عندما وقع اختيار مهرجان القاهرة السينمائى الدولى على فيلم «الأب» ليفتتح به الدورة الـ42، كان موفقا لأسباب كثيرة منها أنه فيلم إنسانى، وأيضا لأن بطله النجم المخضرم أنتونى هوبكنز يتم عامه الـ83 يوم 23 ديسمبر.
«الأب» تجربة خاصة لكل صناعه، مخرجه فلوريان ويلر، الذى يقدم نفسه لأول مرة، فى عالم الإخراج بعد نجاحه وتحقيقه شهرة واسعة كمؤلف، وكاتب دراما، ولم يكن من السهل أن يوافق نجم بمكانة «أنتونى هوبكنز» على قبول التمثيل فى فيلم لمخرج شاب، يقدم نفسه لأول مرة فى السينما، وفى عمل صعب جدا ليس من السهل على أى مخرج أو ممثل عادى يخوض هذه التجربة النفسية التى تتطلب ممثلين من نوع خاص.
أنتونى هوبكنز، وافق لأسباب كثيرة،فنجم الأوسكار، والعشرات من الجوائز، وصاحب الرصيد السينمائى المتنوع، الذى تجاوز الـ70 فيلما، وكتب وأخرج فى مشواره الكثير، يعلم جيدا أن قبوله فيلما، لابد أن تكتمل عناصره، وليس شرطا أن يكون المخرج يخوض تجربته الأولى، فأهم العناصر هو أن بطلة الفيلم أوليفيا كولمان، وهو اسم شهرتها، إذ أن اسمها الحقيقى هو سارة كارولين كولمان، من أكثر ممثلات هوليود قدرة على تقديم الأدوار الصعبة، وهى بطلة مسلسل «الملكة اليزابيث الثانية» المنتج لهذا العام.
كما أن النص مقتبس من عمل مسرحى لنفس المخرج، والشخصية ليس من السهل أن يتنازل عنها.
فالمخرج الذى كتب السيناريو، لم يضع أمامه بديلا لأنتونى هوبكنز، حتى إنه سماه بشخصيته، «أنتوني» الرجل الثمانينى الذى يصاب بالخرف، فيعيش فى شقته هو وابنته، رافضا كل ما هو واقع،يتخيل شخصيات تعيش معه، وينكر ما يمر به من فقدان للذاكرة بفعل الزمن، يتذكر ما عاشه فى باريس وهو يسكن فى شقة بلندن.
اعتمد المخرج فى تصويره لفيلمه على قدرة وخبرة بطل الأحداث، فقد حافظ «أنتوني» المصاب بالخرف، طوال الأحداث، على الحالة التى يمكن أن نرى عليها مريض الزهايمر، يتحرك وهو مريض ولا يعترف بمرضه، يتخيل اشياء ويصدقها، غير آبه بمن حوله.
وكعادته فقد برع فى استخدام لغة الجسد التى شاهدناها فى كثير من أفلامه، خاصة تلك التى تميزت بنوع من الحركة، أو فى أفلام الرعب مثل فيلم «هانيبال» أو «رد دراجون» أو «ذا ايدج» وغيرها من الأعمال الصعبة التى تميز فيها، وبالطبع مع الاختلاف فى طريقة الأداء التى تفرضها طبيعة مريض بأحد أمراض الشيخوخة من تردد، تلعثم، شك، يقين مطلق أحيانا فى أمور لا يراها سواه، عدم قدرة على التركيز، وكلها توابع أو ردود أفعال للنسيان، أو الزهايمر.
الشخوص تتحرك ايضا فى نفس الحيز المكانى، وهم محدودو العدد، وكأنه فيلم إنتاج فردى مستقل، رغم تميز الشخصيتين الرئيستين، أنتونى والنجمة أوليفيا كولمان، التى جسدت شخصية ابنته «آن» وهى ممثلة لها ثقلها، وأفضل اختيار للدور، حافظت على مشاعرها المتضاربة بين الحب والخوف والملل الذى يؤدى بها للتفكير فى التخلص من الأب فى لحظة من لحظات اليأس.
أما المخرج وهو المؤلف فيحسب له مغامرته السينمائية بعد مشوار طويل مع المسرح، فهو فرنسى. كتب أكثر من 10 مسرحيات عرضت فى أكثر من 45 دولة، منها مسرحيته «الأب» التى حولها إلى فيلم، وهى من أكثر أعمال الكوميديا السوداء تميزا فى السنوات الأخيرة، فازت بالعديد من الجوائز فى باريس، ولندن، ونيويورك.
وهذا الفيلم «الأب» هو أول أفلامه كمخرج، وإن حصل منه على الأوسكار حال ترشحه يضعه فى مصاف كبار المخرجين.
فيلم «الأب» تجربة إنسانية مهمة، ويحسب لمهرجان القاهرة السينمائى افتتاح دورته الـ42 به كونه عملا فنيا متكاملا، ويقدم رسالة مهمة هى كيفية التعامل مع كبار السن إذ نرى أنفسنا فى هذا الشخصية المعقدة، بكل مفرداتها، وانفعالاتها، وانفعالات المحيطين بها.
رابط دائم: