رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المقال الأخير للروائى والناقد بهاء عبدالمجيد
من هـو «ويليام شكسبـــير» الذى يتحدث عنه العالم ويحتفل به كل عام؟

هذا الشاعر والمسرحى والمفكر والفيلسوف الذى حرك حواديت العالم وقصص العالم منذ نهاية القرن السادس عشر حتى الآن



فقدت أسرة الأدب والنقد العربى أحد أبرز أبنائها، وأحد أهم الأصوات الشابة التى كان يعول عليها فى تطور فن الرواية، وذلك بعد أن اختطف طائر الموت الأسود يوم الأحد الماضى الأديب والناقد والأكاديمى د. بهاء عبدالمجيد أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة عين شمس، متأثرا بفيروس كورونا اللعين.

وللأديب الراحل العديد من الأعمال المتميزة، والتى تم ترجمة بعضها إلى اللغات الأجنبية، لعل أشهرها: «البيانو الأسود»، و«خمارة المعبد»، و«طقوس الصعود»، إضافة إلى روايته الأخيرة «القطيفة الحمراء».

وقد آثرنا الكاتب الراحل بهذا المقال قبل أزمته الصحية الأخيرة بأيام معدودة، ليكون آخر إسهاماته الصحفية المنشورة، والتى نتمنى أن تمنح روحه بعض الطمأنينة والسلام، وأن تمنح محبيه وتلاميذه .. وتمنحنا بعض العزاء.

«فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث

فى الأرض».

«ويليام شكسبير» الذى ولد فى إنجلترا أثناء حكم الملكة اليزابيث الثانية كان من أهم الشخصيات الدرامية والمسرحية التى أسست علم الدراما والذى يعتبر نقله نوعيه بعد «Sophocles» و«Euripides» و«John Milton» و«Christopher marlowe»



كان «ويليام شكسبير» معاصراً لـ «Christopher marlowe» هذا المسرحى الذى كتب مسرحية «Doctor Faustus» والذى قيل إنه قُتِل فى حانة بعد مشاجرة، وقيل إنه قُتِل بسبب تلسنه على أحد أمراء الأسرة المالكة، وأطاح بكلمات عميقه فى عرضه، فاضطروا لقتله.

أما «ويليام شكسبير» فالأساطير والقصص حوله كثيرة فكان يقال إنه كان لا يكتب قصصه بنفسه بل كان هناك أحد الأشخاص يملى عليه حواديت وقصصا قديمة من إيطاليا، والمغرب، والدنمارك، ومن ألف ليله وليله وهكذا..

ولكن الواضح لدينا أن «شكسبير» كما قدمت له دار النشر القديمة «فوليو» التى تخصصت فى نشر مسرحياته، والمعروف أنه كان يكتب المسرحية وكان أيضا يخرجها وينفذها ويمثل فيها، وكانت تيمة المسرح أو فكرة الممثل هى من التيمات الشهيرة، فقد قال «وما الدنيا إلا مسرح كبير، وما النساء ولا الرجال إلا شخصيات درامية تلعب أدواراً عدة» كلٌ له دوره يدخل على خشبه المسرح يؤديه ثم يخرج منه، هكذا حال الإنسان، فكان مجازاً أو رمزاً لحياة الإنسان الذى يقوم بدور فى هذه الحياه ثم يموت، هذا الدور يتراوح ما بين الطفل الصغير، ثم الصبى، ثم الرجل الشاب، ثم المحارب، ثم المحب، ثم الرجل الحكيم، ثم الرجل العجوز، ثم الشيبة، ثم النسيان.

وكان ويليام شكسبير غزير الإنتاج فكتب فى كثير من المسرحيات سواء كانت المسرحيات الكوميدية، أو المسرحيات الرومانسية التى تستمد موضوعاتها من الرعاة أو الكتاب الرعويين، أو الكتاب اليونانيين القدامى، مثل مسرحية «Julius Caesar»، و«As you like it» و«Much Ado About Nothing» وكان أيضاً لـ «شكسبير» نصيب من التراجيديا وهذه التراجيديا هى التى أكسبته شهرته العالمية مثل مسرحياته الأربع الشهيرة التى يطلق عليها «التراجيديات الكبرى فى أعمال شكسبير» مثل «عُطيل -Othello» وهى تحكى قصه محارب وكوماندو أسمر له أصول مغربيه يعيش فى إيطاليا وبسبب حبه لفتاه بيضاء ابنه أحد الأثرياء يحقد عليه المجتمع الابيض فى إيطاليا متمثل فى «ياغو - Iago» هذا الشخص الخبيث الذى يدفعه ويدُس فى أذنيه سموم الغيرة فيقتل حبيبته «ديدمونة ــ Desdemona» التى تحدت أبويها والمجتمع الإيطالى لتتزوج من هذا الأسمر ولم يهمها لونه أو خلفيته العربية او الشرقية، وتعتبر هذه الرواية من أولى الروايات التى تناقش موضوع الإمبريالية وتناقش موضوع التفرقة العنصرية وتناقش أيضاً أحوال المغتربين وعدم قبول المجتمعات البيضاء لهم والتصدى لنجاحاتهم فى المجتمعات الغربية، وقد دق «ويليام شكسبير» ناقوس الخطر.

أما مسرحية «Hamlet» تعتبر من أهم المسرحيات النفسية والتى اخذ منها «Sigmund Freud» بعضا من أفكاره حول الشخصية المضطربة والجنون وعلاقته بالجنسية وحب الأب لابنه وحب الابن لأبيه، وهذا الجنون الذى أصاب «هاملت» بسبب زواج امه من عمه الذى كما اعتقد «هاملت» أنه اغتصب عرش أبيه بأن قتله ووضع السم له فى أذنيه وهو نائم ثم وضع سما آخر من الكلمات فى اذن زوجة والد «هاملت» وتزوجها فأصبح «هاملت» يعانى المُرَين، مر اليتم ومر زواج امه من عمه والذى اعتبره خيانة وقد واجهها بفكره أنها تركت العظيم لتتزوج هذا النذل عمه، وهي رواية تدور حول موضوع الثأر ولكن تردد هاملت وجنونه وحالة العُصاب التى كانت تمنعه من أخذ الثأر، والمرة الوحيدة التى فكر أن يأخذ فيها الثأر قتل فيها والد محبوبته أوثيليا التى اضطربت اضطراباً شديداً، وهاجت مشاعرها، وتدهورت حالتها النفسية بسبب هذا الجُرم الذى ارتكبه هاملت بغير قصد. هو قصد أن يقتل عمه ولكن والدها الوزير كان يختبئ وراء الستارة فظن هاملت أن هذا الشخص هو عمه فقتله بخنجر، ومات على الفور ولكنه اكتشف أنه قتل الشخص الخطأ، وهذا استثار غيظ وحقد ابن هذا الوزير أخو اوثيليا الذى صمم على أخذ الثأر لأبيه بمساعدة عم هاملت فى أن يقتل هاملت فاضطربت أوثيليا اضطرابا شديدا،وفقدت حواسها، وأصبحت تتلعثم، وتهذى بكلمات غريبات لدرجة أنها ماتت غرقاً فى احدى البحيرات والتى أصبحت رمزا البراءة فى بلاط ملكى فاسد تعمه الدسائس والمكائد. وكان هناك تأويل للدكتورة «نهاد صُليحة» «أن اوثيليا لم تمت غرقا أو انتحارا ولكن أُلقى بها فى البحيرة لكى تموت حتى لا تفضح البلاط الملكى لأنها سمعت الكثير وأصبحت تهذى بكلمات فتم التخلص منها من قِبل الملك الكبير الذى استولى على كل شىء».

فى النهاية تموت والدة هاملت ويموت هاملت ويموت العم ويموت الأخ بخنجر مسموم وبشراب مسموم وهذه التى نقول عليها تراجيديا أما المسرحية الأشهر والاكثر تمثيلاً هى مسرحية «الملك لير» وما تحتويه من قضايا سياسية كبرى وفكرة توزيع الميراث للأب على بناته قبل أن يستريح وما يحدث من فساد لإعطاء السُلطة لأشخاص قد يسيئون استخدامها أو يتعللون بأن هذا الشخص لا يملك الحق فى أن يحكم طالما تنازل لبناته عن العرش.

وهذه المسرحية تم تمصيرها أكثر من مرة وترجمها إلى العربية «الدكتور محمد العناني» وايضا «ابراهيم جبرة» وكذلك «فاطمة موسى» ترجمت بعضها. وهذه المسرحية تم الاحتفاء بها فى مصر وجاءت فرقة مسرحية إنجليزية «Royal Shakespeare company» فى نهاية التسعينيات وقامت بتمثيلها على مسرح الأوبرا وقد لاقت نجاحاً كبيرا. أما المسرحية الأخيرة للتراجيديا وانا اعتبر أنها من المسرحيات المهمة هى «ماكبث أو ليدى ماكبث» لأنها؛ تلعب دورا مهما فى تحفيز زوجها على القتل ودفعه للطموح القاتل لقتل عمه والاستيلاء على عرشه، وهذا بالاستماع إلى الطبيعة أو العنصر الخرافى «الساحرات الثلاث» اللواتى بشرن «ماكبث» بحصوله على الملك. وهذه المسرحية دموية لأنها؛ تحكى عن كيف يستولى الشخص على ملك شخص آخر بالمؤامرات والطمع، ومن أكثر المسرحيات التى تلقى رواجا هذه المسرحية لأن مثل هذه الأحداث تحدث دائما فى المعتركات السياسية وفى الحقب التاريخية ومع الكثير من الدكتاتوريين الذين يستولون على الحكم وهكذا. قال جونسون فى كتاب «the life poete» فى فصل مهم جدا عن شكسبير إنه استطاع أن يُجرد العالم من خلال مسرحه، ويخلد الطبيعة الإنسانية على مر العصور بكتابته عن الطبيعة الإنسانية بشكل قوى ورشيد أنه تكلم عن الإنسان المجرد. فالغيرة هى شعور إنسانى ففى أوثيليا الغيرة تدفعه للقتل وأيضاً من يدعى أنه صديقه ياغو يدفعه إلى الهاوية عن طريق شكه فى كاسيو والآخرين فالغيرة جزء من وعى مريض وايضاً تقتل الغيرة من يُحيط بالغيور. والطموح هو شعور إنسانى حيث صاحب ماكبث والطموح يمكن أن يكون بطريقة تسمى الغاية تبرر الوسيلة أى تبرير الشر من أجل الحصول على الخير وهذا ما يسمى «بالميكافيلية» كما ظهر فى كتاب «الأمير» الذى كتبه «ميكافيلى»؛ فنرى فى شخصية ماكبث تمثيلا واضحا وحقيقيا لهذه الفكرة، وعندما نأتى إلى الطبيعة الإنسانية نجد أن أدب شكسبير هو أدب خالد، ويمس البشرية فى الكثير من أوقاتها وعصورها.

سنجد أيضاً أن كينج لير لا تزال موجودة حتى الآن فى موضوع الميراث وموضوع الاستغناء عن السلطة أو التنازل عن العرش للأبناء بغرض إعفاء نفسه من المسئولية وتحقيق ذات أبنائه ولكن كان هناك عقوق من الأبناء تجاه الآباء والأمهات وبالتالى هذا هو الذى يمس الطبيعة الإنسانية بشكل كبير جداً وبشكل عظيم. نأتى كما يسمى إلى الروايات الرومانسية، روميو وجوليت. من لا يتذكر روميو وجوليت «روميو روميو أنا جوليت» من لايتذكر «أنا هنا يا روميو أنا جوليت» وهذه أيضاً تعتبر من المآسى التى سببتها العصبية العائلية وسببها من يريد أن يجعل عداوة بين الأسرتين وحاول شكسبير أن يوضح أن الحب من الممكن أن ينتصر ولكن لا يستطيع الحب أن ينتصر بين روميو وجوليت أولاد العم بسبب حقد الأسرتين وعمى الثأر بينهما، وكان الضحية هما روميو وجوليت اللذين حاولا أن يتحديا الوضع الراهن وأن يحولا المجتمع من طقس العداوة إلى طقس المحبة ولكنهما ماتا مسمويين فى النهاية وكانت لعبة القدر شديدة جداً شكسبير كما قلنا استطاع أن يكسر الوحدات الثلاث الإغريقية كما قدمها أرسطو وهى وحدة الزمن، ووحدة المكان، ووحدة الحدث وظهر هذا فى إحدى رواياته التاريخية الشهيرة «كيلوبترا» فى «كيلوبترا» نرى أن كيلوبترا يمكن أن تكون فى الإسكندرية، ويمكن أن تكون فى روما، ويمكن أن تكون فى طيبة، ويمكن أن تكون فى أكثر من مكان فهذا تكسير للوحدات الثلاث: وحدة الزمان، والمكان، والحدث.

ويليام شكسبير عاش حياة ملأها الحب ويملأها الألم وهذا ظهر فى سنوتاته فقد كتب كثير من السنوتات التى أصدرها وعددها 154 سنوتة، والسنوتة هى قصيدة مكونة من 14 بيتا، كل أربعة أبيات لهما نفس القافية ثم البيتان الأخرين لهما قافية مختلفة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق