بنهاية هذا العام، ينتهى عقد الأمم المتحدة (2010-2020) المخصص لتنمية الصحارى ومكافحة التصحر على مستوى العالم، وتشغل الصحارى نسبة كبيرة من الأراضى على مستوى العالم (41.3%)، ويسكنها حوالى ثلث سكان العالم وتشكل الأنواع النباتية المستوطنة فى الأراضى الجافة والصحراوية 30٪ من النباتات المزروعة اليوم على مستوى العالم مع بقاء أسلافها والنباتات البرية التى تنمو طبيعياً فى البيئة الصحراوية رصيداً احتياطياً للتنوع الحيوى تنهل منه البشرية لتحقيق الأمن الغذائى وصناعة الدواء وغيرها، بالإضافة إلى كونها موئل الكثير من الحيوانات البرية والمستأنسة.
ورغم هشاشة وضعف النظام البيئى بالصحارى ومظاهر الفقر وعدم توافر وسائل الراحة فى الحياة، وأن بعض الحكومات كانت تعاقب بعض موظفيها بإرسالهم للعمل فى الصحارى لظنها بأنها موطن ذو مستويات منخفضة نسبيًا من الرفاهية، فإن من يدرك أسرار الحياة فى الصحراء يشعر بسعادة وراحة بال وسمو فى التفكير، لا توفرها وسائل الراحة والتكنولوجيا المتاحة فى البيئات الأخري، ومع اقتراب نهاية عقد الأمم المتحدة فإن بعض أهالى الصحراء لم يشعروا بتحسن فى نمط حياتهم أو أسلوب معيشتهم، وقد يرجع ذلك لعدم إدراك أسرار الحياة فى البيئة الصحراوية، التى هى فى ظاهرها المشقة والعناء، وفى باطنها الرحمة والسكينة وتنمية قدرات وحواس الإنسان لأقصى درجة، فبرغم أن ندرة المياه وعدم توفير مصدر منتظم ورخيص للطاقة يؤثران بشكل مباشر على إنتاج الغذاء، فإننا فى مصر لنا بعض التجارب «المنفردة» الناجحة للتنمية الحقيقية، مثل تجارب السياحة البيئية والمزارع الصحراوية وإكثار بعض نباتات البيئة المحلية لشتى الأغراض، وحتى تطوير نوع من العيش الصحراوى المُستدام اقتصاديًا وبيئيًا فى بعض التجمعات الصحراوية اعتماداً على موارد المياه والطاقة المحلية، ومع ذلك فإننا حتى الآن لم نحقق الاختراق المطلوب لتنمية الصحارى المصرية على مستوى كبير، يُخرج ملايين الشباب من الوادى الضيق إلى رحابة الصحراء للعمل وتحقيق طموحاتهم، فلقد بدأت الحكومة المصرية بعد ثورة 1952 جهوداً لتنمية الصحارى من خلال إنشاء هيئة تنمية الصحارى ومركز بحوث الصحراء التابعين لوزارة الزراعة، ثم بعد ذلك إنشاء الجهاز المركزى للتعمير التابع لوزارة الإسكان ويضم 11 جهازاً، منها جهاز تعمير سيناء، وأخيرا تم إنشاء الجهاز الوطنى لتنمية شبه جزيرة سيناء التابع لرئاسة مجلس الوزراء والذى لم يحقق ما كنا نتمناه خلال العقد المنصرم، وتم تغيير القانون هذا العام لنقل تبعيته لإحدى الوزارات، وفى رأيى إنه لتحقيق الاختراق المطلوب للصحارى المصرية، يجب علينا إنشاء «وزارة تنمية الصحاري» تعمل بفكر مجموعة من العلماء الذين يفهمون الصحارى المصرية جيدا ويؤمنون بقدرتها على الإنتاج ورفع الدخل القومى للوطن، والابتعاد قدر الإمكان عن غير المتخصصين، والبناء على ما قمنا به سابقاً باستحداث وزارة بمهمة محددة «وزارة السد العالي»، تولاها المهندس محمد صدقى سليمان، أول وأخر وزير لتلك الوزارة، ويجب أن تُنفذ وزارة «تنمية الصحاري» المقترحة مشروعات محددة وتكون لفترة خمس سنوات قابلة للتجديد بقدر الإنجاز، وبصلاحيات كبيرة لتحقيق ما نحلم به للصحارى المصرية.
د. كمال عودة غُديف
أستاذ المياه والبيئة بجامعة قناة السويس
رابط دائم: