منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، اختفت من العالم فكرة الاستعمار بأشكاله القديمة من احتلال الدول بالقوة العسكرية وفرض السيطرة عليها. واليوم، وبعد أن اتخذ الإنسان خطوات قوية نحو غزو الفضاء، هل تعيد الدول الكبرى إحياء فكرة « وضع اليد» على ما تكتشفه من كواكب وأجرام سماوية والسيطرة على ثرواتها فى المستقبل؟
فى سبتمبر الماضي، خرج ديمترى روجوزين مدير الوكالة الروسية للفضاء بتصريح صادم قال فيه إن كوكب الزهرة «روسي» أو بعبارة أوضح ملكا لروسيا. وقال روجوزين «كانت بلادنا هى الأولى والوحيدة التى هبطت بنجاح على كوكب الزهرة، لقد جمعت المركبة الفضائية معلومات حول الكوكب، إنه مثل الجحيم هناك». وتابع: «استكمال اكتشاف الزهرة على أجندتنا. نعتقد أن الزهرة كوكب روسي، لذلك ينبغى ألا نتباطأ.»
ومن الزهرة إلى القمر فالمريخ تتزاحم الدول اليوم وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين لكشف طبيعة هذه الأجسام الفضائية وغيرها، وإن بدا أن الهدف من إرسال البعثات الفضائية فى الماضى مقتصر على إفادة البشرية بالعلوم وكشف ألغاز الكون، فإن الأمر اليوم يختلف كثيرا، حيث تكشفت أهداف أخرى خفية تتمثل فى تنافس القوى العالمية على السيطرة على الفضاء لتحقيق أهداف الهيمنة والسيادة على العالم الخارجي.
ولعل التقدم الذى أحرزته البشرية فى اختراق الكون الخارجى وظهور شركات خاصة تعمل فى مجال تجارة الفضاء أثار عدة تساؤلات. أهمها ،من يملك الفضاء الكونى ؟ ومن يحق له الاستفادة من الثروات الفضائية فى المستقبل؟
عندما وضع رائدا الفضاء الأمريكان نيل أرمسترونج وباز ألدرين العلم الأمريكى على القمر عام ١٩٦٩، فإن هذا لم يكن يعنى إعلان الولايات المتحدة امتلاكها للقمر بل كان مجرد تكريم رمزى لبلدهم، والتى وقعت على معاهدة الفضاء الخارجى عام ١٩٦٧، أى قبل هبوط أرمسترونج على سطح القمر بعامين. وتنص المعاهدة، التى ضمت ١٢٩ دولة من بينها روسيا وأمريكا والصين وبريطانيا، على أن الفضاء الخارجى «مشاع عالمي» وملك للبشرية كلها، وأنه متاح للاستكشاف من قبل جميع الدول. كما تنص أيضا على أن القمر وغيره من الأجرام السماوية لا يمكن امتلاكهم من قبل دولة بعينها وأن استغلالهم لابد أن يكون لأهداف سلمية ولا يمكن نشر أسلحة فى الفضاء.
إذن ما هى المشكلة؟ الإشكالية الحالية هى تلك المعاهدة، رغم كونها أساسا عظيما للقانون الدولى للفضاء، إلا أنها أغفلت أى إشارة إلى أنشطة الاستغلال التجارى للفضاء الخارجى مثل التعدين التجارى لبعض الأجرام كالقمر مثلا ، وذلك نظرا لأنه تم توقيعها عندما كان الإنسان حديث العهد باكتشاف الفضاء ولم تطرأ فكرة ملكية أو استغلال موارده على بال أحد. إن المعاهدة غامضة فيما يخص الشركات الخاصة التى بدأت بالفعل فى اطلاق أنشطة ربحية على الكواكب، فضلا عن الشركات التى تتخصص فى سياحة الفضاء وغيرها من الأنشطة التجارية. الأمر لا يقتصر على الطموحات الأمريكية فى استغلال الفضاء الخارجى تجاريا، بل إن انضمام دول أخرى مثل الصين والهند إلى السباق العالمى لغزو الفضاء ربما يمهد الطريق لتنافس قوى كبرى لفرض السيطرة على بعض الأجرام السماوية ولكن هذه المرة ليس من خلال الاحتلال وإعلان الملكية والتبعية وإنما من خلال «الخصخصة» واستثمارات القطاع الخاص المتوقع أن يكون له اليد العليا فى «امتلاك» الفضاء الخارجى فى المستقبل.
رابط دائم: