رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ألعاب الألفية.. «القاتل الممتع»

‎دينا عمارة

تعود من عملك منهكا بعد يوم شاق، تفتح باب منزلك آملا فى ابتسامة دافئة من أبنائك تنفض عنك غبار مشاكل العمل التى لا تنتهي، وبصوت عال معلنا عن قدومك تصيح: أطفالى الأحباء، لقد وصلت إلى المنزل، لكن الصمت سيد الموقف! لا أحد يتكبد عناء النظر إليك، فالجميع محنى الرأس، مشدوها أمام هاتفه المحمول وكأنه منوم مغناطيسي. ابنك المراهق يحدق بعنف فى شاشته متوعدا «الأشرار» فى لعبة «بابجي»، وطفلك الآخر ذو العشرة أعوام ينتظر تنفيذ أوامر «مومو» الفتاة فى اللعبة الشهيرة، بينما تتجول ابنتك ذات الـ 6 أعوام دون وعى بحثا عن «بوكيمون» لتلتقطه.فتصرخ أنت مفزوعا: لقد فقدت أطفالي.!

هذا المشهد يدفعك إلى العودة بالزمن لأكثر من 20 عاما مضت تتساءل ما الذى حدث؟ قبل هذه السطوة التكنولوجية الهائلة، كانت هناك بعض الألعاب «الإلكترونية» ولكنها لم تكن تحمل هذا الكم الهائل من العنف، وكانت تتسم أيضا بالاجتماعية، فهناك ألعاب كانت تتطلب مجموعة لا تقل عن ثلاثة أشخاص لممارستها، وألعاب أخرى تضمنت نشاطات حركية تجعل الطفل يفرغ ما لديه من طاقة.

أما الآن، فقد أحدث التطور الكبير الذى شهده مجال البرمجيات والألعاب الإلكترونية طيلة السنوات الأخيرة الماضية، طفرة هائلة. وحفلت الألفية بتطبيقات «مجانية» على الشبكة العنكبوتية لألعاب أقل ما توصف به أنها «مرعبة». وتبارى مطورو الألعاب فى جعل الرسومات داخل الألعاب الرقمية تبدو أكثر واقعية لتجذب انتباه الأطفال والمراهقين. فظهر «بوكيمون جو» و «الحوت الأزرق» و «مومو» و «تحدى تشارلي»، وغيرها من الألعاب التى تجاوزت خطورتها مجرد تعزيز السلوكيات العنيفة لدى الأطفال والمراهقين أو انعزالهم اجتماعيا، إلى حد إنهاء حياتهم والدفع بهم إلى الانتحار. فمثلا لعبة «الحوت الأزرق» التى اشتهرت بشكل كبير خلال عام 2019، أدت إلى انتحار أكثر من 150 شخصا حول العالم وتعتمد على تكليف المشارك بعدد من المهام منها إيذاء النفس والوقوف على الأسطح العالية، وعقب استنفاد قواهم فى نهاية اللعبة، يُطلب منهم الانتحار، أو يتم ابتزازهم بالمعلومات الموجودة على هاتفه والتى وافق على مشاركتها حتى تبدأ اللعبة.  

ومن الألعاب التى كان لها أثر سيئ أيضا، لعبة «بوكيمون جو» والتى ما أن ظهرت عام 2016 حتى انطلق مستخدموها فى الشوارع والميادين للبحث عن «البوكيمون» والإمساك به! وبغض النظر عن إمكانية استغلال هذه اللعبة لأغراض التجسس بتصوير الأماكن المهمة استراتيجيا، فقد تسببت فى كثير من الحوادث المرورية ومئات الوفيات والإصابات حول العالم، وكبدت الحكومات خسائر تقدر بأكثر من 500 مليون دولار.

أما «مومو» تلك الفتاة ذات العيون المنتفخة الواسعة والشعر الأسود، فقد أثارت الذعر بين العديد من الآباء والأمهات فى جميع أنحاء العالم، ودفعت بعض الشباب إلى الانتحار خوفا من تعرضهم للابتزاز. وقد أطلت على الأطفال عبر «واتساب» عام 2019، وبمجرد الضغط على صورتها وبدء الحديث معها، تخترق «مومو» هواتف الأطفال وتطلع على كل الصور والأرقام المسجلة, فتوهمهم بأنها تعرف كل شيء يخصهم بالتفصيل الدقيق، وتبتزهم لتلبية أوامرها وإلا ستُلقى عليهم تعويذة شريرة.

أما أخطر لعبة على الإطلاق فكانت «جنية النار»، حيث تسببت هذه اللعبة الخطيرة فى وفاة العديد من الأطفال حرقا أو اختناقا بالغاز. ومنذ بدء انتشارها فى مارس عام 2017، ظن كثيرون أنها مجرد لعبة للتسلية، ولكن فى الحقيقة كانت تدفع الأطفال لحرق منازلهم وأنفسهم، إذ تصدر أوامرها بتشغيل موقد الغاز فى المطبخ، ثم تكرار بعض الكلمات الساحرة من أجل التحول لـ«جنية نار». وانتشرت الأخبار عن خطورة اللعبة أولا فى روسيا عندما رأت إحدى العائلات منزلها يشتعل وتعرض الابنة الصغرى للحرق، وعند التحقق من سبب الحريق ثبت أن الطفلة صوفيا، ذات الخمسة أعوام، كانت تتبع تعليمات لعبتها المفضلة!

لاشك أن الألعاب ليست نشاطا محايدا، فهى تحفز طوال الوقت على إطلاق المواد الكيميائية العصبية داخل من يمارسها وإلا فستكون «مملة»، ولا نبالغ إذا قلنا إن مطورى الألعاب قد اكتشفوا هذا «الكوكتيل الكيميائى الخطير» لذلك فقد صممت الألعاب لتكون مسببة للإدمان بالفعل. وتعترف منظمة الصحة العالمية رسميا فى تصنيفها الدولى للأمراض بما يسمى بـ «اضطراب الألعاب»، وهو ما يعنى أن إدمان الأطفال والمراهقين على الألعاب الإلكترونية يتطلب تدابير وقائية وعلاجية.

كما أوضح خبراء علم النفس أيضا أن التعرض المستمر لمقاطع الفيديو العنيفة سيجعل المراهق أقل حساسية تجاه العنف وأكثر تقبلا له، وأن من يمارسون الألعاب الرقمية العنيفة لمدة تفوق ثلاث ساعات يوميا، لديهم ردود أفعال جسدية ونفسية متبلدة, كما تسبب هذه الألعاب اضطرابات فى النوم وفى ضربات القلب، وتصيب الأعصاب بالتوتر وتُضعف التركيز و قد تؤدى إلى إصابة البعض بالصرع. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق