أنا سيدة عمرى واحد وأربعون عاما، أعمل بوظيفة جيدة بإحدى الوزارات، وشكلى أصغر من سنى بكثير جدا، ومن يرانى يتصور أننى مازلت طالبة فى الجامعة، ولكنى من داخلى أحس بأننى عجوز، وأصبحت أحدّث نفسى كل ليلة: «يمكن أنام ومصحاش وأرتاح من حياتى».. لقد انفصلت بعد سبع سنوات من الزواج، ولو كان قرارى بيدى لطلبت الطلاق منذ العام الأول لزواجنا، فأهلى يكرهون الطلاق ويقولون إن عائلتنا لا يوجد بها طلاق، ولذلك تحمّلت ما لا يطيقه بشر، ولم يتحقق التوافق بيننا برغم أننى أعرفه قبل الخطبة بمدة طويلة، وعندما تزوجته اكتشفت فيه ما كان خافيا عنى من طباعه، والبيئة التى تربى بها، وحاولت أن أغيّره وأحافظ علي بيتى، وأنجبت أولادى، ولم أجد مفرا من الطلاق، فأصررت عليه، وأصبحت قاسية إلى أبعد الحدود، فإما أعيش كما يريد الطرف الثانى، أو بالطريقة التى يراها أهلى، وإما أن يتخلى الجميع عنى، فاخترت الطلاق، وهو اختيار صعب، ولكنه الأسلم من حياة باردة لا مودة فيها، ولا رحمة، ومرت خمس سنوات على الانفصال، وأنا فى طريق مظلم، وعشت تعبا جسمانيا ونفسيا، ولم أجد من أفضفض إليه، وأبوح له بما فى صدرى.
وإنى أسألك: لماذا يخفى كل إنسان صفاته الحقيقية قبل الزواج، ويتيح الفرصة للطرف الثانى لكى يختار بإرادته ما يتوافق معه، وهل كتبت علىّ الوحدة، أو الزواج من شخص لا يناسبنى؟، فكل من يتقدم منى ينظر إلىّ وكأنى «بيعة وشروة ويفاصل»، فمثلا أحدهم يريد أن أوفر له الشقة، ولما اعترضت قال: «أتجوز بنت أحسن».
إننى أفكر فى حياتى بعد أن يكبر أولادى، ويصبح لكل منهم بيت مستقل، ويتركونى وحدى، فبماذا تنصحنى؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
فى الحقيقة تؤثر طبيعة المجتمع تأثيرا سلبيا فى آراء الأشخاص وخاصة المرأة المطلقة على الرغم من أنها إنسانة تعرضت للظلم، أو كان طلاقها نتيجة عدم فهم أو ظروف مادية، وغيرها من الأسباب الكثيرة، ولكن المجتمع لا يرحم هذه الإنسانة التى ربما لو كانت الظروف مناسبة لها ما حدث الطلاق، وغالبا ما يكون الرجل هو المسئول عنه، وهذه النظرة الضيقة تجعلها هامشية وغير فاعلة وبعيدة عن فكرة الارتباط برجل ثان وتكوين أسرة سعيدة، ويؤدى ذلك إلى تقديم المطلقة تنازلات لرفع وصمة الطلاق عنها، وفى بعض الأحيان تخطئ فى الاختيار بسبب التسرع والخوف من كلام الناس، وهناك نساء مطلقات يسعين للزواج من جديد وبسرعة، ومن يعطين أنفسهن بعض الوقت لمراجعة ما حدث وتعلم بعض الدروس؛ لتفادى ارتكاب أخطاء أدت إلى الطلاق، ومنهن من توافق على أول رجل يتقدم لخطبتها بعد الطلاق لسد النقص العاطفى الذى حل بها مما يزيد نسبة الفشل لهذا الزواج, وأخريات يعطين أنفسهن وقتا للتفكير فى أسباب الطلاق من الشريك الأول ومحاولة تفادى تلك الأخطاء.
ومن هذه التنازلات أيضا الموافقة على رجل يكبرها بالعمر بكثير لتزيل نظرة المجتمع السلبية عنها كمطلقة, فتتخلى عن متطلباتها وحقوقها من مهر ومؤخر ومسكن خاص بها، ولا تنظر للتوافق الفكرى والمادى بينها وبين الزوج الثانى من مبدأ «السترة فقط».
وهذا التفكير الخاطئ يجعلها معرضة للطلاق مرة أخرى، وقد تصل إلى حالة نفسية لا يرجى شفاؤها، والحقيقة أن الزواج برمته سواء الأول أو الثانى لا يقوم على التنازلات، وإنما المسألة «أخذ وعطاء»، ومن الضرورى أن يعى الطرفان أن الأهم هو التوافق والتقارب بين الطرفين، وإياك أن تتزوجى مرة أخرى لمجرد الخلاص من الوحدة التى تعانينها، فهذا القرار ليس سهلا، وله تبعات كثيرة، وبالطبع لابد أن ترتبى الأمر بالنسبة لوضع أبنائك بالاشتراك مع أبيهم، وأسأل الله أن يهديك سواء السبيل.
رابط دائم: