رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حكاية الأستاذ مأمون

محمد الحديدى;

أه يا أستاذ مأمون... أراك تمشى ببطء كأنك سلحفاة عجوز تتوكأ على عصاك التى لك فيها مآرب أخرى تهش بها الكلاب الضالة حين تجوب شوارع المدينة ليلا كأنك الباحث عن شئ لا وجود له، تلفح وجهك شمس بؤونه فتتحاشى لهيبها الحارق حينما تضع جريدة اليوم فوق رأسك .... ثم تومئ برأسك إلى اتجاهات عدة كأنما تفاضل بين الاتجاهات المختلفة فتقودك قدماك إلى أقرب مكان للظل، تتوقف لتمسح عرقك الذى تصبب بغزارة على وجهك الذى امتصته الأيام ... تحاول مقاومة إجهادك بالجلوس على أقرب طوار يصادفك ثم تخرج علبة سجائرك تلتقط بإصبعك واحدة تلو الأخرى وتظل تتابع الدخان الخارج من فتحتى أنفك بشكل لافت ... ثم تخرج من جيب جلبابك بعض ألواح البسكويت تقضمها بين ما تبقى من أسنانك ... وقبل أن تطالع جريدتك يداهمك الغبار الناتج عن مروق السيارات والمارة من حولك فتمسح بمنديلك العتيق زجاج نظارتك لتتضح أمامك الرؤية بعض الشئ، فتظل تفرك فى عينيك كأنك تبعث فيهما الروح بعد ما عانته من الضعف والذبول ... تأخذك المانشيتات الكبيرة المدونة بكل صفحات الجريدة، وفى النهاية كعادتك كل يوم تضع الجريدة فى مكان ظاهر عسى أن يتصفحها غيرك ...وتواصل عزفك على أوتار الخطوات حتى تغيب عن العيون ... وتواصل دقات طبول الماضى إيقاعها برأسى فألمحك صغيرا تحتفظ بما لديك من قروش تضعها عادة فى يد بائع الكتب القديمة وتعود إلى بيتك مزهوا تسبق قدماك الريح حيث تأوى إلى ركن بعيد تلتهم السطور التهاما فتغمرك النشوة بين رحابها .... وتظل هكذا تدفع وتشترى فتقرأ فتصبر فرحاً بما فعلت ... كنت مميزا بين رفاقك الذين سيطر على عقولهم اللهو ... أما أنت فلم تعرف للهو طريقا، تمنيت لو أنك تمتلك المال لاشتريت بها كتبا .. من يومك وأنت متفتح العقل متقد الذهن ... قرأت كل كتب التاريخ ... ودخلت فى دهاليز السياسة ... تعرفت على أفكار الفلاسفة والعلماء ... حفظت الشعر الجاهلى والأموى والعباسى حتى وصلت إلى الشعر الحديث .. قرأت الآداب العالمية .. الروسية والفرنسية والإنجليزية .... والتهمت أمهات الكتب فى شتى المجالات .. كم أشدت بأرخص ليالى أدريس، ثلاثية محفوظ وحراجى الأبنودى .. أنت لا تملك من حطام الدنيا إلا بيت طينى صغير به ثلاث حجرات ضيقة .. جعلت حجرة للكتب .. وحجرتين لك ولأسرتك .. كنت أول ما تفعله حين تدلف إلى الفصل تدون على السبورة «إقرأ باسم ربك الذى خلق» ثم تبدأ فى شرح دروسك ... تخرج من تحت يديك مشاهير المحامين والأطباء .. وحظيت باحترام الناس ....صارت أراؤك نبراساً لمن ضل الطريق .. فى البدء كانت مصيبتك حين عدت إلى بيتك لتجد كتبك متناثرة تحت أرجل الكراسى وتحت الأسرة وفوق سطح البيت بينما الأرفف التى تحملها صارت قطعا صغيرة تستخدمها زوجتك لتدفئة البيت فى ليالى الشتاء ... ومصيبتك التى أطارت عقلك أن زوجتك قد ضاقت ذرعا بك وبكتبك فباعت كل الكتب إلى بائع الروبابيكيا واشترت بثمنها عنزة لعيد الأضحى من عند جارك الشمندى تاجر المواشى وإلذى يكن لك ولأمثالك كل البغض والاستهانة ... اذكر أنك يومها قد أصابك الذهول من هول ما حدث ... ولما تصادف أن قابلك تاجر المواشى رابع أيام العيد قال لك :-

كل ثروتك بالكاد اشترت لك عنزة .. آلمك كثيرا فراقك لكتبك ولرائحتها القديمة التى تتحدى العالم بأسره أنها أجمل رائحة عرفها التاريخ لا يمكن أن انسى أبدا اللحظة التى جئتنى فيها يا أستاذ مأمون وقد استبد بك الغضب تلوح فى الهواء فصرت كطائر يهفو بجناحه ... حينها بدأ الوجوم على وجهك وأغرورقت عيناك بالدموع لما صوبت ناظريك على وجهى لتسألنى .

ابائع الفكر ... أم بائع الثور ....................؟

كنت اتمنى أن أجيبك على سؤالك هذا يا أستاذ مأمون لولا أن قيدا جثم على لسانى فحجب عنى القدرة على النطق ... ولولا أن سحابة سوداء خيمت على وجهى فسلبت منى القدرة على الإبصار .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق