رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«أربعاء التنصيب» يختتم أحداثا درامية بدأت بـ«أربعاء الاقتحام» و«أربعاء المحاسبة».. أمريكا تستقبل بايدن... ولا تودع ترامب

رسالة لندن منال لطفى

خلال 24 ساعة سيدخل جو بايدن البيت الأبيض كرئيس لأمريكا بقليل من البهجة وكثير من الأعباء والتحديات. إنه المنصب الذى تطلع إليه منذ أصبح عضوا فى الكونجرس قبل نحو40 عاما. يأتى بايدن إلى الرئاسة فى سياق بلد يعانى استقطابا غير مسبوق، يترنح بين أسوأ جائحة منذ أكثر من قرن جعلت أمريكا البلد الأكثر تضررا فى العالم، واقتصاد يئن، ومعدلات بطالة مرتفعة، وتوترات عرقية متزايدة، إضافة لشكوك فى دور أمريكا على المسرح الدولى بعد ولاية دونالد ترامب التى قوضت مكانة واشنطن بسبب ميل إدارته للنهج الأحادى دون تنسيق مع الحلفاء حول العالم.

وسيدخل بايدن البيت الأبيض غدا الأربعاء وسط ترتيبات أمنية غير مسبوقة وحضور جماهيرى محدود ودون مشاركة الرئيس ترامب الذى أعلن أنه لن يشارك فى مراسم تنصيب بايدن، ليختتم «أربعاء التنصيب» حلقة من الأحداث الدرامية غير المسبوقة فى تاريخ أمريكا بدأت بـ«أربعاء الاقتحام» فى 6 يناير الحالى عندما قام الآلاف من أنصار ترامب باقتحام الكونجرس الأمريكى فى محاولة لثنى النواب عن التصديق على فوز بايدن، و«أربعاء المحاسبة» فى 13 يناير عندما قرر مجلس الشيوخ لأول مرة فى تاريخ أمريكا محاكمة رئيس أمريكى مرتين، بعدما صوت نواب الشيوخ لمصلحة محاكمة ترامب بتهمة التحريض على التمرد وعرقلة العملية الديمقراطية.

وسيكون على الكونجرس وعلى إدارة بايدن الموازنة بين تنفيذ أولويات أول 100 يوم للإدارة، وبين جلسات محاكمة ترامب المتوقع أن تستنزف الكثير من الوقت والطاقة السياسية للحزبين الديمقراطى والجمهورى فى وقت تمر فيه أمريكا بتحديات غير مسبوقة.

لكن على الرغم من صعوبة الملفات، يمتلك بايدن من الخبرة السياسية ما يجعله مؤهلاً للتعامل مع هذه التحديات، فهو قضى 36 عاما فى مجلس الشيوخ، وثمانية أعوام كنائب للرئيس خلال إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما. كما أن لديه خبرة طويلة فى التعاون مع الحزب الجمهورى برغم الاختلافات السياسية والايديولوجية.

وفى الأيام الأولى من ولايته، سيتحرك بايدن لإلغاء بعض سياسات ترامب الأكثر إثارة للجدل من خلال عدد كبير من القرارات الرئاسية التنفيذية. وستكون القرارات الأولى لبايدن متعلقة بخطة تطعيم 100 مليون أمريكى بمصل كورونا خلال أول 100 يوم من إدارته، وتطويق الوباء الذى أدى إلى مقتل 400 ألف أمريكى حتى الآن، وخطة للتعافى الاقتصادي، والعودة لاتفاقية باريس للمناخ، والعودة للاتفاق النووى الإيرانى، وإلغاء حظر سفر المسلمين إلى أمريكا الذى فرضه ترامب قبل أربع سنوات، واقتراح تشريع من شأنه أن يوفر طريقا لحصول نحو 11 مليون مهاجر يعيشون بشكل غير قانونى فى أمريكا على الجنسية. وأوضح رون كلاين، رئيس طاقم البيت الأبيض فى إدارة بايدن ،أن بايدن سيركز فى خطاب التنصيب على رسالة توحيد الأمريكيين،والحاجة إلى تنفيذ سياسات سريعة لمعالجة الأزمات الكبيرة التى تواجهها البلاد. وقال كلاين لشبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية:«إنها رسالة بإنجاز الأمور...سيعود إلى البيت الأبيض بعد إلقاء خطاب التنصيب لاتخاذ بعض الإجراءات الفورية... لدفع هذا البلد إلى الأمام».

صورة أمريكا المكسورة

ومع أن بايدن سيركز خلال المائة يوم الأولى من حكمه على الداخل الأمريكي، إلا أن الانشغال الخارجى سيكون أيضا ملمحا أساسيا لإدارة تعهدت فور بدء عملها بالنكوص عن الإرث الدبلوماسى الذى تركه ترامب. فقد تعهد بإعادة أمريكا لاتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووى الإيرانى خلال الأيام الأولى من إدارته لطمأنة حلفائه الأوروبيين. ومع أن الكثير من حلفاء أمريكا، خاصة فى أوروبا، يتنفسون الصعداء لبدء إدارة جديدة فى أمريكا، ويستقبلون بايدن بارتياح بعد أربع سنوات عاصفة من حكم ترامب، لكن هذا الارتياح لا يخفى حقيقة أن صورة أمريكا الدولية تضررت بشدة منذ الأحداث الجنونية لاقتحام الكونجرس، وتحدى ترامب وبعض النواب فى الكونجرس نتائج الانتخابات وتشكيكهم فى صحتها.فخروج ترامب من البيت الأبيض دون الاعتراف بصحة الانتخابات، أزال وهم أن الديمقراطية الامريكية مستقرة وهذا مصدر قلق أوروبى. كما أن الارتياح لبدء ولاية بايدن لن يجعل الأوروبيين ينسون بسهولة إرث إدارة ترامب وتأثيره على المصالح الأوروبية.

ففى بريطانيا، كان هناك استياء وامتعاض ملحوظ من إدارة ترامب فى عامه الأخير فى السلطة بعدما ضغطت واشنطن على لندن من أجل وقف التعاون مع شركة هواوى الصينية لبناء الجيل الخامس من شبكة الاتصالات الفائقة السرعة فى بريطانيا، فى إطار التنافس الاستراتيجى بين الصين وأمريكا.

ورغم أن بعض السياسيين من حزب المحافظين الحاكم فى بريطانيا كانوا منفتحين على فكرة إلغاء التفاهمات مع هواوى لبناء البنية التحتية لشبكة الاتصالات البريطانية لاعتبارات أمنية، فإن الضغوط الأمريكية العلنية جعلت لندن تبدو فى موقف الضعيف وهو ما لم يرق لرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون وحكومته. ولم يكن الغضب فى فرنسا أو المانيا أقل، فقد ضغطت إدارة ترامب أيضا على باريس وبرلين من أجل وقف التعاون مع شركة هواوي. كما تعرضت المانيا لضغوط إضافية من أمريكا من أجل وقف مشروع خط انانيب الغاز «نوردستريم 2» بين ألمانيا وروسيا. ويدرك بايدن أنه لن يستطيع أن يتعامل مع حلفائه الأوروبيين كما حاول ترامب التعامل معهم، أى عبر استخدام القوة والضغط الأمريكي، أو التهديد كما فعل ترامب عندما هدد بانسحاب واشنطن من حلف الناتو.

ولن يلجأ بايدن للضغوط والتهديد ليس فقط بسبب طريقته الشخصية فى إدارة علاقات أمريكا الدولية، لكن أيضا لأن أمريكا لم تعد تتمتع بالسطوة المطلقة التى كانت تتمتع بها قبل نحو 20 أو 30 عاما. كما أن الحلفاء فى أوروبا ،بعدما عانوا بشدة خلال سنوات إدارة ترامب، خلصوا إلى أنه يجب على أوروبا أن تعزز استقلالها الاستراتيجى عن أمريكا. وإلى جانب تطوير قوة دفاع أوروبية مستقلة، وسياسة خارجية مستقلة، تتحرك أوروبا قدما فى مشروع تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى كالعملة الأساسية للتبادلات الدولية للخروج من سيطرة الدولار على النظام المصرفى العالمي.

ومع بدء العد التنازلى لتنصيب بايدن، يأمل قادة أوروبا فى أن تضبط الإدارة الجديدة مسار أمريكا الداخلى. فأحداث الكونجرس أصابت الأوروبيين بصدمة ومخاوف على حالة الديمقراطية الأمريكية. ففى نهاية المطاف، ما زالت أمريكا هى الحليف الاستراتيجى لأوروبا أمام منافسين استراتيجيين مثل الصين وروسيا.

التخلص من شبح ترامب

وإذا كانت أمريكا تستقبل بايدن فى البيت الأبيض، فإنها لا تودع ترامب.

فالحزب الجمهورى يتجه إلى مواجهة داخلية مريرة وهو يعانى خلافات كبيرة حول طريقة التعامل مع ترامب وإرثه وعشرات الملايين من مؤيديه. وهناك جناح فى الحزب، بزعامة السيناتور ميتش ماكونيل ،زعيم الجمهوريين فى مجلس الشيوخ، يريد التخلص من سطوة ترامب على الحزب الذى تغير بشكل كبير على يد الرئيس المغادر، خاصة بعد أحداث اقتحام الكونجرس ورفض ترامب الاعتراف بصحة انتخاب بايدن. هذا الجناح يريد إدانة ترامب فى مجلس الشيوخ خلال جلسات المحاكمة على مدى الأشهر المقبلة، للتأكد من القضاء على أى احتمال لعودة ترامب كلاعب على المسرح السياسى الأمريكي.

لكن هناك جناحا آخر، بزعامة السيناتور تيد كروز وآخرين، يريد عدم إغضاب القاعدة الشعبية العريضة التى صوتت لترامب بعدم استعداء ترامب نفسه أو تهميشه أو إدانته فى مجلس الشيوخ. وستكون أولى المعارك بين الجناحين هى جلسات محاكمة ترامب فى مجلس الشيوخ، ثم انتخابات التجديد النصفى للكونجرس 2022. وبناء على نتائج هاتين المعركتين سيتحدد مصير الصراع على روح الحزب الجمهوري.

لكن فى كل الحالات من الصعب تصور سيناريو غياب ترامب عن الصورة، فهو وعدد من أفراد أسرته يريدون أن يواصلوا لعب دور أساسى فى تحديد بوصلة الحزب الجمهوري. والحقيقة غير المستساغة هى أن احتمالات عودة ترامب للترشح للرئاسة 2024 ما زالت موجودة وتعتمد على نجاح إدارة بايدن فى معالجة الانقسامات الداخلية، والتصدى للمشاكل الكبيرة التى تعانيها أمريكا وعلى رأسها جائحة كورونا والاقتصاد. فإخفاق إدارة بايدن، يفتح الباب أمام عودة ترامب. ففى يناير 2020 كان الاقتصاد الأمريكى قويا، وبلغ معدل البطالة أدنى مستوى له عند 3٫5٪ ، وبلغ التضخم 2٫3٪، وكان النمو خلال الربع الأخير من عام 2019 نحو 2٫5٪. وأظهرت كل استطلاعات الرأى فى أوائل عام 2020 أن ترامب قادر على الفوز بولاية ثانية. وظل الأمر هكذا حتى مارس 2020 عندما بدأت الجائحة تتفشى فى أمريكا وفشل ترامب فى التصدى لها صحيا واقتصاديا فخسر الرئاسة، لكنه مع ذلك ما زال يحظى بدعم عشرات الملايين من الأمريكيين، وهو لا شك سيحاول خلال الأشهر المقبلة إعادة كتابة إرثه السياسى بطريقة أكثر ايجابية برغم أن الكثير من المؤرخين يعتقدون أن السنة الأخيرة أو «عام كورونا» وأحداث اقتحام الكونجرس هى التى ستحدد إرث ترامب الرئاسي.

إذن يغادر ترامب البيت الأبيض، لكنه لا يغادر المسرح السياسي. فبعد تنصيب بايدن مباشرة سيعود ترامب لصدارة الأخبار مع بدء إجراءات محاكمته فى مجلس الشيوخ الأمريكي، وإذا تمت تبرئته من التهم الموجهة إليه، وهذا محتمل لإن الإدانة تستلزم تصويت ثلثى نواب الشيوخ، فإنه سيعود للواجهة على أمل إعادة الترشح 2024. بعبارة أخري، لقد نجا النظام السياسى الأمريكى من تداعيات «أربعاء الاقتحام»، لكن هذا لا يعنى أن النظام خرج دون ندوب كبيرة مجسدة فى استمرار الانقسام والاستقطاب السياسى الذى سيجعل مهمة بايدن أكثر صعوبة مما هى عليه بالفعل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق