هو القادر على توحيد الصفوف بعد كثير من الصدمات والاختبارات القاسمة التى عايشها المجتمع الأمريكى. هكذا تبدو شخصية الرئيس الأمريكى المنتخب جوزيف (جو) بايدن كما تطل من بين صفحات أبرز الكتب التى تناولت المسيرة السياسية والإنسانية للرئيس رقم 46 للولايات المتحدة الأمريكية.
لعل أحدث تلك الكتب وأبرزها كتاب «جو بايدن: حياته، وترشحه، وما يهم»، الصادر فى أكتوبر الماضى، وفيه يوضح الصحفى إيفان أوزنوس، كيف أن بايدن بخلفيته التى هى مزيج من الخبرة والألم، وبشخصيته التى لا تتكبر عن الاعتراف بالأخطاء ولكنها تعتبر الانسحاب «خطيئة لا تغتفر»، تعتبر الحل المثالى لهذه اللحظة التاريخية التى تعايشها الولايات المتحدة.
ويشرح أوزنوس، كيف أن بايدن بخبرته فى التعافى ومكانته الوسطية، يعتبر « العلاج الشافي» لحالة التشرذم والانقسام التى بدأت بالإنجاز التقدمى، الذى لم يستوعبه كثيرون، والمتمثل فى انتخاب باراك أوباما كأول رئيس أمريكى من أصول إفريقية عام 2008، وحتى انتهاء مدة الرئاسة الأولى والوحيدة لخلفه اليمينى دونالد ترامب. يتناول أوزنوس المحطات الرئيسية بمسيرة بايدن. ويركز على سنوات بايدن الثمانية كنائب للرئيس أوباما، وتخليه عن مشروع الترشح الانتخابى لصالح هيلارى كلينتون بانتخابات 2016، ثم قرار الوقوف فى وجه ترامب، وملابسات اختياره للسيناتور كامالا هاريس لخوض انتخابات 2020 معه.
ومن كتاب أوزنوس، يتوجب العودة خطوة واحدة للوراء بإلقاء نظرة على كتاب « جو بايدن: حياة من المحاولات والفداء» للكاتب المخضرم جوليز ويتكفر، خبير الشأن السياسى والتاريخى بـ «واشنطن بوست» منذ عام 1954 وصاحب العشرين كتاب. فى كتابا، الصادر العام الماضى، يتناول ويتذكر مسيرة بايدن كرجل ساهم بتشكيل المشهد السياسى الأمريكى لأكثر من أربعة عقود، كرجل قادر على التواصل والتفاهم مع مختلف مؤسسات الحكم الأمريكية ورجالها، ما يعنى قدرته على خلق فرص للحوار بواشنطن، والتى تقلصت مؤخرا. يحاول الصحفى الأمريكى الكبير الاقتراب إلى حد كبير من حقيقة بايدن وتوجهاته الفكرية والسياسية، وحياته منذ نشأته ومرورا بانتصاراته السياسية المبكرة وصدماته بخسارته زوجته وابنته بمرحلة مبكرة من مسيرته المهنية، يقدم ويتكفر صورة رجل قادر دوما على النهوض وبيان الصواب من الخطأ وسط أجواء الاضطراب والضغوط، مبرزا قدرة بايدن على خلق حالة من الانسجام بين من حوله فى إشارة إلى أنه قد يكون تحديدا ما تحتاجه أمريكا فى المرحلة المقبلة.
ولا تغيب «تيمة» الوحدة والترابط حتى بالسيرة الذاتية التى وضعها بايدن بنفسه، متطرقا إلى آخر تجاربه الشخصية وأشدها إيلاما. ففى كتابه الصادر عام 2017، « عدنى يا أبى: عام من الأمل والمصاعب وإيجاد الغاية»، يركز بايدن على تجربة خسارته لنجله بو بايدن، الذى شغل منصب المدعى العام لولاية ديلاوير وكان مرشحا للعب أدوار أكثر فاعلية بمستقبل الحزب الديمقراطى، عام 2015 بعد صراعه المرير مع السرطان، لتكتمل خبراته فى الفقد والتى بدأت بفقدانه زوجته الأولى، هانتر بايدن، وابنته إثر حادث سيارة. صحيح أن تناول بايدن للشأن العام بهذا الكتاب محدود، ولكنه تمكن من إعطاء درس بالغ الأهمية فى الوحدة والتآخى، وإن كان عبر طريق مختلف. فهو يعطى صورة صادقة لنفسه فيما كان يوازن بجهد كبير بين دوره كنائب للرئيس الأمريكى وقتها فى مواجهة أزمات دولية مختلفة فى أوكرانيا والعراق وأمريكا الوسطى. وما بين دوره كرب أسرة تواجه تحديا كبيرا مع ابن يتنقل بين أسرة المستشفيات ويصارع من أجل البقاء. هو يستعرض تجربته فى فقد الابن مستندا على شبكات الدعم داخل أسرته وبأروقة البيت الأبيض، وكيف تداخلت مأساته الشخصية مع مشروعه لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، وكيف تراجع عن الترشح لاستعادة ذاته وتنظيم حياته بعد فقده بو، الذى كان يتمنى منه الترشح والفوز بالرئاسة.
رابط دائم: