يقول مثل شائع «الأسئلة أهم من الإجابات».. ومع تفقد رحلة تعامل الدول الغربية مع ظاهرة التطرف تطل هذه العبارة برأسها. فإذا تجاوزنا مرحلة نشأة التنظيمات الإرهابية وكيف تم توظيفها سياسيا- كما هو معروف - لخدمة أهداف غربية، وحتى مرحلة الحرب الأفغانية السوفيتية، سنصطدم بسياسة غربية لاحقة غير مفهومة. فخلال فترتى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى فتحت دول غربية أبوابها لاستقبال متطرفين هاربين من دولهم على أراضيها. سمحت لهم بالخطابة فى المساجد وجذب الشباب إليهم وحتى تأليف كتب متطرفة فكريا وطباعتها داخل الاتحاد الأوروبى. كانت بؤرهم تتسع فى هدوء على مداى أعوام طويلة وكانوا يجدون لهم منابر فى الدول الغربية لتكفير مجتمعاتهم فى الشرق، حتى الفترات التى دخل خلالها رموز التطرف السجون الغربية، تثير الكثير من علامات الاستفهام. فقد تمكنوا خلالها من تجنيد عناصر ارتكبت أعمالا إرهابية كبرى لاحقة لايزال العالم الإسلامى يعانى من تبعاتها . ومن بين الأمثلة الأبرز فى هذا الصدد: أبو قتادة الفلسطينى الذى لقبه البعض بـ «سفير ابن لادن فى أوروبا». فقد دخل بريطانيا عام 1993 بجواز سفر مزور، ورغم ذلك تمكن من الحصول على اللجوء السياسى هناك عام 1994 بدعوى تعرضه للتعذيب فى الأردن. وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، نقلا عن تقارير مخابراتية، فإن أبو قتادة التقى بابن لادن فى باكستان عام 1989 قبل مجيئه بريطانيا. وخلال فترة وجوده فى لندن كان ينشر فكره بين الإرهابيين المنفيين من دولهم والشباب الذين كان يؤمهم للصلاة على مدار أعوام. كان يدعو- وهو فى بريطانيا- إلى اللجوء إلى أعمال إرهابية ضد الدول الإسلامية، ودعا لقتل اليهود والأمريكيين. كل ذلك وهو يتلقى معونة سنوية من الحكومة البريطانية، حيث قدرت صحيفة «ديلي ستار صندي» البريطانية إجمالى ما حصل عليه بـ 1.5 مليون جنيه استرليني. وفى عام1999، تم إدراج اسمه ضمن قائمة بالأفراد والمؤسسات التى ترتبط بالإرهاب فى قرار لمجلس الأمن الدولى يحمل رقم 1267. لكن أبو قتادة ظل حرا طليقا فى بريطانيا حتى أكتوبر 2002 (بعد عام من هجمات 11 سبتمبر ) حيث تم استجوابه ثم الإفراج عنه بكفالة. وبعد وقوع تفجيرات مترو لندن عام 2005، تم اعتقاله مرة أخرى ثم الافراج عنه بكفالة ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية. ومن أبرز من «أنجبهم» أبو قتادة: تلميذه جمال بيجال الملقب بماكينة تفريخ تنظيم القاعدة فى أوروبا، فقد كان يعرف بتأثيره القوى على كل من يقترب منه. ورغم علم السلطات الفرنسية بذلك، فلم تلق القبض عليه سوى عام 2005 حيث حكم عليه بالسجن 10أعوام، إلا أنه تم الافراج عنه عام 2009 ليوضع قيد الإقامة الجبرية! وخلال الفترة التى قضاها «داخل السجن» استطاع جذب أتباع «نهلوا من فكره» فتمكن من تجنيد: شريف كواشى أحد مرتكبى مذبحة شارلى ابدو عام 2015 ، وأميدى كوليبالى منفذ الهجوم على متجر يهودى فى فرنسا فى العام نفسه. وقد كانا يقومان بزيارته وهو قيد الإقامة الجبرية! وفى عام 2013 صدر ضده حكم بالسجن مرة أخرى فى فرنسا لمدة 10 أعوام، لكن السلطات أفرجت عنه عام 2016 بناء على «حقوق المعتقلين غير الإرهابيين»!. طوال هذه الأعوام كانت الجزائر تطالب بترحيله إليها منذ عام 2003 لتنفيذ حكم صادر ضده فى تهم تتعلق بالإرهاب، إلا أن فرنسا كانت ترفض بحجة أنه حامل للجنسية الفرنسية. وهى ما تم تجريده منها عام 2006. ومع ذلك لم تسلم باريس بيجال إلى الجزائر سوى عام 2018.
سيناريو مشابه ولكن فى أستراليا: هارون مؤنس محتجز الرهائن فى مقهى سيدنى عام 2014. كانت إيران تطالب أستراليا بتسليمه إليها منذ عام 2000 بسبب تورطه فى جرائم احتيال، لكن التسليم لم يتم بسبب عدم وجود اتفاقية ثنائية فى هذا الصدد، ورغم ذلك حصل مؤنس على الجنسية الأسترالية ومعونة حكومية وترخيص سلاح. أسماء كثيرة، لا يتسع لها المجال، نشأت أنشطتهم تحت سمع وبصر الأجهزة الغربية. روايات كثيرة، لكن الحقيقة الكاملة ما زالت تقبع فى الظلام. وعلى الشعوب الإسلامية تحمل التبعات بعد أن اتسعت دائرة الحريق لتأكل الجميع.
رابط دائم: