بعيدا عن الصورة النمطية عن الحصار وقضايا المقاومة استطاع صناع الفيلم الفلسطينى «غزة مونامور» المشارك فى المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي أن يأخذونا إلى جانب آخر من حياة المواطن الفلسطينى المليء بالإنسانية من خلال قصة حب يغلفها الأمل فى حياة جديدة تعامل معها مخرجا الفيلم (الأخوان ناصر) بحرفية شديدة، واستطاعا ربطها بقصة العثور على تمثال «أبولو» وهى قصة حقيقية حدثت بالفعل فى مدينة غزة لصياد عثر على تمثال لإله الشعر الإغريقى «أبولو» الذى صادرته حكومة حماس المسيطرة على قطاع غزة.
هذا التمثال له دور محورى فى بناء أحداث الفيلم التى تدور حول عيسى صياد السمك العجوز الذى يعيش وحيدا يحلم بسهام جارته الأرملة التى تعمل فى خياطة الملابس التى تعيش برفقة ابنتها المطلقة. هذا الصياد ليس له أصدقاء سوى سمير الشاب صاحب محل البقالة الذى يحلم بالهجرة إلى أوروبا تاركا وراءه كل شيء فى محاولة للهروب من الواقع الذى لا يتغير مثله مثل ليلى المطلقة ابنة سهام، وهى الأخرى تبدى تذمرها من الحياة فى غزة.
حياة عيسى العشوائية تجعله وحيدا منبوذا رغم وجود أخته الوحيدة التى دائما ما تبحث له عن زوجة تؤنس وحدته لكنه دائم العراك معها ولأنه، «صدامى» كان دائم الصدام مع سلطات الأمن فى غزة، وهذا اتضح بعد عثوره على التمثال الذى تم استخدامه بحرفية كبيرة كرمز للسخرية من سلطة حماس داخل القطاع حيث ظهر التمثال عاريا منتصبا بداية من كسر أحد أعضائه فى أثناء محاولة عيسى إخفاءه فى منزله بينما يأخذ العضو الذى كسر لمعرفة هل كان مصنوعا من الذهب أم ماذا فى مفارقات كوميدية تتبعها مواقف ساخرة حتى تكتشف الشرطة حيازة عيسى للتمثال الذى يحول بينه وبين الاعتراف للأرملة بحبه لها.
استطاع صانعو الفيلم (الأخوان عرب وطرزان ناصر) التعبير عما وصلت إليه غزة وإلقاء الضوء على جانب آخر متمثلا فى قصة حب تؤدى دورا أساسيا فى محاولة للتعبير عن غزة التى تعانى لكنها تقف صامدة، ولا يزال أهلها قادرين على الحياة والحب وسط كم هائل من الدمار والفساد.وتأتى هنا رمزية التمثال، رغم العلم بحقيقة العثور عليه، ببعد آخر فى قصة الفيلم فقد ظهر التمثال بالعضو المكسور تعبيرا عن تفكير عيسى الدائم فى الغريزة وهو على مشارف الستين من عمره.كما يمكن تفسير ظهور تمثال «أبولو إله الشمس» عند الإغريق فى قطاع غزة الذى يعانى ويلات الدمار والحصار واستبداد حكومة حماس كأنه بمثابة النور و الحلم الذى يداعب أذهان أغلب شخصيات الفيلم الحالمة والمتورطة فى الوقت نفسه فى واقعهم الأليم. ومجرد التفكير فى الهروب من هذا الواقع المرير هو ضرب من الخيال فعيسى الصياد قرر أخيرا الاعتراف لسهام بحبه ورغبته فى الزواج بها تاركا خلفه حياته القديمة الصدامية وكان أداء «سليم ضو» أكثر من رائع إذ استطاع أن يقدم شخصية الصياد بحرفية، وكذلك هيام عباس التى أدت دور سهام الأرملة.
فى النهاية يعتبر«غزة مونامور» تجربة سينمائية تستحق التقدير لأنها بعثت برسالة مهمة بأن السينما الفلسطينية قادرة على تقديم واقع برؤى إنسانية فى إطار سياسى بعيدا عن إطار المقاومة العسكرية.
رابط دائم: