لا يمكن لأهالى بورسعيد نسيان أفضال عم عبدالغنى، أشهر صانع وبائع لـ «التمرية» فى تاريخ الحلوى البورسعيدية الشهيرة، التى لا يوجد لها شبيه فى أى محافظة أخرى، كما لا ينسون أبو ياسر، صانع أشهى «سمنية» بتاريخ المدينة الباسلة.
«التمرية» و«السمنية» كلتاهما، تتداخل سيرتهما فى نسيج تاريخ بورسعيد وتشكيل وعى وذكريات مواطنيها. فـعم عبدالغنى، الذى رحل عن عالمنا أخيرا، كان يسبق تباشير الصباح إلى موقعه المعتاد منذ عقود على ناصية شارعى «المقدس» و«الثلاثينى»، قبالة «المسجد التوفيقى» بقلب «حى العرب» بسطوة عنصر الأخشاب على معماره القديم.
يبدأ عمله اليومى، الذى لا يستمر أكثر من ساعتين، خلالهما، يصنع عجينة «التمرية» من الدقيق، ويغلفها بعجينة أكثر تماسكا أشبه بـ«الجلاش»، فيقطعها لقطع صغيرة ويضعها فى إناء الزيت المغلى، لتخرج ساخنة جدا ليرش عليها السكر المطحون، قبل أن يبيعها فى قراطيس للزبائن المتراصة حوله لمتابعة صنعته المتقنة، والاستمتاع بألذ إفطار.
ومثله، يتفنن أبو ياسر مع «السمنية» المصنوعة من عجينة تشبه «التمرية»، ويتم إنضاجها بعد التبريد على صينية كبيرة تحتها «بابور» ذو نار هادئة، ويضاف إليها لاحقا الزيت والعسل المخفف، ومع انتظار إبداعات أبو ياسر، يتوافد الزبائن على موقعه على ناصية شارعى «الحميدى» و«الزقازيق» بقلب الحى التجارى بالعرب.
ومزيج زبائن «التمرية» و«السمنية» يتألف أساسا من عمال هيئة قناة السويس، وشركاتها البحرية، وطلبة ومعلمى المدارس، والعمال والأجيال الأكبر من أهالى بورسعيد، فقد اعتادوا على تناول «التمرية» و«السمنية» صباحا خلال العقود الأولى من القرن العشرين، وحتى ما بعد انقضاء عهد التهجير عام 1974.
وبخلاف إسمى عم عبدالغنى وأبو ياسر، تعرف بورسعيد العشرات من صانعى «التمرية» و«السمنية» المنتشرين بالمناطق الشعبية والأسواق، قبل أن يتراجع عددهم ويقل الاهتمام بتلك الحلوى الشعبية الرخيصة الثمن خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وحاول جيل جديد من الباعة تعريف شباب بورسعيد على «السمنية» و«التمرية» بوصفها الإفطار المميز لآباء وأجداد بورسعيد.
حاول شباب الطهاة تقليد صنعة حلوى الإفطار البورسعيدية فى بعض المواقع بأحياء «العرب» و«المناخ»، ولكن طبعا الأسعار لا تقارن ما بين اليوم والماضى، ولكنها فى جميع الأحوال محاولة لبقاء حلوى بورسعيد الأصيلة.
يحكى المؤرخ البورسعيدى، المهندس مسعد سليمان أن «التمرية» و«السمنية» تحولت عبر عقود إلى موروث شعبى بورسعيدى ظهر أول مرة فى شوارع المدينة خلال الأربعينيات من القرن الماضى، وكان يطلق عليها «حلويات البسطاء» لمحدودية سعرها. ورغم تراجع الإقبال عليها، فإن «حلويات البسطاء» مازالت تحاول التمسك بموقعها فى تاريخ بورسعيد ووعى مواطنيها.
رابط دائم: