رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى تغطية خاصة لـ«الأهرام» (1)
الانتخابات الأمريكية 2020 الأكثر أهمية منذ 160 عاما

رسالة واشنطن منال لطفى
ترامب - بايدن

  • اختيار رئيس أقوى دولة وسط وباء قاتل واستقطاب وترقب غير مسبوقين
  • النتائج قد تؤدى  إلى إعادة ترتيب النظام الدولى
  • ترامب ليس مجرد رئيس ولكنه  «حركة سياسية جديدة» فى عيون أنصاره

 

يحبس العالم أنفاسه، فقد بدأ العد التنازلى للانتخابات الأمريكية، وخلال أسبوع سيعرف العالم من سيسكن البيت الأبيض خلال الأعوام الأربعة المقبلة. أمريكا مهمة...وانتخاباتها مهمة.

لكن هذه الانتخابات لها أهمية خاصة، وفى نظر كثيرين هى الانتخابات الأكثر أهمية ومصيرية من أى انتخابات أخرى منذ عام 1860، عندما توجهت الولايات الأمريكية للتصويت على مستقبل الاتحاد، وبقاء العبودية أو إلغائها. كان المرشحون آنذاك هما إبرهام لينكولن وستيفن دوجلاس. فاز لينكولن بشكل غير متوقع مع تسهيل التصويت البريدى للجنود الأمريكيين فى الولايات الشمالية. وتم إلغاء العبودية ونشبت الحرب الأهلية بين ولايات الشمال الرافضة للعبودية، وولايات الجنوب الزراعية التى يعتمد اقتصادها ونمط حياتها على العبودية.

انتصرت الولايات الشمالية، لكن الحرب حول التاريخ والعرق لم تنته فى أمريكا.

واليوم يوجد إجماع استثنائى فى الداخل الأمريكى والعالم الخارجى على أن هذه الانتخابات ترقى فى أهميتها إلى مستوى الانتخابات الأمريكية 1860 أو انتخابات 1932 التى أجريت خلال فترة الكساد العظيم التى فاز فيها فرانكلين روزفلت وبدأ اصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة عززت مكانة أمريكا كدولة عظمى، نظراً إلى المكانة المركزية التى تحتلها أمريكا فى النظام العالمي، والسيولة التى يمر بها هذا النظام من حيث الأفكار والمؤسسات.

أما بالنسبة للداخل الأمريكى، فتكتسب الانتخابات أهمية أكثر. فما على المحك هو صحة أمريكا وسط وباء كلفها أكثر من 210 آلاف قتيل، والعلاقات العرقية بين البيض والأمريكيين من أصول إفريقية، وتوازن الديمقراطية الأمريكية نفسها بعد مظاهرات «حياة السود تهم» التى أشعلت الصيف الأمريكى إثر مقتل المواطن الأمريكى من أصول إفريقية جورج فلويد على يد الشرطة.

وبسبب جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، والمشاعر العرقية المتأججة صوت بالفعل نحو 60 مليون أمريكى بالبريد أو فى مقار الاقتراع بعد بدء التصويت المبكر، وهو عدد قياسى غير مسبوق وربما تكون نسبة المشاركة فى هذه الانتخابات بعد إجرائها فى 3 نوفمبر المقبل، ضمن الأعلى فى تاريخ أمريكا. وبالتالى العالم يترقب ويحبس أنفاسه.

فما هو على المحك ليس مجرد تبديل وجوه بين الحزبين الكبيرين. وبمعنى من المعانى فإن هذه الانتخابات قد يترتب عليها تحولات دولية دائمة. ويقول نيك ويتنى، مؤسس وأول رئيس تنفيذى لوكالة الدفاع الأوروبية، الذراع العسكرية للاتحاد الأوروبى فى حديث خاص لـ«الأهرام»: إنه نظراً لأن الولايات المتحدة تحتل هذا المكان المركزى فى النظام الدولى الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، فإن نتائج الانتخابات قد تؤدى إلى إعادة ترتيب النظام العالمى. فحلفاء أمريكا التقليديون عبر الأطلنطى يريدون خطاباً أمريكياً مختلفاً حول المصالح والقيم المشتركة، لأنه مع تهميش الحلفاء الأوروبيين سيجدون أنفسهم مدفوعين للمضى قدما فى مبادرات مستقلة لحماية أنفسهم وأمنهم ومصالحهم دون الاعتماد على أمريكا. والمستفيد الأول هو الصين التى بات صعودها الاقتصادى والإستراتيجى أكبر تهديد للهيمنة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة.

 

إنها لحظة تاريخية مهمة، ودور أمريكا فى العالم وتركيبة النظام الدولى مدرجان أيضاً فى الاقتراع يوم 3 نوفمبر المقبل.والسؤال الذى يتردد هو: هل تريد أمريكا حقاً مواصلة قيادة العالم؟

إنه سؤال ضمن عشرات الأسئلة المحورية المطروحة خلال هذه الانتخابات.

«الأهرام» وفى سلسلة حلقات خاصة حول الانتخابات وما تعنيه لأمريكا والعالم تحدثت مع سياسيين وخبراء أمريكيين وأكاديميين بارزين ومؤرخين ومواطنين عاديين يعتبرون هذه الانتخابات أهم حدث وعليها تترتب نتائج مصيرية. وعبر هؤلاء تحاول «الأهرام» الرد على تساؤلات من بينها ما الذى تعنيه انتخابات 2020 للداخل الأمريكى والعالم؟ وأسباب الغضب الأمريكى الداخلى؟ وكيف أثر فيروس كورونا على الانتخابات، والاقتصاد، والعلاقات بين الأعراق، وأنماط التصويت، وتوجهات الناخبين؟. وما هى التداعيات المحتملة لنتائج الانتخابات على الشرق الأوسط؟ ولماذا تترقب أوروبا الانتخابات كأنها شأن داخلي، وهل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية جديدة سواء تم انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية أو فاز منافسه الديمقراطى جو بايدن؟.وماذا تقول آخر استطلاعات الرأى حول حظوظ المرشحين وما هو دور الولايات المتأرجحة وتحولاتها الديموجرافية والاقتصادية فى انتخابات 2020؟.

هذه التساؤلات وغيرها طرحتها «الأهرام» على نخبة من المفكرين والأكاديميين مثل البروفيسور جوناثان زيمرمان أستاذ التاريخ فى جامعة بنسلفانيا الأمريكية. وبروس ريدل، مسئول الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى الأمريكى فى أربع إدارات أمريكية، وباربرا سلافين كبيرة الباحثين فى «المجلس الأطلسى» للدراسات بواشنطن. ونيك ويتنى مؤسس وأول رئيس لوكالة الدفاع الأوروبى، الذراع العسكرية للاتحاد الأوروبى. وأنتونى دوركين كبير الباحثين فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، والبروفسور ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة هارفارد، وأحد أبرز المفكرين الأمريكيين. والمؤرخ الأمريكى آلان ليتشمان، أستاذ التاريخ فى الجامعة الأمريكية فى واشنطن، بالإضافة لناخبين أمريكيين من المعسكرين.

التجربة الأمريكية

لا يمكن وصف تاريخ أمريكا فى عدة فقرات لكن إذا حاولنا فقد يكون كالتالى:

لم تتشكل أمريكا كدولة قومية على غرار الدولة الألمانية (القبائل الجرمانية) أوالدولة الفرنسية (قبائل الغال). فأمريكا خليط فريد من المهاجرين الألمان والإيرلنديين والإيطاليين والفرنسيين والمكسيكيين والإسبان والهولنديين والعشرات غيرهم.

وكل ولاية أمريكية تشكلت وانضمت للاتحاد الأمريكى فى ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية مختلفة، وعبر حقب زمنية مختلفة.

فنيويورك مثلا انضمت طواعية للاتحاد الأمريكى عام 1788، بينما انضمت تكساس عام 1845 بعد حرب بين الولايات الأمريكية و«جمهورية المكسيك»، التى استقلت عن التاج الإسبانى فى 1821. فقد خسرت المكسيك الحرب، وأخذت أمريكا تكساس.

ثم نشبت خلافات حدودية بين الولايات الأمريكية وجمهورية المكسيك حول حدود تكساس. وخسرت المكسيك المواجهات مجدداً، فاستولت أمريكا على كاليفورنيا، التى كانت آنذاك جزءا من المكسيك. وأصبحت كاليفورنيا ولاية أمريكية عام 1850، حيث دفع مخزونها الضخم من الذهب مئات الآلاف من المغامرين إلى التدفق على الولاية للتنقيب.

وبينما عاشت ولايات الجنوب، مثل فيرجينيا وتينيسى ونورث كارولينا ومسيسبى وكينتاكى على الاقتصاد الزراعى والعبودية، فإن ولايات الساحل الشرقى مثل نيويورك وبوسطن وبالتيمور، وولايات الساحل الغربى مثل أوريجون وكاليفورنيا لم تمارس العبودية ولا تجارة العبيد. أما الساحل الشرقى فمختلف فى تكوينه الاقتصادى والعرقى والثقافى عن الساحل الغربي. والولايات الجنوبية المحافظة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينياً، غير ولايات الغرب الأمريكى الليبرالية والكوزموبوليتنية.

وبسبب الخلافات بين ولايات الشمال والجنوب حول استمرار العبودية اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية بعد انتخاب إبرهام لينكولن المناوئ للعبودية رئيسا لأمريكا فى 1860، ورداً على انتخاب لينكولن أعلنت ولايات الجنوب الواحدة تلو الأخرى الانفصال عن الولايات المتحدة الامريكية وشكلت «الولايات الكونفيدرالية الأمريكية» ودخلت فى حرب طويلة مع ولايات الشمال انتهت بهزيمتها فى 1865 وإجبار الجنوب على انهاء العبودية وتحرير 3.5 مليون أمريكى من أصل إفريقى.

لكن ولايات الجنوب اعترفت بالهزيمة شفهيا فقط. فالعبودية الرسمية حل محلها عنصرية مؤسسية، وفصل بين الأمريكيين من أصول أوروبية والأمريكيين من أصول إفريقية فى الحقوق السياسية، والفرص الاقتصادية، والمواصلات العامة، والإسكان، والمدارس، والمستشفيات، والأماكن العامة.

ومن قلب هذا الجنوب الأمريكى ظهرت جماعات سمو الجنس الأبيض وعلى رأسها «كو كلوكس كلان». وكثير من هذه الولايات ما زال يضع حتى اليوم فى ميادينه العامة أعلام «الكونفيدرالية» وتماثيل لقياديى الولايات الجنوبية البارزة الذين حاربوا ضد إنهاء العبودية. وخلال مظاهرات «حياة السود تهم» فى شهور الصيف اندلعت كثير من المواجهات حول تلك التماثيل ورمزيتها بين من يحاولون إزالتها، وبين من يرون أنها جزء من تاريخهم الوطنى.

إذن وسط تلك الانقسامات التاريخية والاستقطاب السياسى الحاد تتوجه أمريكا خلال أسبوع إلى صناديق الاقتراع.

والنتائج قد تكون متقاربة، وهناك كثير من العوامل المتحركة التى قد تحسم الانتخابات لمصلحة الجمهوريين أو الديمقراطيين، فسبعة أيام فى السياسة عمر طويل. وخلال الأيام المقبلة ستكون الأعين على الولايات المتأرجحة، ونسب دعم المرشح الديمقراطى والرئيس الأمريكى فى تلك الولايات المهمة، ومعدلات العدوى بوباء كورونا، ونسب الإقبال على التصويت.

لكن هذه انتخابات الفروق الضئيلة، فالانتخابات الأمريكية عادة يحسمها عدد قليل من الناخبين.

كيف ينتخب أقوى رجل فى العالم؟

عدد سكان أمريكا 330 مليون نسمة، بينهم 245 مليون نسمة فوق سن الـ18 ويحق لهم التصويت. أى نحو 74% من تعداد السكان. لكن عادة لا يصوت كل من لهم حق التصويت، بل فقط نحو 50% منهم، أى نحو 140 مليون أمريكى، أى 42% ممن لهم حق التصويت. لكن الرئيس الأمريكى لا ينُتخب بحسب من يحصل على غالبية الأصوات الشعبية، بل من يحصل على غالبية أصوات المجمع الانتخابى، أى الأصوات المخصصة لكل ولاية أمريكية من الولايات الـ50 فى المجمع الانتخابى. وعادة هناك عدد صغير من الولايات المتأرجحة هو من يحسم نتائج الانتخابات.

ففى انتخابات 2020 هناك 7 ولايات متأرجحة قد تحدد النتيجة هى أوهايو، وايوا، وبنسلفانيا، واريزونا، وويسكونسن، وميتشجان، وطبعا فلوريدا. وهذه هى الولايات التى سيدور حولها المرشحون فى جولات انتخابية مكثفة خلال الأيام المقبلة.

عدد الناخبين المسجلين فى تلك الولايات السبعة هو 36.7 مليون نسمة (11% من اجمالى عدد الناخبين)، لكن المراقبين يقولون إن غالبية هؤلاء الناخبين يصوتون عادة للحزب الذى اعتادوا التصويت له. بعبارة أخرى لا يصوت مؤيد تقليدى للجمهوريين بسهولة للديمقراطيين أو العكس. فقط نحو 15% من هؤلاء الناخبين فى تلك الولايات الحاسمة يتحرك بحرية بين الحزبين على حسب المرشح، أوالبرنامج الانتخابى، أوالوضع الاقتصادى.

أى أن نحو 5.5 مليون ناخب فقط يحسمون الانتخابات فى الولايات المتارجحة أو 2% فقط من إجمالى عدد السكان.

وبسبب هذا الهامش الصغير جداً بين الفوز والهزيمة فإن كل صوت له وزن. ففى انتخابات 2016، فاز ترامب بولايات ميتشجان بفارق 11837 صوتا فقط، وفاز فى ويسكونسن بفارق 27257 صوتا. وفى بنسلفانيا بفارق 66236 صوتا، أى إجمالاً بفارق 107 آلاف صوت فقط. (أى 0.03% من إجمالى عدد السكان).

وفى انتخابات الأسبوع المقبل ما سيفصل بين النجاح والفشل هو قدرة الحزبين، الديمقراطى والجمهوري، على إقناع الناخبين المترددين فى التصويت لمصلحتهم.

ومع أن كل صوت يساوى وزنه ذهباً، إلا أن الانتخابات فى أمريكا لا تحسم بالتصويت الشعبى المباشر.

فعندما يذهب الناخبون للإدلاء بأصواتهم لا يصوتون عملياً على بايدن أو ترامب، لكن يصوتون على أعضاء «المجمع الانتخابى» فى كل ولاية، وهؤلاء هم مجموعة من ممثلى الولاية الذين يختارون (نظرياً) الرئيس الفائز نيابة عن سكان الولاية. عمر هذا النظام أكثر من 200 عام، ووضعه المؤسسون الأوائل لأنهم أرادوا وضع نظام ديمقراطى، لكن فى نفس الوقت كانوا قلقين من أن التصويت الشعبى المباشر قد يؤدى لانتخاب رئيس غير مناسب. كان ذلك تفكيراً منطقيا آنذاك، فالبلد كان منقسماً حول كل شىء تقريباً. والمجمع الانتخابى كان حلا وسطا للمواءمة بين ديمقراطية تصويت الشعب وهيئة تكون بمثابة «صمام أمان» لضمان عدم وصول شخص مثلاً يريد إعادة العبودية أو احتلال كندا أو المكسيك.

وفى نظام المجمع الانتخابى، لكل ولاية عدد من أعضاء المجمع الانتخابى يتناسب مع تعداد سكانها. واليوم هناك 538 عضوا فى المجمع الانتخابى، ويجب على المرشح كى يفوز أن يحصل على 270 صوتا من المجمع الانتخابى على أقل تقدير. والمرشح الذى يفوز بغالبية الأصوات (سواء حصل على 51% أو حصل على 90%) ينال أصوات تلك الولاية فى المجمع الانتخابى.

وهذا ما يجعل احتمالات فوز مرشح بالرئاسة مع خسارته غالبية الأصوات الشعبية سيناريو واردا فى الانتخابات الأمريكية. ففى آخر 5 انتخابات فى أمريكا، اثنان منها (وهما انتخابات 2000 بين جورج بوش الابن وآل جور، وانتخابات 2016 بين ترامب وهيلارى كلينتون) فاز خلالهما بالرئاسة شخص لم يحصل على غالبية الأصوات الشعبية.

وهذا يعنى أن المرشحين يركزان على استراتيجية للفوز بالولايات المتأرجحة التى تحسم الانتخابات. فترامب مثلا لم يقض أى وقت فى كاليفورنيا لأنها محسومة للديمقراطيين، وبايدن لم يقض اى وقت فى نيفادا أو ألاباما لأنهما محسومتان للجمهوريين. وفى انتخابات 2016 مثلا، تركز ثلثا الجولات الانتخابية على ست ولايات فقط.

مشاعر متأججة

إذن تقترب أمريكا من لحظة الحقيقة. إنها لحظة تثير أعصاب الطرفين. فالكثير على المحك. وبالنسبة لأنصار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فإن انتخابه «خيار مصيرى» لإكمال ما بدأه. فالمسار الذى أخذ فيه أمريكا سيصاب بنكسة كبرى فى حالة هزيمته كما يقول أنصاره. يتلخص هذا المسار فى تحدى غطرسة وتعالى «نخبة واشنطن» فى صمتهم وعجزهم عن مواجهة الممارسات التجارية الصينية التى كلفت الطبقة الوسطى الأمريكية ملايين الوظائف. فمؤيدو ترامب يريدون أن يواصل مشروعه بإعادة المصانع من الصين لأمريكا، وبالتالى إعادة الوظائف لأمريكا. ولا يثق مؤيدو ترامب فى جو بايدن ولا برنامجه الانتخابى. فهو فى نظرهم «جزء من نخبة واشنطن»، مؤمن بالعولمة والحدود المفتوحة وسيواصل سياسات اقتصادية تقوم على إزالة القيود المفروضة على انتقال رأس المال والبضائع والعمالة، وكل هذا يصب فى مصلحة «مصنع العالم» أو الصين، والخاسر الأكبر هو العامل الأمريكى فى المدن الصناعية التى تهالكت وتحولت لخراب كامل.

وبالنسبة لأنصاره، ترامب ليس مجرد رئيس جمهورى أنه «أفضل نداء للصحوة وأمريكا كانت بحاجة إليه» و «المخلص» من كابوس تدهور الحلم الأمريكى. ويقول المواطن مايك هارلو(30 عاماً) «سأزحف على زجاج مكسور للتصويت لترامب...فسياسات ترامب وخطابه لا تشبه ما سمعه الناخب الأمريكى المتعطش للتغيير فى حياته من قبل.وبرغم الوضع الصعب الذى تمر به أمريكا حاليا على صعيد تفشى فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية، فإن الاقتصاد كان فى أفضل حالاته قبل الوباء وقد استفادت منه كل الشرائح فى أمريكا، الفقراء والطبقة الوسطى والأغنياء».

قاعدة دعم ترامب التى أوصلته فى المقام الأول للبيت الأبيض 2016 واسعة بحكم الضرورة فلا يمكنك أن تدخل البيت الأبيض بقاعدة شعبية محدودة أو ضيقة. فكثير من الأمريكيين من أصل إفريقى صوتوا لترامب فى انتخابات 2016وليس للحزب الديمقراطى بسبب حديث ترامب عن استعادة الوظائف والمصانع الأمريكية من الصين وإعادتها لمدن «الحزام الصدأ».

ترامب إذن بالنسبة لأنصاره ليس مجرد مرشح للحزب الجمهورى أنه «حركة سياسية جديدة». أما ترامب نفسه فقد قال لأنصاره فى الفاعليات الانتخابية «يجب أن نفوز...هذه هى أهم انتخابات أمريكية فى التاريخ الأمريكى».

وقبل كورونا والآثار الاقتصادية التى ترتبت عليها ومقتل جورج فلويد ومظاهرات «حياة السود تهم» كان السؤال هو ماهى النسبة التى سيحصل عليها ترامب للفوز بالولاية الثانية وليس ما إذا كان سيفوز أصلاً؟

لكن الأشهر الأولى من 2020 غيرت كل شىء بالنسبة لترامب. واليوم يقف جو بايدن كمنافس قادر على انتزاع البيت الأبيض منه. فاستطلاعات الرأى تشير إلى أن ترامب لم يعد يحتفظ بكل القاعدة الانتخابية العريضة التى صوتت له فى 2016، حيث إن هناك شريحة لايستهان بها بين صفوف الشباب والنساء والأقليات الذين صوتوا له، انفضت من حوله لأسباب مختلفة من بينها «اللغة الاستقطابية التأجيجية» التى استخدمها خلال مظاهرات «حياة السود تهم»، والطريقة التى تعامل بها مع تفشى فيروس كورونا، وترويجه لمعلومات غير صحيحة حول الوباء والأمصال.

ومقابل ترامب الاستقطابى، يرى أنصار بايدن أنه «أمل أمريكا والعالم فى الخلاص من ترامب لمدة 4 سنوات أخرى». فاختيار جو بايدن يعد فى نظرهم بمثابة عودة لـ«رجل الدولة الأمريكى المتزن الذى يمكن ان يعتمد عليه الحلفاء فى الخارج، والأمريكيون فى الداخل». ورغم أن بايدن لا يثير حماسة عاطفية وسط أنصاره كما يثير ترامب حماسة عاطفية وسط أنصاره (كما يظهر فى التجمعات الانتخابية)، فإن قاعدة بايدن الانتخابية اتسعت بشكل لافت وسريع منذ أن أصبح مرشح الحزب الديمقراطى لمواجهة ترامب. ويأمل أنصاره فى أن يتم انتخابه وأن يكون ذلك بداية تخفيف حدة الاستقطاب العرقى والحرب الثقافية فى امريكا. أما خارجيا، فالعالم يأمل فى علاقات دولية أفضل.

لكن أمريكا ليست منقسمة بين مؤيدين لترامب ومؤيدين لبايدن، حيث هناك ملايين من الناخبين ما زالوا مترددين ولم يحسموا رأيهم بعد. وبالنسبة لكثير منهم بايدن ما زال مرشحا غامضا، فلا أحد يعرفه بدقة. فمنذ أن فاز بترشيح الحزب الديمقراطى لم يشارك فى فاعليات انتخابية كثيرة بسبب الكورونا، ولا أحد يعرف بدقة هل يعبر برنامجه الانتخابى فعلا عن قناعاته أم انه اختار «أرضية وسط» لإرضاء طيف واسع من المستائين من إدارة ترامب. وهل سيواصل سياسات الرئيس الديمقراطى الأسبق باراك أوباما، الذى كان بايدن نائبا له على مدى ثمانى سنوات، أم سيكون سياسيا من فصيل مختلف؟.

وبين الناخبين المترددين هناك من يرى أن ترامب يقول الشىء ونقيضه، ولا يمكن الثقة فيه، ويحيا على الاستقطاب والانقسامات وأسهم فى جعل العلاقات العرقية بين البيض والسود أسوأ مما كانت عليه خلال الأربعين عاما الماضية، دافع عن جماعات من اليمين المتطرف فى أمريكا ولم يتدخل لتهدئة التوترات العرقية بينما هذا واجبه كرئيس لأمريكا.

ووسط كل هذا، هناك مستويات مخيفة من الاستقطاب والتسليح. ولا عجب أن يكون مكتب التحقيقات الفيدرالى «أف بى أى» منهمكا فى سيناريوهات مرعبة لما بعد الانتخابات، وماذا لو كانت النتيجة متقاربة جدا، وماذا لو طال انتظار إعلان النتائج النهائية، وخرج أنصار كل مرشح للشارع حاملين السلاح معلنا أن النتيجة لمصلحة مرشحه.

إذن يحبس العالم انفاسه حقا بانتظار تصويت الأمريكيين، فهذه انتخابات فريدة من نوعها فى لحظة فريدة من نوعها.


الناخبون يصطفون أمام مراكز الاقتراع فى التصويت المبكر

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق