رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

استعادة رسائله «الباريسية» فى الذكرى الـ 113 لرحيله..
مصطفى كامل : « مصر للمصريين».. ويكشف «من أين يأتى الخطر » فى حديث الاحتلال بلسان الوطن

يسرا الشرقاوى
مصطفى كامل

«هو أول مصرى أسمع العالم صوت مصر»، هكذا وصف المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى (1889- 1966) رحلة الزعيم الوطنى مصطفى كامل إلى باريس فى مايو 1895، طلبا لمساندة استقلال بلاده عن الاحتلال البريطانى، وتفنيدا للاعتقاد الدولى بالرضا المصرى عن التحكم الأجنبى. وكانت تلك الرحلة محل شكوك كثيرين وتندر البعض، إذا قام بها مصطفى كامل (1874- 1908) بعد إتمامه دراسة الحقوق بجامعة تولوز الفرنسية، فكانت سنوات عمره محدودة لم تتجاوز الـ 21، ولكن عزمه كان وفيرا.

هذا العزم لم يهن حتى أخر يوم فى حياته، مما جعل الكاتب الصحفى ورئيس تحرير الأهرام الأسبق داود بركات ينعيه قائلا: «ان الطريقة التى كانت عنوان عمل مصطفى كامل هى الحرية فى القول والمجاهرة بما يضمره، والتذزع بالشجاعة فى العمل».


مصطفى كامل شابا

المناضل الشاب .. البداية فى « تولوز»

وقتها كانت مصر تحاول كشف الغمة التى تكثفت عقب إخفاق «الثورة العرابية» وإحكام الاحتلال الإنجليزى قبضته على مصر فى 1882.ووسط هذه الأجواء، حدد مصطفى كامل دوره لدفع « سهام» الاحتلال عن قلب مصر. أدرك أن بلاده تحتاج لسياسة «علاقات عامة» وطنية وفعالة لتعريف الرأى العام الأوروبى والعالمى بحقيقة موقف أبنائها من الاحتلال المفروض فرضا. فبادر خلال سنوات الدراسة الفرنسية بالكتابة عن القضية المصرية فى صحيفة « جازيت دى تولوز» وبعد استقرار قصير الآجل فى مصر، عاد إلى فرنسا فى مايو 1895 ليتولى حملة واسعة النطاق دفاعا عن استقلال مصر.

فوفقا لما أوردته «الأهرام» فى عددها الصادر 14 مايو 1940، أن «كامل» خلال زيارة 1895: « اتصل برجال السياسة والأدب والصحافة يعرفهم بان مصر لا تقبل الاحتلال. وقدم الى مجلس نواب فرنسا نداء حارا باسم مصر فى شكل صورة رمزية سياسية تمثل بلاده وهى ترسف فى قيود الاحتلال وتستصرخ فرنسا والإنسانية لمعاونتها على تحريرها. وارسل هذا النداء والصورة الى جميع صحف فرنسا وصحف العالم فنوهت الصحف الفرنسية وكثير من الصحف فى أوروبا وأمريكا. وكذلك وزعهما على جميع النواب والصحفيين والسياسيين فى فرنسا .. ولم يكتف بهذه الدعاية بل أقام فى يوليو من تلك السنة اجتماعا فى «تولوز» دعا إليه صفوة رجال الأدب والصحافة وألقى فيهم باللغة الفرنسية خطبة سياسية جامعة عن القضية المصرية استنكر فيها الاحتلال وأبان عدم شرعيته ومناقشته عهود انجلترا فى الجلاء. فكانت هذه أول خطبة له فى أوروبا دفاعا عن مصر والمصريين».

كانت هذه بداية رحلة قصيرة لنضال صادق من جانب مصطفى كامل باشا، الذى تحل الأسبوع المقبل الذكرى الـ 113 لوفاته فى 10 فبراير 1908.

رسائل من «باريز» لفضح المحتل

يكفى للمرء أن يستعيد ما خطه مصطفى كامل من باريس أو «باريز» كما كان يكتب وقتها، حتى يستشعر قوة عزم هذا الشاب الذى واجه أوروبا فى عقر دارها. فوفقا للأهرام، وتحديدا فى عددها الصادر بتاريخ الأول من يونيو 1895، راسل مصطفى كامل «الأهرام» برسالة عنوانها « من أين يأتى الخطر»، فنشرت الأخيرة نص الرسالة، والتى بدأت بقوله: «ما كنت أحسب قبل قدومى باريس أن أهلها عرفوا فى هذا العام من أحوالنا ما نعرف من أحوالهم وأدركوا من أسرار أمورنا ما ندرك من أسرار أمورهم بل كنت اخال القليل منهم مشتغلا بمسألة مصر كما شاهدت ذلك فى العام الماضى حتى اتيت عاصمة العواصم فى هذه الأيام فرايت اغلب من لاقيت واقفا على حقيقة آلامنا عارفا بمواضع جراحنا مما يبشرنى بانفراج قريب للازمة المصرية ونصرة من القوى للضعيف فلقد لاقيت يوم الاثنين الماضى فى وليمة تكرم بدعوتى حضرة المسيو لوسيان ميلفوا صاحب جريدة الباترى ( الوطن) كثيرا من رجال السياسة والأدب الذين لهم فى باريس المكانة الأولى فى التحبير والتحرير وتجاذبنا الحديث طويلا بشأن مصر متكلمين عن ماضيها وحاليها .. حتى قام اديب من كرام الحاضرين وقال: ( إنى لم اكن اعلم شيئا من حوادث مصر غير ان الانكليز فيها يريدون ابتلاعها وسياستهم على شواطئ النيل كسياستهم فى كل بلد اخر تنحصر فى الإفقار والاستعباد والتخريب ولكن اندهشت اعظم دهشة عندما قرأت فى الجرائد خبر تأسيس محكمة مخصوصة تقبض بيديها على السلطة التشريعية..».

ويكمل مصطفى كامل نقل حديث النفر الفرنسى فى رسالته إلى «الأهرام»، فيوضح أن الرجل أضاف، قائلا: « ومن ذلك اليوم درست المسألة دراسة مجتهد عامل حتى وقفت على مجريات الاحوال وعموميات الأشياء وخلاصة ما استنتجته ايها السادة ان مصر بلد سيئ الطالع رزق فى هذا العصر المنير عصر الحرية والمدنية باحتلال اجنبى يديره رجال ( لا يعرفون غير الاستبداد وحب العلو والظهور والانتقام) وقوم من مصر سواء من أبنائها أو من الداخلين عليها لم يأت التاريخ بذكر مثلهم فصلوا السودان عن مصر ومكنوا العدو من كل شيء وقدموا ما يسمونه بالمصالح الخاصة ( على أنهم مخطئون فى التسمية) على المصالح العامة... فكيف تريدون أيها المصريون حرية بلادكم وخروج الانكليز من دياركم وأنتم لم تعرفوا واجباتكم الوطنية وتهدوا أوروبا الى الحقائق بل تركتم هذا الواجب الخطير الى الجرائد الانكليزية تقص علينا من أموركم ما يناقض الحقائق ويخالف الواقع...»

رد مصطفى كامل ورسالته للمصريين

وبعد استعراض ما كان من إدانة المعلق الأجنبى لما اعتقده من تقاعس المصريين ، كان تعليق مصطفى كامل واردا فى ذات الرسالة المنشورة على صفحات «الأهرام»، وجاء فيه: « هذا مضمون ما فاه به كاتب سياسى خطير ولست محتاجا لأعرف القراء الكرام أن قوله وأن يكن مؤلما فهو حق صدق فكلكم قائلون ذلك عند قراءة رسالتى. وحقا ان المصيبة فى امر مصر تقع على رؤوس الضعفاء منا والدخلاء علينا أكثر من وقوعها على الجنود التى تحتل بلادنا فرجال حكومتنا الموكلة لهم الأعمال إما أجانب عن مصر أو ضعفاء من مصر أو يائسون لا يصدقون بخير مصر. ولوعرف أولئك الاجانب عنها أن من اشرف الخصال واجل الشمائل الاعتراف بالجميل ومعاملة هذه الديار بالنظير لما عاملوها هذه المعاملة وألقوها بين أيدى أعدائها يتصرفون فى أمورها كما يشاء هواهم. ولو فهم الضعفاء من رجال حكومتنا أن الوطن فوق كل شىء وأن الشفقة عليه والإخلاص له يجب أن يكونا فوق الشفقة على الأم والأب لما كانوا سلموا أمور مصر إلى أعدائها والد خصومها يخبرون البلاد ويشقون العباد. ولو علم اليأسون منا ان كثيرا من الأمم كانت أتعس منا حظا وأنكد طالعا فعملت وجدت حتى بلغت السعادة والعلاء بل لو كانوا تصفحوا التاريخ وقرأوا أن كثيرا من الامم التى نعجب بسعدها اليوم رأت من العذاب ومن الاجحاف اكبر الاجحاف لكانوا عملوا على سعادة مصر بالعزم والحزم مع الصبر والانتظار وكانوا ولا محالة نجحوا فى عملهم الشريف. فهذه الولايات المتحدة التى تدهش العالم كل يوم بمحاسن أعمالها وأحاسن اختراعاتها عاشت عمرا طويلا تحت نير الظلم والاستبداد يجرعها الانكليزى كئوس العذاب لم تنهض إلى المطالبة بالحرية والاستقلال الا باتحاد أبنائها والعزم والحزم والصبر والانتظار. وهذه ايطاليا صبرت طويلا وعملت كثيرا فنالت الجزاء أحسن الجزاء وأصبحت اليوم فى عداد الدول الخطيرة... فليس على المصرى الأمين واجب آخر غير نشر الحقائق عن امته ووطنه فى أوروبا والاستعانة بها كما استعان بها غيرنا من قبل ألا فأجمعوا كلمتكم أبناء الوطن العزيز وأخلصوا النية فى خدمة مصر وألقوا وراء ظهوركم الشقاق والنفاق واختاروا سبيل الخلاص سبيلكم حتى يشهد لكم العالمون بالكفاءة والاستعداد وحب الوطن وترون بعين البهجة والرضا بعد زمن يسير (مصر للمصريين)

باريز فى 24 مايو 1895.

«مصطفى كامل».


اللوحة التى وزعها الزعيم الشاب لتجسيد فظائع الاحتلال الإنجليزى فى مصر صور ــ أرشيف الأهرام

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق