عادة عندما يحل الضيف على حفل علية القوم ووجهاء المجتمع الراقى يتحلَّى بالذوق الرفيع وأدب التعامل .. ولكن إذا ما تصرف بكبرياء وصلف يفقد هذه الدعوة إلى الأبد ويغادر المكان مُرغَماً ومنبوذاً!.
ومنذ ظهور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على المسرح العالمى، استقبلته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام ٢٠١٦ بتحذير استثنائى وهو قبول التعاون مع الصديق الأوروبى شرط احترامه القيم الديمقراطية. وخلال فترة ولايته الأولى تعمد ترامب السير بقدميه فوق هذا الشرط، ومارس سياسة خارجية متشددة وفظة مع الحليف الأوروبى على نحو أصاب العلاقات الأمريكية الألمانية بشرخ عميق اتسعت رقعته ليضع ميزان الشراكة القديمة فى خلل مستمر ومدمر!.
وانخرط الرئيس الملياردير فى استراتيجية أحادية الجانب لينفرد بالقرار الدولى دون الرجوع إلى الحسابات والرؤية الأوروبية لكثير من القضايا والملفات، وانطلاقا من ذلك، يؤكد المراقبون أن العلاقة بين واشنطن والقارة البيضاء باتت على جهاز الإنعاش، إلى حد أنه فى حالة استبدال ترامب بمنافسه الديمقراطى جو بايدن، فإن الأخير لايملك الحل السحرى لردم الهوة السحيقة بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، والتى حفرها ترامب بمهارة وحرفية!.
كما أظهرت استطلاعات للرأى أجراها مؤخرا «مركز بيو للأبحاث» أن صورة أمريكا فى عهد ترامب داخل أوساط الأوروبيين تراجعت إلى مستويات قياسية، بعد أن انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووى الإيرانى وصولا إلى فرض رسوم على واردات الفولاذ والألومنيوم من الاتحاد الأوروبى، وإضعاف منظمة التجارة العالمية تحت ضغوط جائحة فيروس كورونا. وكثيرا ما ارتطمت عاصفة ترامب بمواقف ميركل الشجاعة فى قضايا المهاجرين وميزانية الإنفاق على الأمن والدفاع فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، خصوصا وأن ترامب يبرر تمرده على «الناتو» بضخامة ما أنفقته بلاده عام ٢٠١٩ من ٣٫٤ ٪ من إجمالى ناتجها القومى على الدفاع، فيما بلغ معدل ما أنفقته الدول الأوروبية الأعضاء فى الحلف وكندا نحو ١٫٥٥ ٪ فقط . ولم يفلح حفل العشاء المبهر الذى أعده الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لنظيره الأمريكى فى برج إيفل فى منع تدهور العلاقات بين واشنطن وباريس لاحقا فى ظل تشبث ترامب العنيد بقيادة العالم واتخاذ قرارات فردية دون نقاش أو تفاهم أو تنسيق مع الصديق الأوروبى، انتهاءً بشراء رضا الدب الروسى وترميم الجسور السياسية والاقتصادية مع موسكو بما يتعارض مع المصالح والفلسفة الأوروبية. ولم يفرط ترامب فى كل الصداقات، ليحافظ على علاقته برئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان الذى يشاطره معاداة المهاجرين. ولأن المرشح الديمقراطى بايدن خبير متمرس فى السياسة الخارجية ، فيراهن بالدرجة الأولى على تصحيح مسار العلاقات مع أوروبا، ويتوقع الخبراء سلسلة زيارات قصيرة وجولات مكثفة لبايدن فى أوروبا حال انتخابه رئيسا لأمريكا لبحث فرص الانضمام مجددا إلى اتفاقية المناخ وإعادة إطلاق المحادثات النووية مع إيران، غير أن ثمة «حساسيات» مرتبطة بسياسة الإنفاق الدفاعى فى «الناتو»، واتفاقية «نورد ستريم ٢» وحملة واشنطن ضد مجموعة «هواوى» الصينية العملاقة للتكنولوجيا. بعد ٣ نوفمبر، سيتحدد مصير الملعب الأوروبى فى البوصلة الأمريكية، وسنتابع تفاصيل الأداء المختلفة بين التاجر الجمهورى والسياسى الديمقراطى، ونرى طبيعة وشكل «الضيف الأمريكى» العائد إلى الحفلات الأوروبية الفاخرة!.
رابط دائم: