العلماء: إتلاف للصحة وإضاعة للمال.. وحظره فى الأماكن العامة واجب
فى الوقت الذى يعانى فيه العالم من جائحة «كورونا»، وما لحق به من خسائر بشرية واقتصادية هائلة بسببه يصدمنا التقرير السنوى الأخير لمؤتمر جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر، الذى عقد بالقاهرة قبل أيام بإعلانه أن المصريين يستهلكون 80 مليار سيجارة سنويا، بقيمة 70 مليار جنيه، إلى جانب 50 ألف طن تبغ «معسل» فى العام بقيمة ثلاثة مليارات جنيه، وهو ما يعنى أن ما ينفق على التدخين فى مصر يتجاوز 73 مليار جنيه، ناهيك عما ينفق على ما يخلفه من أمراض.
والمفارقة أن فيروس «كوفيد ـ 19» يستهدف بالأساس الجهاز التنفسى، وهو المنطقة الأكثر تأثرا بالتدخين، مما دعا عددا من العلماء إلى المطالبة بالإسراع بالتصدى لآفة التدخين المدمرة، مطالبين بوضع حد لهذا الهدر والاستنزاف المركب للاقتصاد والصحة فى مصر ، خاصة أن معظم الأمراض التى يتسبب فيها تتسلل إلى الجسد خلسة، ليفاجأ المدخنون فى النهاية بأن التدخين قد سرق منهم عافيتهم بعد أن سلب أموالهم!
فى البداية يحذر الدكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر من أن التدخين يؤدى إلى أمراض نفسيّة وصحيّة خطيرة، وأن بعض هذه الأمراض لا يظهر على المدى القريب، فمن الناحية الصحيّة يؤثر على الجهاز العصبيّ مثل الشعور بالأرق والتغيرات المزاجيّة، وزيادة الشعور بالتعب، وعدم القدرة على التركيز، والتفكير، والسيطرة، والتحكّم بوظائفه الأخرى. ويضيف أن الدخان مدمر للصحة، لما تحتويه السيجارة أو الشيشة، من تبغ، ومواد سامة، تؤدى إلى الإصابة بالسرطانات، والموت المفاجئ. ومن أبرز الأمراض التى يتسبب فيها التدخين: سرطان الرئة، الانسداد الرئوى المزمن، أمراض القلب، السكتة الدماغية، أو جلطةً دماغيّةً، وتمدد الشريان الأورطى، وسرطان البلعوم، وسرطان المرىء، وسرطان المثانة، والرحم، والثدى، والتهاب المفاصل الروماتويدى، والضعف الجنسى، وضعف جهاز المناعة، ومشكلات الجهاز التنفسى (التهاب الشعب الهوائية المزمنة، وسرطان الرئة، والانسداد الرئوى المزمن)، ومشكلات متعلقة بالحمل: مثل الموت المفاجئ للرضيع، ومشكلات فى الكبد وفى الجلد، وفى الأسنان: فقد يؤدى التدخين إلى سقوط الأسنان، وتسوّسها، والتهابات اللثة، وظهور الفطريات، وقد تحدث التهابات اللسان والحلق، وتشقّقه وتقرّحه. ويوضح أن تدخين السجاير والشيشة، نوع من الإدمان، وهو المدخل الرئيس لتعاطى المخدرات، خاصة بين الشباب.مشيرا إلى أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بـ «كورونا»، حيث تتعرض رئة المدخن للتلف بشكل أكبر وأسرع.
فى سياق متصل، يقول الدكتور عبدالغنى الغريب طه (رئيس قسم الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر) إن الله تعالى خلق الإنسان ليكون خليفة فى أرضه. وتفضيل الله للإنسان جاء عن طريق تمييزه عن سائر المخلوقات بالعقل، وهو مناط التكليف الذى يعد الهدف الأسمى من وجود الإنسان. وتكريم الله للإنسان له مظاهر كثيرة، منها أن الله أمره بالمحافظة على نفسه وبدنه وعلى بنى جنسه، فلا يجوز له أن يعرض حياته وحياة الآخرين لأى نوع من أنواع الهلاك. لذا جاء قول ربنا: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقال: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
استعباد للإرادة
ويشير إلى أن الصحة والمال وديعتان من الله تعالى، فلا يجوز للإنسان أن يضر بصحته أو يضيع ماله. ولذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، لكن المدخن يشترى ضرر نفسه بحُرّ ماله. وهناك ضرر آخر هو أن الاعتياد على التدخين يستعبد إرادة الإنسان.
هدر للاقتصاد
ويتابع القول: إن الاقتصاد الوطنى يتأثر بنسبة أيام العمل التى تضيع بسبب أمراض التدخين، وكذلك يتأثر اقتصاد الفرد بما ينفق على التدخين وعلاج الأمراض التى يسببها التدخين، وقد تكون أسرة الفرد بحاجة ماسة إلى ما ينفق فى التدخين وعلاج آفاته، فيضيع الفرد ماله، ويضيع من يعول والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول».
سبل المواجهة
ويشير إلى أن مجابهة التدخين تقوم على دعامتين أساسيتين هما: الوقاية والعلاج. فالوقاية: تستهدف الحيلولة دون الوقوع فى خطره. والعلاج:هو محاولة إنقاذ من وقعوا فى براثن الخطر. وهنا يجب على أجهزة الإعلام أن تشن حملة منظمة لبيان مساوئ التدخين، وعلى الدولة أن تتكاتف لمقاومة هذه الآفة، وأن تيسر سبل العلاج منها وتدعمها، لأنه ـ كما هو معلوم ـ الإقلاع عن الإدمان، سواء كان تدخينا أو مخدرات، من الأمور الشاقة والمكلفة جدا.. ويدعو إلى تعميق الحوار مع الشباب وملء فراغهم فيما هو نافع ومفيد، إذ إن الفراغ هو أحد أكبر الأعداء للمدخن أو المدمن.
فى السياق نفسه، يقول الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين السابق، بأسيوط،: إذا دققنا فى إحصاءات أعداد الذين توفوا بسبب الأمراض الناتجة عن التدخين، ربما وجدناها تفوق بكثير أعداد الذين توفوا بفيروس كورونا، وهذا يدل على خطورة الأمر، وتساءل: كيف نهلع لكورونا، ولا نريد أن نضع حدا للتدخين؟! ويرى أن مجابهة التدخين تقتضى عددا من الإجراءات الفاعلة والحاسمة، منها شن حملة إعلامية موجهة للتوعية لمخاطر التدخين، مع تعظيم الدور التربوى، إذ يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بدورهم التوعوى تجاه الصغار، على أن يقلع الآباء المدخنون أولا، لأن الأب قدوة لابنه، فكيف يحذره من التدخين وهو لا يزال أسيرا له؟!
ويضيف أنه من تلك الإجراءات أيضاًحظر المجاهرة بالتدخين فى الشوارع والطرقات والأماكن العامة والمصالح والهيئات الحكومية، وجميع وسائل المواصلات، وتشديد العقوبة على المخالفين وتقرير عقوبة فورية كما هو الحال الآن فى عقوبة مخالفى ارتداء الكمامة، مع ضرورة حظر التدخين فى الأفلام والمسلسلات، حتى لا يقلدهم الأطفال والشباب، والتشديد على حظر بيع السجائر للأطفال دون 18عاما، وكذلك حظر المجاهرة بالشيشة فى المقاهى والكافيهات، وتخصيص أماكن مستترة للمدخنين بعيدا عن أعين المارة وأنظار الأطفال، حتى لا يقلدوهم. أخيراً يدعو د. مرزوق إلى التشديد على التزام أهل القدوة من الدعاة والأطباء والمعلمين بعدم التدخين نهائيا، وتغليظ عقوبة المخالفين، لأنهم فى نظر المجتمع القدوة فى الرأى والتوجيه والتماس النصيحة، فكيف ينصح الطبيب مريضه بالإقلاع عن التدخين وهو مدخن؟!، وكذا الداعية والمعلم، وإلا تعرض هؤلاء لقوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ».
رابط دائم: