رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«تيجراى» وأضرحة الصحابة فى قرية النجاشى مهد الاسلام فى إفريقيا

أشرف ابوالهول;

جثامين 15 من المهاجرين المسلمين الأوائل ترقد بجوار الحاكم العادل الذى وفر لهم الملاذ



فى الوقت الذى يتابع العالم فيه بقلق الصراع المسلح الدائر حاليا فى إقليم تيجراى بشمال إثيوبيا وهجوم القوات الحكومية على الإقليم لإخضاعه لسيطرتها وسط تعتيم إعلامى كامل وقطع للاتصالات لعزله عن العالم حتى القضاء على قيادته التى يعتبرها رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد متمردة وورود أنباء غير مؤكدة عن قصف عشوائى ووقوع الكثير من الضحايا من الجانبين علاوة على الدمار فى بعض الأماكن فإن مسلمى إثيوبيا بالكامل يشعرون بالقلق مما يحدث هناك خاصة وهم لايعرفون مصير قدس أقداسهم وهو مسجد النجاشى بقرية النجاشى التى تبعد حوالى 60 كيلومترا عن «مقلى» عاصمة التيجراى والتى ترقد فيها أجساد 15 صحابيا للرسول عليه الصلاة والسلام كانوا قد لجأوا للنجاشى طلبا لحمايته وبحثا عن عدله وهو ماعرف باسم الهجرة للحبشة .

............................................

وتروى كتب التاريخ والسيرة النبوية أن عشرات الصحابة هاجروا إلى أرض الحبشة التى حكمها النجاشى «أصحمة بن أبهر» فى الفترة بين عامى 610 و630 ميلادية، وقال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام «ملك عادل لا يظلم عنده أحد»، وكانت تسمية الحبشة أو اكسوم تطلق على المنطقة الواقعة شمال شرقى إفريقيا، وتشمل كلا من إريتريا، والصومال، والسودان، وجيبوتي، وأثيوبيا حاليا، وتقول بعض المصادر التاريخية إن النجاشى أسلم سرا تأثراً بالمسلمين المهاجرين إليه زمن محاصرة أهل قريش لهم وكانت أولى الهجرات فى العام الخامس من الرسالة المحمدية الموافق 615 ميلادية .

قرية النجاشى

وتعد قرية النجاشى أشهر مزار دينى إسلامى فى كل إثيوبيا وشرق إفريقيا وهى أول مكان فى إفريقيا دخل فيه الإسلام و يتدفق مئات الآلاف من الزوار المسلمين عليه سنويا خاصة فى المناسبات الدينية الإسلامية إذ تزور أعداد كبيرة القرية فى شهر رمضان المعظم حيث يقوم الأغنياء من مسلمى إثيوبيا بتوزيع صدقات الأموال وإطعام الفقراء والمساكين الذين يتوافدون إلى مسجد النجاشى للتبرك بالصحابة المدفونين داخله وحوله وفى شهر محرم يزور المسجد أتباع الطرق الصوفية للاحتفال بما يسمى بـ «حولية النجاشى» ويتبرك الزوار بالبئر الموجودة بجانب المسجد والتى حفرها المهاجرون المسلمون ويطلق الأثيوبيون عليها اسم «ماء زمزم».

وأهم حدث دينى تشهده قرية النجاشى سنويا هو موكب الحج السنوى إلى مكة المكرمة حيث اعتاد المسلمون من كل أنحاء إثيوبيا على التجمع فى القرية سنويا للانطلاق إلى مكة المكرمة فى مشهد يشبه إلى حد كبير موكب المحمل الذى كان يخرج سنويا من مصر حاملا كسوة الكعبة المشرفة ويسير خلفه الراغبون فى الحج من مصر وسائر دول المغرب العربى وشمال إفريقيا .

ويقع مسجد النجاشى فوق تلة فى القرية التى باتت تحمل اسم النجاشى لذا يظهر من بعيد للقادمين من خارج المكان وداخل المسجد يوجد ضريح النجاشى وبجانبه أضرحة لبعض الصحابة من المهاجرين الأوائل للحبشة وبجوار المسجد توجد بقية أضرحة الصحابة وعلى مسافة ليست بعيدة من كنيسة صغيرة تسمى كنيسة «مريام» يرقد فيها جثمان زوجة النجاشى التى ماتت على الديانة المسيحية وذلك فى مشهد يعكس التسامح الدينى الذى أشتهر به أهل القرية وأهل إثيوبيا عامة و على يمين المسجد الذى لا تتجاوز مساحته 200 متر مربع وتم تجديده وترميمه منذ سنوات قليلة وبجواره يوجد مسجد حديث به قاعة لتعليم القرآن الكريم .

وتحيط بقرية النجاشى عدة قرى أخرى يسكنها أحفاد بعض الصحابة الكرام الذين هاجروا إلى الحبشة واستقروا هناك.

وبالقرب من قبر النجاشى رضى الله عنه يوجد ضريح الصحابى عدى بن النضير رضى الله عنه الذى مات قبل النجاشى، وشارك النجاشى نفسه فى دفنه. كما توجد خمسة قبور أخرى تضم رفات الصحابة حاطب بن الحارث، وسفيان بن معمر، وعبدالله بن الحارث، وعروة بن عبد العزيز.

وبالنسبة للكنيسة الموجودة بالقرب من مسجد النجاشى وتعد إحدى رموز التسامح فى تيجراى وإثيوبيا فإنها تقع على بعد 100 متر من ضريح النجاشى ويفصل نهر عباى وهو نهر صغير يمر بتيجراى وتسمى كنيسة مريام وتذكر المخطوطات أن مريم زوجة النجاشى رفضت الدخول فى الإسلام فأقام لها هذه الكنيسة، وفى ذلك دلالة واضحة على التسامح الدينى الذى عُرف به النجاشى.

وخلف مزار مسجد النجاشى توجد مقبرة إسلامية كبرى لأكثر من 1400 من الأئمة والمشايخ وحفظة القرآن.

وتؤكد المخطوطات أن حكم النجاشى وأسرته استمر لفترة 320 عاماً ساد فيها العدل، وكان للنجاشى ثلاثة أبناء هم: اريحا، وعبدالله، وأبو نيرز الذى أصبح مولى للأمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه .

ولما توفى النجاشى أرسل أهل الحبشة وفداً منهم إلى أبو نيرز، وهو مع على ليتوجه ملكاً، فقال: ما كنت لأطلب الملك بعد أن منّ الله عليّ بالإسلام.

الرسول يصلى على النجاشى

ويقول رواة السيرة النبوية أن النجاشى توفى فى السنة التاسعة هجرية ، ونعاه الرسول عليه الصلاة والسلام فى اليوم الذى مات فيه وقال للصحابة الكرام: «توفى اليوم رجل صالح من الحبشة فهلموا فصلوا عليه صلاة الجنازة»، فخرج بهم إلى مصلى العيد و هو ميدان متسع يقع فيما بين سورى المدينة القديم والجديد، وأصطفوا خلف الرسول فكشف الله للنبى صلى الله عليه وآله وسلم أرض الحبشة حتى رأى نعش النجاشى فصلى عليه بهم وكبروا أربع تكبيرات واستغفر له.

حينها قال المنافقون: «أنظروا إلى هذا ( فى إشارة للرسول صلى الله عليه وسلم ) يصلى على حبشى نصرانى لم يره قط وليس على دينه»، فأنزل الله تعالى هذه الآية: «وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم».. [آل عمران : 199].

ويمثل المسلمون فى إقليم تيجراى 15% من إجمالى سكان الإقليم. وتؤكد الروايات التاريخية أن الحبشة استقبلت 83 صحابياً و19 صحابية عبر هجرتين.

انتشار الإسلام فى الحبشة

ورغم أن معظم الصحابة عادوا إلى مكة بعد فتحها وانتصار الإسلام وانتشاره فى الأرض خاصة وأن الملك النجاشى نفسه توفى العام التاسع للهجرة إلا أن من تبقى من الصحابة على أراضى الحبشة كما كان العرب يسمونها ومملكة أكسوم كما أطلق عليها الإثيوبيون نشروا الإسلام فى المناطق التى عاشوا بها هناك كما أن بعض القبائل العربية المسلمة هاجرت إلى إثيوبيا بعد تمدد الإسلام وتوسعه فى العالم القديم فأعتنق الكثير من الإثيوبيين الإسلام وعاشوا فى تسامح مع بقية الإثيوبيين ومعظمهم من المسيحيين ونشأت إمارات إسلامية متعددة على أراضى إثيوبيا خاصة فى فترات تفككها وضعفها ومنها إمارات شرخا، إمارة، شوا، هدية، دارة، أبدينى، دوارو.

ويعد الإسلام الديانة الثانية فى إثيوبيا حاليا حيث تقول السلطات أن عدد المسلمين يبلغ حوالى 35% من سكان البلاد بينما يقول زعماء الطوائف المسلمة الإثيوبية إن تعداد المسلمين ييراوح بين 50% و60% من إجمالى عدد السكان الذى يقترب من 110 ملايين نسمة ويشكل الأغلبية فى بعض الإقاليم الأساسية مثل الأورومو والصوماليين الأوجادين والعفر

ولأن كل مسلمى إثيوبيا يحفظون عن ظهر قلب سيرة النجاشى والصحابة المدفونين بجواره فقد حافظوا على الضريح طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان وتمسكوا بعادة زيارته حتى فى عهد الحكم الشيوعى أيام منجستو هيلى مريام واليوم يشعرون بالخوف من أثار الحرب فى تيجراى واحتمالات توسعها وتمددها على مقدساتهم فى قرية النجاشى .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق