الحديث لا ينقطع عن مدى إجادة الفنان أحمد أمين فى التجسيد التليفزيونى لشخصية «دكتور رفعت إسماعيل»، بطل سلسلة المغامرات «ما وراء الطبيعة». لكن الأكيد أن أمين اجتهد أساسا فى الالتزام بسمات الصورة المنطبعة فى وعى أجيال مصرية متتالية لدكتور أمراض الدم الهادئ المدخن، صاحب المواجهات العاصفة مع عوالم ما وراء الطبيعة. حدد الأديب الراحل أحمد خالد توفيق الملامح الأولى لتلك الصورة، ولكن الفضل كله يرجع للفنان التشكيلى الكبير إسماعيل دياب فى التجسيد الأول لرفعت إسماعيل، تجسيدا بالأحبار والألوان حقق التعارف الفعلى بين الشخصية وشباب مصر طوال عقود .
كان الفنان الكبير إسماعيل دياب أول من صور «رفعت إسماعيل» تصويرا، كما صور «أدهم صبرى» فى سلسلة «رجل المستحيل» وغيرهما من شخوص سلاسل «روايات مصرية للجيب» التى خرجت من عباءة المؤسسة العربية الحديثة.
يحكى الفنان وائل دياب، نجل الراحل إسماعيل دياب، كيف أن أول لقاء ثلاثى جمع بين والده والراحل أحمد خالد توفيق و «رفعت إسماعيل» تم عن بعد وعلى الورق. يقول وائل: « تم عرض أولى روايات ما وراء الطبيعة على والدى، فقرأها وطلب مقابلة صاحب الكلمات فورا». ويضيف وائل للأهرام كيف أن إسماعيل دياب أدرك بخبرته وثقافته الواسعة أن فى السطور الماثلة أمامه شيئا مختلفا وذا تأثير. وقد كانت هذه البداية الفعلية لسيرة «رفعت إسماعيل» وصورته.
كلمات دياب الابن تتوافق مع ما كتبه أحمد خالد توفيق يوما عن الدور المحورى لإسماعيل دياب، رفيقه فى رحلة «ما وراء الطبيعة»، فكتب: « كان يحكم على القصة كلها بنظرة واحدة خبيرة، ولم يكن يجامل كما أنه لم يتحفظ قط فى إبداء إعجابه. لذا لا أعلن سرا إذ أقول إننى كنت أكتب وأنا أتخيله يقرأ تلك السطور..».
ولد إسماعيل دياب فى محافظة الإسماعيلية فى منتصف ديسمبر عام 1936، وانتقل منها شابا إلى القاهرة ليلتحق بكلية الفنون الجميلة التى تخرج منها عام 1962. كان نموذجا بارعا لمجموعة من الفنانين النابغين الذين وهبوا عظيم إبداعهم إلى الصحافة والإصدارات المعرفية والأدبية فى مصر، ولم ينشغلوا بتعظيم صورتهم أو عقد معارض فنية هنا أو هناك.
فقد عمل إسماعيل دياب بعدد من المؤسسات الصحفية المصرية، فى مقدمتهم « الأهرام»، التى انضم إليها فى عقد السبعينيات، وعاد إليها بعد ذلك على فترات. وبين أروقة «الأهرام» أبدع إسماعيل دياب أغلفة سلسلة « علماء العرب»، التى صدرت عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، وتناولت القامات العربية الرائدة فى مختلف مجالات العلوم والمعارف مثل الخوارزمى، وابن البيطار، وابن خلدون،وغيرهم. فنشأ فى مصر جيل يستدعى لوحات إسماعيل دياب إلى ذاكرته إذا ما أراد الحديث عن أبطال هذه السلسلة التعليمية الرائدة.
ولكن هل أضر توجه إسماعيل دياب بمشروعه الفني؟ بمعنى هل نال تركيزه فى دعم الكلمة المكتوبة من إبداعات فنية أكبر كان يمكن أن تخرج للعالم؟
يجيب على هذا السؤال نجله، موضحا: « كنت أذهب إليه متسائلا عن اختلافه، لماذا لا يسعى وراء الأضواء والمكاسب الكبيرة، لماذا لا يقيم المعارض، فكان يجيب مبتسما، أن المعرض الفنى حدوده داخل قاعة العرض ومداه خبر محدد ينشر مرة واحدة بالصحف، أما رسوماتى يمكنك أن تجدها فى مدن بحرى وقرى الصعيد، وداخل أغلب بيوت مصر».
وصدق إسماعيل دياب فى رؤيته إذ أن إبداعه لآلاف الأغلفة واللوحات الداخلية بصفحات الكتب، التى تتوارثها الأجيال فى مصر، كانت ذات أثر عظيم على الملايين. فبخلاف سلاسل « روايات مصرية للجيب»، أبدع ديات فى سلسلة « المكتبة الذهبية» وغيرها.
ولكن منجز إسماعيل دياب، الذى توفى فى فبراير 2005، لم ينته هنا.فوفقا إلى نجله، فإن مجموعة أعمال الوالد تضم لوحات زيتية نابضة بالحياة والجمال لم يتمكن كثيرون من رؤيتها والتعرف عن قرب على رافد مختلف من روافد مشروع دياب الفني.
«كان يحب الحياة ويؤمن بأثر الفن أكثر من أى شيء آخر، وإثر وفاته تواصل معى دكتور أحمد خالد توفيق هاتفيا فى مكالمة امتدت ساعات ومزجت ما بين المواساة والترحم على الراحل وما بين السؤال عن كل ما خفى عليه من تاريخ الوالد»، هكذا اختتم وائل دياب حديثه، مؤكدا أن والده ما كان يرسم خطوط شخصية ما إلا بعد اقتناع كامل بها ودراسة وافية. ولعل فى كلمتى «الاقتناع» و«الدراسة» أحد مفاتيح نجاح شخصية «رفعت إسماعيل» التى مازال الجمهور يسأل هل نسختها «التليفزيونية» أجادت فى الاقتراب من نسخة «إسماعيل دياب» أم لا ؟.
رابط دائم: