذكاء والنبوغ، تجولنا قليلا بين عدد منهم لنرى كيف كان الانطباع بعد أن أصبحوا جزءا من المكان، منهم «محمد» طالب الفرقة الثالثة، وعاشق لتخصص الفيزياء، يقول: بمجرد ظهور نتيجة الثانوية العامة كنت حاسما لأمرى بسرعة التقدم لخوض الاختبارات المقررة بزويل، لأنها أفضل جامعة فى هذا التخصص، ومن باب الاحتياط تقدمت بأوراقى أيضا إلى التنسيق الحكومى، وبالنسبة للمصروفات يقول محمد: حصلت على منحة 75% فى العام الأول، ثم تقدمت فى العام التالى خاصة بعد نجاحى بتفوق بما يدعم أحقيتى فى مزيد من الدعم، وبالفعل تقرر إعطائى منحة كاملة.
وتقول طالبة بالفرقة الثالثة قسم علوم طب حيوى فضلت عدم ذكر اسمها، : حصلت فى الثانوية العامة على مجموع 95% وكان حلمى الالتحاق بإحدى كليات الطب، إلا أننى لم أوفق، فقررت الالتحاق بكلية العلوم جامعة الزقازيق حيث أقيم مع أسرتى، وبالمصادفة سمعت عن مدينة زويل، ومستواها فى البحث العلمى، فقررت البحث عن كيفية الوصول إليها وتقدمت بالفعل، واجتزت اختبارات القبول كلها، وحصلت على منحة كاملة بل وفرصة للسكن بمقر الطالبات.
اجتهدنا لنقدم آراء كل الأطراف.. المشككين والمرحبين وبينهما فريق ثالث من القلقين.. فعلنا هذا لأن «زويل» كانت وستبقى مشروعا قوميا، وأملا اقتصاديا وصناعيا يستحق أن نفزع لمساندته، ومناقشة كل ما يهدد مسيرته.
رابط دائم: