« منذ ١٠ أو ١٥ عاما كنا نعتقد أن تركيا نموذج شرقى للديمقراطية يتخذ خطوات نحو الحداثة ، ولكن الآن اتضح أن ذلك ليس صحيحا».. بهذه العبارات وصف كليمنت بون وزير الدولة الفرنسى للشئون الأوروبية التحول الجذرى فى رؤية أوروبا لتركيا تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان من دولة ذات مؤهلات واعدة للانضمام إلى التكتل الأوروبى إلى دولة تتجه شيئا فشيئا إلى عزلة دولية بعد أن اختارت أنقرة التخلى عن التركيز على النهوض الاقتصادى والتحول إلى تنفيذ طموحات وأطماع توسعية استفزت جيرانها وأغضبت أكبر حلفائها.
من التدخلات العسكرية فى سوريا والعراق وليبيا، وانتهاك الحقوق السيادية لقبرص واليونان بشرق البحر المتوسط، وتأجيج الصراع فى قره باغ، وصولا إلى مخالفة قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية القبرصية، تسببت سياسات أردوغان فى تدهور علاقات بلاده مع غالبية أعضاء المجتمع الدولي، حتى إن الصبر الأمريكى بدأ ينفد أمام التعنت التركى إزاء العديد من القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية، وقد ظهر ذلك فى تصريح أدلى به وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو مؤخرا لصحيفة « لوفيجارو» الفرنسية عندما قال إن الإدارة الأمريكية وأوروبا بحاجة إلى العمل المشترك لمواجهة تصرفات تركيا فى الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية.وقال بومبيو :«نتفق أنا والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على أن تصرفات تركيا فى الآونة الأخيرة عدوانية للغاية». وأكد الوزير الأمريكى أنه يجب على أوروبا والولايات المتحدة العمل معا لإقناع أردوغان بأن مثل هذه التصرفات ليست فى مصلحة شعبه.وكانت الولايات المتحدة قد اتخذت إجراءات عقابية ضد تركيا فى ٢٠١٩ ردا على شرائها منظومة الصواريخ الروسية «إس - ٤٠٠»، ومؤخرا أعطت واشنطن الضوء الأخضر لتسليم مقاتلات «إف ٣٥» الأمريكية لليونان بدلًا من تركيا وسط تصاعد الاحتمالات بأن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات عقابية أشد قسوة على أنقرة من بينها احتمالية نقل قاعدة «إنجرليك» من تركيا إلى جزيرة كريت اليونانية. أما الغضب الفرنسى إزاء المواقف التركية الأخيرة فقد بلغ ذروته، حيث هددت فرنسا بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على مسئولين أتراك ، ويقود الرئيس ماكرون الجهود لإقرار عقوبات أوروبية على تركيا من بينها إلغاء الاتحاد الجمركى بين بروكسل وأنقرة بسبب استفزازاتها بشرق المتوسط. ومنذ إرسال تركيا سفن التنقيب عن مصادر الطاقة فى الجرف القارى اليوناني، عززت فرنسا وجودها العسكرى بشرق المتوسط دعما لليونان وقبرص العضوتين بالاتحاد الأوروبي. أما الاتحاد الأوروبى ، فرغم عبارات الاستنكار والإدانة شبه اليومية للتصرفات التركية الأخيرة ، إلا أن موقفه يبدو هشا تجاه أنقرة بسبب استخدام أردوغان ورقة «اللاجئين» لابتزاز دول القارة العجوز. وبالنسبة للموقف الروسي، فيبدو أكثر تعقيدا وتشابكا. فمع اندلاع المعارك فى إقليم ناجورنو قره باغ ، اتهمت روسيا تركيا بإرسال مرتزقة من سوريا إلى جبهات القتال فى أذربيجان، بل وصل الأمر إلى حد إعلان موسكو أنها لا تعتبر أنقرة حليفا استراتيجيا بل مجرد شريك، ووجهت رسالة قاسية للسلطات التركية عندما ضربت القوات الروسية فيلق الشام، المدعوم من أنقرة، فى شمال سوريا. وبالرغم من اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا، إلا أن بعض المحللين أكدوا أن دعم روسيا لاتفاق السلام بالإقليم قطع الطريق على أطماع تركيا لبسط نفوذها بمنطقة القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية لروسيا، ورأوا أن اتفاق السلام ذلك يمنح موسكو صفة الضامن لأمن المنطقة، وبهذا تكون روسيا قد حلت المشكلة الرئيسية وحاصرت فى الوقت نفسه الطموح التركى بفرض موطيء قدم فى جنوب القوقاز.
رابط دائم: