رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أوروبا تستعد لاستقبال بايدن بعناق حذر

منال لطفى

حفاظا على اللياقة الدبلوماسية، حاولت أوروبا السيطرة على فرحتها بفوز الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن وهزيمة دونالد ترامب. فبيانات التهنئة التى خرجت من العواصم الأوروبية كانت مرحبة وموزونة، لكن خلف الأبواب المغلقة وفى الاتصالات العالية السرية بين القادة الأوروبيين، ليس هناك أدنى شك فى أن الفرح كان عارما، والاحتفالات كانت صاخبة، والتهانى كانت حقيقية.

فقد اختبر ترامب متانة العلاقات عبر الأطلنطى بين أوروبا وأمريكا، كما لم يختبرها رئيس أمريكى من قبل، ومغادرته مصدر ارتياح بالغ، وفرصة لإعادة ضبط البوصلة.

ومع أن أوروبا تدرك أن انتخاب بايدن بحد ذاته لن يعيد العلاقات إلى سابق عهدها قبل أربع سنوات، وأن هناك قضايا لابد من توافق جديد حولها مثل ميزانية الناتو، والأمن المشترك، والحرب التجارية مع الصين، إلا أن بايدن صديق قديم لأوروبا، والقارة العجوز واثقة فى أنه سيكون حليفا موثوقا.

ولن يكون هناك زعيم أوروبى أكثر سعادة بانتخاب بايدن من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. فعام 2020 كان صعبا عليه وسط عمليات ارهابية متكررة فى فرنسا، وجائحة كوفيد19، وأزمة مهاجرين فى القنال الإنجليزى بين فرنسا وبريطانيا.

عودة الدبلوماسية الأمريكية التقليدية تجعل ماكرون يتنفس الصعداء. فلدى فرنسا، وأوروبا اجمالاً، قائمة طويلة من القضايا العاجلة التى تريد انخراط بايدن الفورى فيها، وعلى رأسها عودة أمريكا لاتفاقية باريس للمناخ، وللاتفاق النووى الإيراني، ومنظمة الصحة العالمية، والرجوع عن قرار سحب القوات الأمريكية من ألمانيا، والتصدى لسياسات تركيا العدائية فى شرق المتوسط.

ولا عجب أن تكون رسالة ماكرون لتهنئة بايدن هي:« لقد اختار الأمريكيون رئيسهم. تهانينا جو بايدن وكامالا هاريس. هناك كثير مما يجب فعله للتغلب على تحديات اليوم».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لم تخف بدورها حماستها لانتخاب بايدن، وفى رسالتها قالت إنها «هنأت بحرارة» بايدن وهاريس. أما رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتي، فغرد «يمكن لأمريكا الاعتماد علينا كحليف قوى وشريك استراتيجي». وبينما وصف ميشيل مارتن رئيس وزراء جمهورية ايرلندا بايدن بـ «صديق حقيقي» للأمة الإيرلندية، وشدد رئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، على أن « العلاقات بين بلدينا ستزداد قوة فى ظل رئاسته» فى رسالة تهنئة بايدن.

هذا التدافع الأوروبى لتهئنة بايدن حتى قبل أن يعترف ترامب بالهزيمة، حض رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون بدوره، على المسارعة للتهنئة، مشدداً على أن «الولايات المتحدة هى أهم حليف لنا وأنا أتطلع إلى العمل معاً بشكل وثيق».

لكن فى خلفية رسالة التهنئة التى نشرها جونسون على «توتير» كانت هناك رسالة خفية يهنئ فيها جونسون ترامب بفوزه بولاية ثانية. ففوق وخلف كلمات «نهنئ جو بايدن على انتخابه»، يمكن قراءة كلمات «ترامب» و»على فترة ثانية».

لم يكن جونسون يحتاج لهذا الخطأ غير المقصود، فهو أكثر زعماء أوروبا حاجة لمد جسور مع إدارة بايدن.

فانتخاب بايدن لم يكن ليأت فى وقت أكثر صعوبة بالنسبة لجونسون، فهو على أبواب صفقة بريكست ما زالت متعثرة، وما يجعل الموضوع أكثر حساسية، أن بايدن من جذور أيرلندية ولن يتسامح إزاء أى تهديد بريطانى محتمل لاتفاقية «الجمعة الطيبة» التى انهت عقودا من الحرب الدامية على جزيرة أيرلندا.

أما بايدن نفسه فقد وصف جونسون بأنه «استنساخ لترامب»، والفريق المقرب من الرئيس الأمريكى المنتخب، لديه انطباعات سلبية عن جونسون، بسبب علاقته المقربة مع ترامب، ودوره النشط فى استفتاء البريكست 2016، الذى يعتبره بايدن وفريقه «خطأ تاريخياً». هناك أيضا جانب شخصى لعدم الاستلطاف، فجونسون انتقد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، الذى ما زال صديقا مقربا من بايدن، بطريقة وُصفت بـ«العنصرية» عندما علق جونسون على نقل أوباما تمثالا برونزيا صغيرا لوينستون تشرشل من المكتب البيضاوى بقوله، إن أوباما «يكره الإمبراطورية البريطانية على غرار اسلافه الكينيين».

طبعا لا يتوقع أحد أن تكون سياسة إدارة بايدن حيال حكومة جونسون انتقامية، ومع ذلك فإن هناك قضايا يمكن أن تؤثر سلبيا على العلاقات، من بينها رؤية بايدن لحكومة جونسون، على أنها تنتمى لهذا النوع من الحكومات الشعبوية القومية.  

وبالتالي، ستكون الطريقة التى سيتعامل بها جونسون مع ملف البريكست حاسمة، فى طريق عودة علاقات قوية بين لندن وواشنطن. وهناك مؤشرات قوية على أن جونسون «يعيد ترتيب أوراقه» على ضوء انتخاب بايدن. فهذا الأسبوع نشبت معارك ضارية فى «داوننج ستريت» أدت إلى الإطاحة بكبير مستشارى جونسون، دومنيك كامنجز، ومدير الإعلام، لى كين، وكلاهما من أهم شخصيات معسكر البريكست. التخلص من كامنجز وكين يعطى انطباعا بأن جونسون يريد شخصيات حوله أقل استقطابا. وفى ضوء هذه التغييرات، هناك فرصة جيدة لتحسن العلاقات بين جونسون وبايدن. وتساعد الظروف لندن أيضاً، فهى ستترأس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى فبراير المقبل، كما ستترأس مجموعة السبع، وستستضيف مؤتمر المناخ  فى وقت لاحق من هذا العام.

ويمكن لبريطانيا البدء فى بناء الثقة مع إدارة بايدن بالتوصل لاتفاق بريكست مع الاتحاد الأوروبى خلال الأسابيع القليلة المقبلة. فقبل الانتخابات الأمريكية كان من ضمن مخاوف نيك وتيني، مؤسس وأول رئيس تنفيذى لوكالة الدفاع الأوروبية أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بدون صفقة بمحض الصدفة»، موضحا لـ «الأهرام»:«كلنا نعرف كيف وصل جونسون لقرار دعم معسكر البريكست. فقد حسم أمره بقرار فى آخر لحظة. وقد يفعل هذا مع صفقة البريكست. قد يصل لقرار الصفقة أو اللاصفقة بمحض الصدفة وفى آخر لحظة. وهذا خطر كبير على بريطانيا والاتحاد الأوروبي».

 لكن مع انتخاب بايدن، فإن الحسابات فى «داوننج ستريت» اختلفت. فاليوم هناك اعتقاد واسع النطاق أن حكومة جونسون ستفعل كل ما تستطيعه للتوصل لصفقة كى لا تكون على أرضية صدام مبكر مع بايدن، الذى يعتبر أقرب رئيس أمريكى لايرلندا منذ جون كينيدي.

إذن أوروبا فى حالة غبطة، يزيدها أن فوز بايدن قد يساعد على وقف مد تيارات اليمين القومى المتطرف. وكثير من هذه الأحزاب لم يقدم التهنئة لبايدن وتنتابه مخاوف من أن جاذبيته تتراجع أمام أحزاب الوسط فى أوروبا.

لهذه الأسباب وغيرها ستستقبل أوروبا بايدن بذراع مفتوحة، لكن بحذر أيضا. فالقارة تدرك أنه يمكن أن يكون هناك رئيس أمريكى جديد بعد أربع سنوات على غرار ترامب، أو حتى ترامب نفسه. وبالتالى يتحدث الأوروبيون كثيرا عن «الاستقلال الاستراتيجي» لهم فى المجالات الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية. فالقارة العجوز تدرك ان زمن الاعتماد على أمريكا ربما ذهب إلى غير رجعة. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق