رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حلقة الوصل

أحمد البرى

تربيت فى بيت يسوده الحب والاستقرار، وتمتعت بالحرية المتزنة، وتفوقت دراسيا إلى أن أكملت المرحلة الإعدادية، وقبل ظهور النتيجة تقدم لى شاب من عائلة معروفة فى القرية التى نقطن بها، وقد اشتهر والده بالصلح بين الناس، وكانت كلمته مسموعة للآخرين، ولم تتردد أمى فى الموافقة عليه لأنه عريس لقطة من وجهة نظرها خصوصا وأن أختى التى تسبقنى فى السن مباشرة كانت مطلقة، وتزوجت رجلا آخر أقل منا ماديا واجتماعيا، وذاقت أمى الأمرين من معاملة الناس لها فى طلاق أختي، وقد أجبرتنى على ألا أكمل دراستي، فلم ألتحق بالثانوية العامة، وأقنعت أبى بذلك، وباءت محاولات المدرسين فى المدرسة لإقناعهما باستمرارى فى التعليم بالفشل، حيث كانوا يرون أنه ينتظرنى مستقبل باهر، وتحدثت أمى معى بأنها ترغب فى تزويجى لأسباب عديدة منها ظروف أختى الكبرى، وخوفها علىّ كأم، فالزواج من وجهة نظرها «سترة للبنت» برغم أن والدها كان ناظر مدرسة، وخطيب مسجد.

وتزوجت واقتربت من زوجى، والحق أنه أحسن معاملتى، ولكن أحواله تبدلت بعدما ذهبنا للعيش مع أمه وأبيه وأخوته «العشرين» وزوجة أبيه، حيث كان يعمل فى مدينة أخرى، وبدأت رحلة عذاب قاسية، وكأننى محكوم علىّ بالأشغال الشاقة، وأنا فى السادسة عشرة من عمرى، فكنت أغسل وأطبخ وأخبز وأكوى الملابس لكل العائلة، وخصوصا الشباب، ومع كل ذلك لم أعجبهم.

وزاد الأمر سوءا أن زوجى له أخ أصغر منه، ويكبرنى بثلاث سنوات، وقد عاملنى بقسوة، وأراد أن أستاذنه فى كل شيء حتى فى الذهاب إلى بيت أهلى، وكان يقول لى: «إنتى تسمعى كلامى وبس»، فأرد عليه: بأن لى زوجا هو الذى أستاذنه، وألجأ إلى أبيه وأمه فى غيابه.

وكثرت المشكلات والصراعات بينى وبينه إلى أن أخذنى زوجى معه إلى القاهرة حيث يعمل فى المقر الرئيسى للشركة، وظللنا نتنقل من شقة إلى أخرى، وأنجبت خمسة أبناء «ثلاثة أولاد وبنتين»، ثم خرج إلى المعاش المبكر، وسافر إلى دولة خليجية للعمل بها، وعاد أخوه إلى التدخل فى حياتنا من جديد، وحاول أن يكون «حلقة الوصل» مع أخيه، فيرسل إليه المصاريف، وهو بدوره يرسلها إلينا.. طبعا لم أجد مبررا لذلك، فرفضت، لكنه هاج ضدى، وصارت حياتنا جحيما.

وبدأ زوجى نهجا جديدا بمساعدته أخوته فى الزواج، والحصول على عقود عمل لهم معه، ولم يعد يرعى أبناءنا كما كان، فخرجت للعمل أنا وابنى الأكبر لكى نوفر مصاريف المعيشة، ولما علم زوجى أننى أدخلت ابنى ثانوية عامة، ثار فى وجهى، واشترى بيتا فى البلد، وحوّل للأولاد مدارسهم على «المدرسة الصناعية»، وتزوج ابنة عمهم بعد أن طردنى.. نعم تزوّجها على فرشى وعفشى وأخذ منى أولادى بمن فيهم طفل عمره أربع سنوات، وقال لى ببرود «إنتى تروحى تتركنى فى بيت أبوكى»، وأجبرنى على الخلع، لأنه رفض الطلاق.

وقد مات بعد سنة من الخلع، وقد أنجب من زوجته بنتا، وتزوجت أرملته من أخيه بعد مرور العدة، وطلبوا منى أن أرجع لأرعى أولادى وبناتى الذين أخرجهم من المدرسة، وزوّجهم فى البيت، واضطررت أن أرجع لخدمتهم لكنى لم أجدهم كما تركتهم.. وجدتهم أعداء لي.. كلهم يكرهوننى، ويتهموننى أننى ضيّعت مستقبلهم، وأنى السبب فى أن يكتب أبوهم كل شىء باسم إخوته وزوجته وابنته.

لقد بلغت سن الثامنة والأربعين، وطبعا لن أستطيع الزواج مرة أخرى، وأبدأ الحياة من جديد مع شخص آخر، ولا أستطيع أن أعيش بمفردى، بعد وفاة أمى، ولا يوجد عمل بلا شهادة، بالرغم من أنى مثقفة، ولست قادرة على إرجاع أولادى لحضنى.. إننى أنهار، فماذا أفعل؟.

 

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

 

لقد أخطأ أهلك من البداية بإخراجك من المدرسة من أجل الزواج، فلقد بنوا حساباتهم بشكل عشوائى، وتطلعوا إلى المادة على حساب العوامل الأهم فى الحياة الزوجية من حيث التفاهم والتوافق فى كل شىء، وتوالت الأخطاء بتركهم شقيق زوجك يتدخل فى حياتكم على نحو غير مفهوم، وربما تكون هناك تفاصيل أخرى لم تذكريها هى التى جعلت استمرار حياتك الزوجية مستحيلة، إذ لا أفهم ما الذى يجعل الأب يحرم أبناءه من ميراثه، ويعطيه لأخوته!

إن ما حدث لك يرجع إلى أنك وزوجك لم تضبطا مسافة مناسبة بينكما وبين أهله، ولم تعالجا أموركما بعيدا عنهم، فتركتما الأمور تفلت من أيديكما، ووجدها شقيق زوجك فرصة سانحة للتدخل فى حياتكما، ويبدو واضحا أن زوجك لم يكن مستقلا ماديا عن الأسرة، فأدى ذلك إلى كثير من الاحتكاكات، وأعطى مجالا للتدخل فى كيفية إنفاق المال وما إلى ذلك.

وقد يرى الأهل أن التعبير عن آرائهم فى القرارات التى يتخذها الزوجان مثلا وغيرها، من السلوكيات التى يعتقدان أنها تدخل، بينما يرى الأهل أنها نوع من الاهتمام،

كما أن إخبار أحدهما أهله عن كل شيء يحدث بينه وبين شريكه، وعدم تمييز الأشياء التى ينبغى ألا يعرفها أحد غيرهما، يزيد الفجوة بينهما، ويضيع خصوصية الحياة الزوجية، ويتنامى الغضب المكبوت داخلهما حتى تأتى لحظة ينفجر فيها أحدهما فى وجه الأهل ولسبب قد يبدو تافها، فلا تكون النفوس صافية، وقد يصل الأمر إلى القطيعة، وربما يؤدى الاستسلام لتدخل الأهل إلى انهيار الحياة الزوجية وحدوث الطلاق.

وليت كل زوجين يدركان أن بر الآباء هو المطلوب، وليس طاعتهم فى كل شيء أو إخبارهم بكل الأمور، فبما أن كل إنسان يتحمل نتيجة اختياراته فى الدنيا والآخرة، فالمنطقى والعدل أن تكون له الحرية فى هذه الخيارات، وعلى الزوجين مقاومة الابتزاز العاطفى وإشعارهم بالذنب.

والواجب هو الاستماع إلى آراء الأهل باحترام، ثم اتخاذ الزوجين القرار المناسب لهما، واحترام كليهما شريكه فى وجوده وغيابه، وعدم السماح لأهله بالتحدث عنه بشكل جارح أو غير لائق، وقد يتطلب الأمر أن يتحدث كل منهما مع أهله بشكل هادئ ولبق حول طبيعة الحياة والعلاقات الجديدة وأهمية الخصوصية، مع طمأنتهم أنهم سيظلون محل تقدير، وأنه لا يمكن الاستغناء عنهم.

أما بالنسبة لك، فما مضى فات، وأرجو أن يتفهم أبناؤك طبيعة المشكلات التى تعرضت لها، ولم يكن لك يد فيها، فيحيطونك بالرعاية والاهتمام، وهذا واجب مفروض عليهم، وإذا تيسرت لك زيجة مناسبة، فلا بأس من أن تكملى حياتك مع شخص يتقى الله فيك، وأسأل الله لك التوفيق وراحة البال.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق