أصابع العسليه بالسمسميه هى السبب.. يعرف أنها تعشقها وهو يعشقها.
هى ابنة عمه التى أحبها وهى فى اللفه ظن أن اسمها على اسمه الزينه. والزين لم يفهم إلا بعد أن بدا يكبر أنهما تسميا على اسم الجدة والجد الكبيرين كان يصيبهما الرعب من العجائب التى ظل الكبيران يفعلانها حتى بعد ان تردد أنهما ماتا فى ظروف غامضه ويظهران ليعاقبا من يكذب من أحفادهما.. وعى الزين على الزينه عندما كان يذهب وهو طفل إلى بيت عمه وتضعها زوجة عمره فى حجره لتفرغ هى لأعمالها.. يطير من الفرحه عندما تشير اليها زوجة عمه وتقول الملعونه.. لا تتوقف عن البكاء إلا عندما يحتضنها ابن عمها.
كبر وكبرت وكبر معهما المدفون من العشق واللهفه لم يعد يستطيع أن يحتضنها.. يدخر القروش التى يحصل عليها من عمه أبو الزينه بعد أن عرف أن أباه ذهب إلى الحرب ولم يعد.. يخجل من نفسه ويغض بصره ويدارى رجفه لا يعرف سببها عندما يلاحظ استدارة فى صدرها تحت ثوبها الواسع يشترى أصابع العسلية ويخبئها ليهديها لها عندما تعرف كيف تتسلل من بيتها ويظلان يلعقان العسليه ويتبادلان الضحكات الخجله وهما يتسابقان فى الغيطان وبين الزراعات حتى تقع ويقع عليها.. وينتفض مذعورا مما يحدث فى جسمه ويعاودا المشى وأكل العسليه والوقوع والجرى حتى يقتربا من العمار فتشد كفها الصغيرة من قبضة كفه وتجرى عائدة إلى دارها.
كانت علقه لا يطيقها الحمار ظل أخوها وأمها يتبادلان ضربها بعد ان تبعها أخوها وشاهد أصابع العسليه تتبادلها مع ابن عمهم وسباقات الجرى.. وادعاء وقوعها بين ذراعيه.. أحبت وجع الضرب وشد الشعر واللكمات فى جسمها وكله من أجل الزين.. يهون كل شىء إلا ما سمعته من همسات بين أمها وأخيها.. أن يسرعا لتزويجها قبل أن تأتيهم بالعار ويطلبان من أبيها أن يعجل بسترها.. انكشف السبب الذى من أجله كانت الملعونه ترفض الخٌطاب الذين كانت تأتى أمهاتهم تطلبها لأبنائهم.. لا تفهم معنى أنها طابت وكل ما فيها نضج قبل الأوان.. من الشقوق التى تملأ جداراً يفصل مكان نومها عن مكان نوم أبيها وأمها «سمعت أباها» يقول إكفى القدره.. تطلع البنت لأمها وكما اعتادت تسمع أمها تنهر اباها عما لا تعرف ماذا يحاول أن يفعله بأمها ولماذا تغار عليها منه رغم حبها لابن عمها.. أحبت حنان أبيها عليها لا تأخذه الرحمه بكل من فى الدار إلا بها.. أوامره المسموعه التى لا يستطيع أحد ان يردها.. هى فقط اذا استحلفته بحياة جدتها الزينه الكبيرة يبتسم ويسمع لها.
من فتحه وحيده ضيقه فى جدار المطرح الصغير الذى تنام فيه تصاحب وجه القمر.. اعتادت أن تقرأ وجهه وما يظهر عليه من رسوم ومتى يضحك ومتى يتكدر.. ومثل ما صاحبت القمر وحملته مناجاتها للزين صاحبت كل ما فى الدار الكبير من طيور وبط وأوز وحمام وأصبح لها بينهم أصدقاء تحكى لهم عن الشاطر حسن وست الحسن.. خرجا من الحدوته وجاءا الى بلدها ويسكنان فى دارها ودار عمها وتضحك والطيور يحبون بعضهم مثلها ومثل ابن عمها.
«الملعونه» أصاب عقلها مس جعلها تكلم نفسها لا تكف أمها عن لطم خدودها وهى تلوم زوجها تدليله لها وموافقته على رفضها لكل عريس جديد تأتى أمه أو خاطبه تطلبها ويواصل أخوها وأمها فى غياب أبيها ضربها المبرح على أمل أن تهرب من التعذيب وتوافق على الزواج.
لا أحد يعرف السر والفاتحة التى قرأها أبوها مع أخيه الأكبر الذى رباه وكان فى منزلة أبيه وتعهد له أن يرعى الزين وتكون الزينه له إذا غاب أخوه فى الحرب التى تم استدعاؤه لها.. يعرف ان أخاه كان من الجنود فى جيش سعيد باشا وأنه والأورطة من ضباط وصف ضباط وأنهم نقلوا فى البحر من الإسكندرية إلى أراض بعيده اسمها المكسيك وظل يستقصى عن مكان هذه الارض وأسباب ذهاب آلاى من المشاه المصريين والسودانيين الى هناك.. وفى يوم تمنى ألا تشرق شمسه أبدا جاءته تهنئه بأن أخاه استشهد.. ولم يعد قادرا أن يسمع بعد ذلك عما حكوه عن بطولات الأورطة المصريه ــ السودانيه وكيف قاموا بخدمات عظيمه رفعت اسم بلدهم وكانت شجاعتهم وبراعتهم فى ضرب النار ودخول المعارك فى اماكن لم يكن عسكر فرنس يستطيعون الاقتراب منها وأن آلاى المصريين دعم صداقه نابليون الثالث مع خديو مصر وسلموه شهادة تقدير ورساله كتبها أخوه يستحلفه ان يرعى الزين وينفذ العهد والوعد والفاتحة التى بينهما.
بسبب بطولة واستشهاد أخيه بعد ان ظل يبكى ويلعن الخديو ونابليون الثالث والقهر والظلم للغلابة والفلاحين.. الذين لا يأخذون غير أبنائهم إلى حروب وترحيلات لا يعودون منها.
وليسكت سلاطة لسان زوجته وثورات غضبها وكراهيتها المكتومه لأسرته وابن أخيه أخفى السر حتى يصبح الزين قادرا على حمل مسئولية الزواج ليتمه فى أسرع وأقصر وقت ليريح راسه والى ان يعود مع الشباب الذين اخذوهم للجنديه ــ وأحبه اكثر عندما رفض ان يقطع اصبعا من أصابعه ليصبح غير صالح للذهاب معهم.. طالت غيبته وارتجف قلبه فى صدره ولكن لا يوجد قلب ارتجف كما ارتجف قلب الزينه.. لا أحد تستطيع أن تبوح له بعذابها وخوفها وأشواقها.. ازداد نحولها وعزوفها عن الطعام ولم يشفعا لها عند أمها وأخيها ليخففا ضربهما وإهانتهما لها.. عادت الى القمر والطيور تحدثهم.. وعادت أمها إلى اتهامها بأنها فقدت عقلها وتأتى بمن يستطيعون أن يكتبوا لها أعمالا لتوقف مس الشياطين لها.. أحست بالموت يقترب منها.. أحلى ما فى مرضها انها ترى الزين عندما تغمض عينيها وعندما تفتحهما.. يحتضنها فى صدره عندما كانت تجرى إليه على يديها ورجليها قبل أن تتعلم المشى.
سمعت الزغاريد تملا المكان حولها.. عرفت ان أجلها جاء ورحمها ربها من عذابها.. والملائكه ستزفها إلى مكان ترى فيه الزين بعد أن يعود من سفره الطويل ويوافق أبوها أن تزف إليه.. لم تكن تعرف أن الجنه بهذا الجمال.. اشجار خضراء وحدائق وشلالات مياه..مزق جمال الجنه صرخات أمها وتهديدات من أبيها بضربها إن لم تبلع صراخها وتبدأ فى اعداد الزينه للزواج بعد أيام يستريح فيها الزين ويشفى من الجراح التى عاد بها.. واحد أو اثنان من الشباب الذين أخذوهم عادا معه واختفى الباقى كما اعتادوا.
عرفت أن أباها يجهز لها وللزين دوارا مستقلا وبعيدا عن غضب أمها. فرحت وكما لم تفرح إلا عندما تكون مع الزين وكأنها مثل طيورهم تطير بأجنحة من الفرحه استسلمت لمقص ودبابيس الخاله سعده أشهر وأغلى من تعد أثواب العرائس وملابس زفافهن ووصفت الثوب الابيض الذى اعدته لها بانه أحلى ثوب ألبسته لعروس.. وجاء أبوها لدارهم الجديد بأثاث سمعت صديقاتها يقلن أنه لم ينزل مثله فى الناحيه كلها.
صديقاتها يأتين لها بالعسليه والسمسميه التى يرسلها لها ويقلن لها أنه ينتظر أن يتم شفاء ساقيه سريعا من جروح وكسور اصابته أثناء خدمته بين العسكر والاتراك والخواجات.
سيشفى الزين ويقوم كالحصان عندما يجد نفسه فى داره الجديد ومع عروسه قال أبوها لنفسه وهو يخشى أن يقبضه المرض الغريب الذى بدا يحصد أرواحا كثيره وقبل ان يوفى بالعهد والفاتحه مع أخيه كان وباء لعين يحصد الكبار والصغار والشيوخ والأطفال ويكمل ما تفعله الترحيلات التى يأخذ فيها العسكر أبناءهم الى ما يعودون أو لا يعودون منه والموت والوجع والحزن والغياب والمصير المجهول لم يعد يوجد غيرهم فى حياتهم ولا مكان لأفراح أو راحة بال.
لا هو ولا هى يصدقان أنه آن أوان ان يحققا الحلم ويطفئ نار أشواقهما ويعود يحتضنها كما كان يفعل وهى طفلة وتتوقف فقط عن البكاء عندما تضعها زوجة عمه فى حضنه.. هل آن أوان أن يتحقق الحلم ويضعها فى حضنه الى الأبد رغم ان حضنه تبدل وأصبح معذبا ومليئا بالجروح التى تنزف خارجه وداخله سيحكى لها ما حدث له وللشباب فى الجبل عندما سمعوا ما يقوله عسكر سيدهم أن هذه الارض بكل بوسعها وعلى امتدادها يمتلكها بكل ما فوقها من بهيم وزرع وفلاحين أجلاف مثله ومثل الشباب الذين جلبوهم معه للخدمه فى جيش مولاهم.. وكيف سمعوا لأول مره ورددوا كلمات الحق والعدل والظلم والرحمه وحكم الاغراب.. وكيف كادوا يفقدون بصرهم فى كهف الجبل المظلم الذى قيدوهم وحبسوهم داخله وكانوا يتبادلون ضربهم فيه لم يصدق أنه سيقف مرة أخرى على ساقيه ويعود بهما إلى بلده مع زميله الذى لم يتبق غيره حيا من كل من جاءوا من ناحيتهم.. سيحكى لها كيف كانت معه تضيء له ظلمة الأيام والكهف وبشال من الشيلان الملونه التى كانت تحب ان تلف بها شعرها الأسود الطويل ورقبتها تضمد ساقيه وتخفف الوجع الذى يجعل نومه مستحيلا.. سيحكى لها كيف كان يراها بعيونه ويسمح لأصابعه أن تتحسس جسدها ويتدفأ من البرد بأنفاسها عندما كانت تدخل فى صدره عندما كانا يلعبان ويتسابقان فى الغيطان وتدعى أنها وقعت بين ذراعيه قبل أن يراهما أخوها ويشترك مع أمها فى ضربها وحبسها ولم يعد يستطيع الا ان يحلم بها فى نومه ويقظته حتى يحقق عمه وعده الذى همس له به وأستأمنه على كتمانه حتى يعود من استدعاء جديد مع بقية الفلاحين فى الناحيه كلها كما تعودوا ان يذهبوا دون ان يعرفوا أين يذهبون ومن سيعود منهم ومن سيموت وهو يحفر ترعه أو يمهد طريقا أو يقضون شهور فيضان النيل يبنون جسورا على شواطئه وشواطيء جميع الترع حتى لا يغرق الفيضان الأراضى التى يغمرها أو يذهبوا للعمل فى مشروع من مشروعات الرى أو فى أراضى الوالى أو يختار العسكر الاتراك من بينهم من يستخدمونهم فى خدمتهم باسم تجنيدهم فى جيش الوالى
فى الساعات التى يخطفونها فى الليل للنوم الذى يجافى أجسامهم المهددودة ويستدعون حكايات العدل والظلم والسخره وبعض ما يردده العسكر الاتراك عن خواجه اسمه سبس يتحكم ويهدد الوالى اسماعيل ليأتى بجميع العمال والفلاحين ليشقوا فى صحراء بعيده نهرا أو بحرا وترعه جديده للمياه الحلوه.. يشعلون قوالح الذره الجافه أو ما يجمعونه من بقايا الزراعات ليتدفأوا فى ليالى برد يدق عظامهم.. يتدفأ الزين اكثر بما أخبره به عمه عن عهده لأبيه قبل ان يرحل ولا يعود مع الأورطة المصرية ـ السودانيه التى ذهبت الى الحرب فى بلاد بعيده.. والفاتحة التى قرأها عمه معه لتكون الزينه للزين لابد ان عمه أخبره بما حدث بينه وبين أبيه ليخفف عليه الغربه والفراق الجديد الذى كان لا يعرف هو وكل الراحلين معه هل سيعودون أو لا يعودون.. أو من سيعود أو ستأكلهم الغربه ويختفون إلى الأبد ودون العثور على أثر لهم.. لا يصدق أنه عاد رغم كل من رحل من زملائه ولكن الذى عاد ليس الذى ذهب.. جروح ساقيه وجسده كله.. أكثر منهم جروح روحه وعقله... من جعلهم من أملاك الوالى والخواجات والاتراك.. والزينه تشق شالها وتربط به ساقيه.. لولاك لفعلتها وقتلت العسكر الأتراك وهم يلعنوننا ويلعنون من انجبونا ولا ينادون علينا إلا أجلاف وخدم وعبيد.. بعد أن ربطت ساقه مد ذراعيه يحتضن الزينه.. سقط ذراعاه فارغين بجانبه.. طيفها لا يغادره وهو نائم ومستيقظ.. ضحك وقال لها أوان احتضانها اقترب سيعطيها العسليه بالسمسميه والأحلى من العسليه ويعوضها سنين وشهوراً وأياماً وليالى من البعاد عنها سيقول لها أنه عرف كيف احتملت من أجله الضرب والحبس سيحكى لها أنه احتمل من التعذيب الاكثر منهم وكانت العوده إليها تقويه وتعينه على أن يواصل على أمل يوم لقائه به.
واصل عمه استعدادات الليله الكبيره.. حاولت أمها أن تعطل الليله وتدعى الشفقه على حالة الزين.. اسكتها زوجها وطلب منها أن تبتلع لسان كراهية الولد وقال لها الزواج سيرد العافيه للاثنين.. أعادت اتهاماتها الدائمه أنه أحب ابن أخيه وفضله على إبنه أكد لها أنها لا تكذب ــ فالزين رجل وشهم وخدوم وطوب الأرض يحبه ويعمل ويكسب بذراعيه منذ كان صبيا صغيرا وذهب للكتاب وأخذ شهادة من سيدنا.
أما ابنها فهو ابن أمه كسول وخائب وطوب الأرض يكرهه ويشكو من أفعاله وطرده سيدنا من الكتاب بسبب شقاوته وضربه للأولاد ويخطف ما يحملونه من كسرات خبز وأنذرها بيمين طلاق أخير باق لها اذا واصلت تدبير ما يعطل الليله الكبيره وأكاذيبها عن حالة وصحة ابن أخيه.
دعا أن تكون روح أخيه فى الغربه التى مات فيها تنام مرتاحه وتحضر الليله زواج ابنه وتشهد أنه وفى بالعهد فى ليله لن تشهد الناحيه كلها ليله مثلها تذهب فيها الزينه إلى الدار التى أعدها لها مع الزين.. الأمس كانت ليلة الحنه.. والليله الدخله.. وأم ابراهيم اكبر وأقدم ماشطه وبلانه تجهزها وتحممها وتجملها وتطلق بخورها وأدعيتها قالت للحاج بعد أن اعطاها ما تيسر من تحويشه باقيه بعد كل ما انفق على تجهيزات الليله أنها لم تزين عروسا فى جمال ابنته.. أخفت عنه ما لم تفهمه ويسبب لجسدها رعشه ظنت أنه المرض الذى سقتها من أجل الشفاء منه كل ما عرفته وسمعت من قراطيس داود حتى قال لها شيخ كبير أن كل داء له دواء إلا داء العشق.. فظلت تحدثها عن الزين وتدعى أنها رأته فى منامها يعود ويدق باب دارهم.. حتى عاد وبدأ الإعداد لليلة عرسهما طلبت منها الزينه أن تحلف برءوس جميع أجدادها أن ما يحدث لها وحولها علم وأنها لن تصحو وتجد أنها كانت ترى مناما من التى اعتادت أن تراها فى صحوها ومنامها.
تضحك ام ابراهيم وتلعن الزمن الذى كانت هى وكل البنات مثلها يزوجوهن وتمتلئ وتفرغ بطونهن عشرات المرات ويدفنون فى قبورهن وهن لا يعرفن شكل أزواجهن.
تذكرت الزينه الضحك الذى لم تعرفه الاعندما كانت تلتقى بالزين أو يعود أبوها من سفره.. حصنتها أم ابراهيم من حسد عيونها فهى لم تر حسنا وجمالا مثل حسن وجمال الزينه وألبستها سعاده الثوب الذى فصلته لها من أغلى نسيج طلب أبوها من تجار الأقمشه التى يحضرونها من البندر ليبيعوها فى القرى بالتقسيط المريح.. ودارت حولها بمنقد البخور وجعلتها تخطى فوق الفحم وهى تتمتم بأدعيتها من عين الحسود وتفرد اصابعها الخمسة من شر عيونها وعيون «سعاده» وكل من طل عليها ولم يصل على الحبيب.
رابط دائم: