بعد أيام يجرى تنصيب جو بايدن ليصير رسميا الرئيس السادس والأربعين لأمريكا. يأتي تنصيب رئيس الولايات المتحدة المنتخب هذه المرة في أجواء استثنائية.
في السابق كان الاحتفال مناسبة للمباهاة بديمقراطية أمريكا. وكانت الاستعدادات تجرى على مدى أسابيع لتهيئة العاصمة بمطاعمها وفنادقها وسائر مرافقها لاستقبال المواطنين الوافدين من مختلف الولايات ليشهدوا هذه اللحظة التاريخية. وعندما ترفرف خطوط ونجوم الأعلام الأمريكية التي يلوح بها الصغار والكبار تملأ أصداء الهتافات قلب واشنطن. وتخفت الأصوات في رهبة عندما يضع الرئيس المنتخب يده فوق الكتاب المقدس مؤديا اليمين الدستوريه، ثم يلقي أول خطاب له كرئيس لأمريكا. ولا يكتمل المشهد بدون متابعة الرئيس الجديد والسيدة الأولى يتهاديان في أبهى الثياب ملوحين للحشود وهما يدخلان في سعادة إلى البيت الأبيض. وفي ساعات المساء تستمر الاحتفالات الصاخبة حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.
بسبب ظروف جائحة كورونا، أعلنت اللجنة المنظمة للاحتفال أن التنصيب سيتم بطريقة مختلفة وناشدت الأمريكيين عدم الاحتشاد تجنبا للعدوى. كان ذلك قبل أن يجتاح متظاهرون غاضبون من أنصار الرئيس ترامب مبنى الكونجرس الأسبوع الماضي في محاولة لوقف إقرار نتيجة الانتخابات. ولتجنب تكرار هذه الأحداث الفوضوية تم تصعيد الإجراءات الأمنية، وتفويض رئيس بلدية العاصمة السيدة «موريل باوزر» سلطة استدعاء ماقد يصل لـ15 ألفا من قوات الحرس الوطني إلى واشنطن لتعزيز قوات الشرطة المكلفة بتأمين تنصيب بايدن. تم كذلك تحصين البيت الأبيض ومبني الكونجرس وغيرهما من المباني الحكومية بحواجز عالية يصعب تسلقها. وناشدت «باوزر» السلطات الفيدرالية لكي تلغي تصريحات بالتظاهر سبق وأصدرتها لاتباع منظمات يمنية كانوا ينوون التجمهر أثناء الاحتفال، كما تم إخلاء المباني الفيدرالية بالمدينة.
ورغم المخاطر المحتملة، إلا أن الرئيس القادم بايدن أعلن ثقته في الإجراءات الأمنية، كما صرح بأنه لايخشى أن يؤدي اليمين الدستورية في مكان مفتوح.
أما المراقبون، فإنهم قد لايخشون احتمالات العنف يوم التنصيب بقدر ما يخشون عواقب الاستقطاب الحاد الذي تشهده أمريكا منذ فترة، وهو ما سيمثل عقبة أمام الرئيس القادم نفسه. ويركز الكاتب والأكاديمي «جيه بيدير زان» على وجه الخصوص على ما أسفر عنه هذا الاستقطاب من تدني مستوى مهنية الصحافة في أمريكا. فالصحافة الليبرالية صارت بمثابة بوق للحزب الديمقراطي بحيث أصبحت عاجزة عن نقل الأحداث دون الانحياز لقناعات سياسية معينة، وفي كثير من تغطيات هذه الوسائل الإعلامية يتم إظهار الجمهوريين وكأنهم أعداء يجب تدميرهم. وتغطية هذه المنافذ الليبرالية لمظاهرات أنصار ترامب وعملية اجتياح مبنى الكونجرس خير نموذج للتحيز، فهؤلاء المتظاهرون لايمثلون كل الجمهوريين، كما أنهم ليسوا أكثر عنفا من المتظاهرين الليبراليين الذين اجتاحوا العاصمة الربيع الماضي في إطار حملة «حياة السود مهمة» وأسرفوا في عمليات النهب وتدمير الممتلكات الخاصة.
ولاتتمتع المنصات الإعلامية اليمينية المحافظة المتعاطفة مع الجمهوريين بمعايير أكثر مهنية، بل تتسم أيضا بالتحيز في الهجوم على التيارات الليبرالية والتقدمية، غاية ماهنالك أنها ليست بالانتشار والكثرة التي يتمتع بها الإعلام الليبرالي. وفي الحالتين تبدو الأمور مثيرة للقلق لأن الإعلام الحر سمة مميزة للدول الديمقراطية، بدون إعلام موضوعى وحر تكون الديمقراطية في خطر.
رابط دائم: