رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عباس البليدى الذى لا يعــرفه أحد

د. نبيل حنفى محمود;

أثار الأستاذ أحمد السماحى فى مقالته «عباس البليدى سبق أم كلثوم فى غناء «أغار من نسمة الجنوب» بملحق الجمعة 25/12/2020 من «الأهرام»، شجونا وذكريات، تدور جميعًا حول كوكبة الأصوات المغردة التى زها بها الغناء المصرى فى عصره الذهبى الأخير، ويجىء فى الطليعة منها صوت عباس البليدى، الذى لم تشف مقالة السماحى الصغيرة غليل القلة الباقية من معاصريه وأجيال كثيرة ظهرت بعد رحيله، لمعرفة من هو عباس البليدى أحد أشهر وأهم من غردت أصواتهم الجميلة فى عصر زانته غنائيات خالدة.

....................

ولد عباس البليدى بمدينة دمياط فى عام 1945، وذلك طبقًا لما ذكره فى باب «حياتى» بالصفحة العاشرة من عدد مجلة «الراديو المصرى» رقم 588 الصادر فى 22/6/1946، كان والده تاجرًا ومن هواة الاستماع إلى كبار مطربى العصر من أمثال عبده الحامولى ومحمد عثمان ويوسف المنيلاوى، مما جعل الفتى عباس يشعر بميل غريزى للغناء والموسيقى، حتى أطلق ذلك الميل صوته فى الحفلات المدرسية، التى ردد فيها أشهر أغنيات العصر، مما حدا بتجار دمياط- من أصدقاء والده – لإغرائه خلال مرحلة دراسته الأولية بإحياء حفلات مناسباتهم الاجتماعية، وعندما دفعت بعض الظروف والد عباس لنقل تجارته وأسرته إلى مدينة شربين، ألحق الوالد ابنه بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالمدينة، حيث أذاعت حفلات المدرسة شهرته واسمه فى أرجاء المدينة، لتجيء لحظة انطلاق صوت الفتى عباس من أسر المدن الصغيرة فى احد أيام شهر أكتوبر 1930، يومها أقام مأمور بندر شربين: أحمد بك جمعة حفلاً بمناسبة عيد جلوس الملك فؤاد الأول على العرش، استقدم المأمور مطربًا سييء الصوت لإحياء الحفل، مما أثار الحضور، فطلبوا من المأمور صرف المطرب واستبداله بعباس، والذى كان واقفًا عند مدخل سرادق الحفل، ونزولاً على رغبة الحضور، وبالرغم من حالة الحداد الجاثمة فى منزل أسرة عباس لوفاة شقيقة له، انطلق صوته مترنمًا بأغنيتين لأشهر مطربى العصر: محمد عبدالوهاب، هما:»حسدونى وباين فى عنيهم» و «خايف أقول اللى فى قلبى». عمل إعجاب مأمور بندر شربين بصوت عباس، على تذليل صعاب التحاقه بمعهد الموسيقى الملكى فى القاهرة، حيث التحق بالمعهد – وطبقًا لحديثه لمجلة «الراديو المصرى» – فى عام 1930، وتعلم خلال سنوات دراسته بالمعهد قواعد العزف على العود وعلوم الموسيقى والتوافق الصوتى «الهارموني»، وذلك فضلاً عن إتقان وحفظ الأدوار القديمة والموشحات، وقد اضطلع بتلقينه هذه العلوم مجموعة من نجوم الغناء وعلمائه مثل: كامل الخلعى – درويش الحريرى – صفر بك على – إبراهيم شفيق ومحمود رحمى، حتى أتم دراسته بالمعهد فى عام 1936، ليقر كمدرس للأناشيد بمدرسة الأيتام التابعة لوزارة الأوقاف، حيث استمر بعمله فى تدريس الموسيقى والغناء حتى إحالته للمعاش «هالة الحديدى: برنامج «ألحان زمان»، حلقة الاثنين 18/9/2006».

اجتذبت محطات الإذاعات الأهلية عباس البليدى للغناء عبر برامجها، حيث كان يقدم قوالب الدور والليالى والموال عبر أثير محطة «وادى الملوك»، فلما افتتحت محطة الإذاعة الحكومية فى 31/5/1934، كان البليدى بين من قدمتهم المحطة الجديدة من نجوم الغناء الجدد، حيث جاءت إذاعته الأولى مساء الأحد 22/3/1936 فى وصلتين، تضمنت الوصلتان الأعمال التالية: موالان ودور ومونولوج، وفيما يلى نقدم مذهب «أو مطلع» دور «اللى ينظر جمالك»، وهو العمل الثانى للبليدى فى تلك الليلة، وقد نظمه سيد محمود محمد ولحنه محمد هاشم، وكان نص ذلك المذهب كما يلي:

اللى يوم ينظر جمالك

مستحيل يعشق سواك

واللى هنّيته بوصالك

مين يقدر يسلى هواك

مين يصدق يا جميل

قلبى يهجر أو يميل

عن هواك وانت الملاك

تكشف التسجيلات المتاحة لأداء البليدى لأغنياته، سواء عبر ميكروفون الإذاعة أو الحفلات الخارجية، أن صوته كان بالغ الرخامة، وهو صوت ينتمى إلى فئة التينور فى التقسيم الغربى لأصوات الرجال، وهى أصوات تغطى مساحتها الأقسام الثلاثة لتلك الأصوات، وهى الباص والباريتون والتينور، ولقد تميز صوت البليدى بسلامة الأداء عبر تلك الأقسام الصوتية الثلاثة، بالإضافة إلى بحة مستملحة تظهر عند الحدود العليا لمساحة صوته. بلغ عباس البليدى ذروة شهرته فى عام 1939، حيث قدم فى ذلك العام – وعبر أثير الإذاعة – 16 أغنية، أنفرد هو بتلحينها جميعًا، بينما شاركته بعض الأصوات الغنائية أداء مجموعة منها، وقد تنوعت القوالب التى صيغ منها هذا العدد من الأغنيات، حيث شملت الآتي: الموال – المونولوج – الطقطوقة – القصيدة – النشيد والمونولوج الفكاهى، وتضرب قصيدة «طاب روضى» لوليّ الدين يكن باشا، المثل لعناية أهل الغناء فى ذلك العصر بانتقاء نصوص غنائياتهم، وفيما يلى نقدم الأبيات الأولى من تلك القصيدة التى انطلق بها صوت البليدى – ولأول مرة – عبر برنامج الإذاعة ليوم الاثنين 4/12/1939:

طاب روضى وأثمرت أشجارى

فأعيدى الغناء يا أطيارى

يا بنات الربيع جددن شجوى

وأعن الصبا على أوطارى

مصر أرضى والنيل نهرى وهذا

القصر قصرى وكل قصر دارى

مثلت سنوات الأربعينيات من القرن العشرين أزهى ما فى مشوار عباس البليدى مع الغناء من سنوات، حتى أن أشهر أغنياته ذاعت فى ذلك العقد، ومنها طقطوقة «دايمًا تقول بكرة»، التى نظمها الشاعر أحمد شفيق كامل، وأسبغ عليها البليدى لحنا فائق الجمال والرصانة من مقام البياتى، وترنم بها لأول مرة من الإذاعة المصرية فى التاسعة والربع مساء الاثنين 1/4/1946، وفيما يلى مذهب «مطلع» هذه الأغنية التى عاشت كثيراً فى أسماع المصريين:

دايما تقول بكرة

وتسيبنى مستنى

ولا فيش ولا مرة

بالقرب هنيتنى

امتدت أصداء غنائيات البليدى الناجحة إلى خارج مصر، مما دعا إذاعة القدس للتعاقد معه لتقديم أغنياته فى شهر رمضان سنة 1363هـ «أغسطس / سبتمبر 1944م». لم تكن الأغنيات الإذاعية هى اللون الوحيد الذى قدمه البليدى، حيث تعددت ألوان أغنياته لتشمل البرامج الغنائية، والأغنيات السينمائية، ويعد برنامج «حج مبرور» – الذى أذيع لأول مرة فى 10/9/1945 – أشهر ما قدم من تلك البرامج، وقد كتب البرنامج الشاعر أحمد شفيق كامل ولحنه سيد مصطفى، ومن غنائيات البليدى السينمائية ديالوج «عنتر يا حاميها»، الذى شاركته فى غنائه بفيلم «عنتر وعبلة» المطربة شافية أحمد، وصادف بدء عرض الفيلم الأول يوم الاثنين 10/2/1947. كان عباس البليدى بين المسارعين من أهل الغناء للتغنى بثورة يوليو 1952 بعد قيامها، ويعد نشيد «هتاف من الماضى» – الذى نظمه عماد الدين عبدالحميد ولحنه عبدالحميد توفيق زكى – أول غنائيات البليدى للعهد الجديد، فقد أذيع النشيد فى 13/8/1952!، ثم أتبعه البليدى بغنائيات أخرى واكبت أحداث النظام الجديد ومعاركه حتى أواخر الخمسينيات، ولكنه لم يفطن إلى ما أحدثه نظام يوليو من تغيرات فى عالم الغناء، حيث بشر النظام بالغناء الثورى والمطرب الأوحد، ولم يعد لأصحاب الأصوات الكبيرة خيارًا أمام الاختفاء وهجر الغناء، وقد طال اختفاء البليدى فى ظلال التقاعد عن العمل والتوقف عن الغناء، حتى وافته المنية فى 19/9/1996، فتذكر عشاق الغناء المتقن صوته العملاق الذى لا يتكرر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق