رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حركة «الخمس نجوم» الإيطالية تواجه أزمة مصير

هند السيد هانى
جولة بالدراجات لأعضاء حركة خمس نجوم فى باليرمو

لا تشبه اليسار.. ولا تنتمى إلى اليمين.. يصفها البعض بالشعبوية، لكنها ليست معادية للعرب والمسلمين. فبأفكار شكلت انقلابا على نظم السياسة الأوروبية العريقة تمكنت حركة خمس نجوم الإيطالية ــ التى تقود الحكومة الائتلافية فى روما حاليا ــ من احتلال صدارة المشهد السياسى فى البلاد منذ انتخابات عام 2012. لكن نفس هذه الأفكار وضعتها الآن داخل «أزمة هوية» ، بحسب تعبير أليساندرو دى باتيستا أحد رموزها الشباب، الذين قذفت بهم الحركة من بين عامة الشعب إلى صفوف القيادة السياسية خلال فترة وجيزة.

 

أزمة الوجود التى تواجهها خمس نجوم نمت تدريجيا مع تنازل أعضائها عن مبدأ تلو الآخر من الأسس التى بنت عليها شعبيتها. حتى جاءت الانتخابات المحلية الأخيرة لتشعل «حربا نووية» داخل الحركة حسب وصف صحيفة «ال تمبو» الإيطالية.

التصويت الذى تم نهاية سبتمبر شمل استفتاء، على تعديل دستورى لخفض عدد مقاعد البرلمان بغرفتيه من مجموع 945 إلى 600 مقعد، وهو الاقتراح «القديم الجديد» الذى دفعت به حركة خمس نجوم ونال تأييد نحو 70% من الأصوات، من بين نسبة مشاركة مرتفعة بلغت نحو 52%، رغم ظروف تفشى فيروس كورونا . كما شمل التصويت انتخاب قيادات ومجالس محلية لسبعة أقاليم من بين الأقاليم الـ20 المكونة للبلاد، و1149 بلدية. وأسفرت الانتخابات عن نتائج متعادلة تقريبا بين الحزب الديمقراطى اليسارى المشارك فى الحكومة الائتلافية وحزب الرابطة اليمينى المتطرف المعارض. لكن هذه النتائج عززت من وضع الحزب الديمقراطى داخل الحكومة ونالت من مكانة ماتيو سلفينى كزعيم لحزب الرابطة، بعد أن فشل الأخير فى انتزاع اقليم توسكانا من قبضة اليسار، الذى سيطر عليه منذ الحرب العالمية الثانية. وبين هذا وذاك، غابت خمس نجوم تقريبا فى نتائج التصويت، بعدما خسر مرشحوها فى كل الدوائر تقريبا. واعتبر دى باتيستا ذلك «الهزيمة الأسوأ» فى تاريخ الحركة منذ تأسيسها فى 4 أكتوبر 2009.

هكذا بدأت الحرب فى خمس نجوم.. فقد جاءت تصريحات دى باتيستا، لتسدد لكمة للويجى دى مايو، وزير الخارجية والزعيم السياسى السابق لخمس نجوم ذى الثقل، بعد أن احتفى دى مايو بنتيجة الاستفتاء واعتبرها تاريخية. ثم رد روبرتو فيكو، رئيس مجلس النواب والعضو البارز بخمس نجوم، على دى باتيستا قائلا، إن الحركة غالبا ما كانت تعانى فى الانتخابات المحلية التى يكون أداء التحالفات الكبيرة بها أفضل.

وبحلول العيد الـ 11 لتأسيس الحركة مطلع الشهر الحالى اتسعت دائرة الانقسام. فهدد ديفيد كازاليجو، رئيس شركة «روسو أسوشيتي» التى تدير المنصات الإلكترونية للحركة والتى تعتمد عليها فى اتخاذ القرارات المصيرية، بالانسحاب من خمس نجوم إذا ما تحولت إلى حزب، مع اللجوء إلى القضاء لنيل حق الاستئثار بشعارها. ودون الرجوع إلى قيادات خمس نجوم، نشر ديفيد كازاليجو (ابن جيانروبرتو كازاليجو الشريك المؤسس لخمس نجوم مع الكوميديان بيبى جريللو) احتجاجا مطولا على المدونة الخاصة بخمس نجوم قال فيها، إن تحول الحركة إلى حزب يعنى نهاية جميع المبادئ والقيم التى تأسست عليها من أجل «مواطنين أحرار»، ويهدف إلى تأمين المكتسبات التى كونتها بعض الشخصيات فى الحركة.

جاء هذا المنشور ليسكب الزيت على النار، فسرعان ما أعلن فيتو كريمى (الذى يتولى زعامة الحركة مؤقتا) ومعه الكتلة البرلمانية لخمس نجوم وهم يمثلون الجناح البراجماتى عدم أحقية كازاليجو فى النشر على مدونة الحركة دون الرجوع إلى رؤسائها خاصة أنه لا يشغل أى منصب بخمس نجوم.

الانقسام داخل الحركة تفاقم مع اضطرارها لمجاراة الواقع وأن تتصرف كحزب سياسى من أجل الوصول إلى الحكم. كانت خمس نجوم فى المرحلة الأولى من تأسيسها، قد نجحت فى جذب الإيطاليين المحبطين من فساد السياسيين إلى مجرتها. التف الملايين حول بيبى جريللو وهو يدعو إلى ممارسة ديمقراطية مباشرة دون سياسيين ودون مال سياسى. آمن بقدرة المواطن العادى على إدارة الشئون السياسية مباشرة من خلال منصات التصويت الإلكترونى. رفض جريللو رفضا قاطعا وجود الأحزاب ودعا إلى حلها.

كان تنظيم استفتاء على الخروج من منطقة اليورو من أبرز دعوات الحركة التى تم الارتداد عنها لاحقا على لسان لويجى دى مايو زعيم الحركة حينذاك فى يناير 2018 قبيل الانتخابات العامة. وفى أغسطس الماضى، تخلت الحركة عن اثنين آخرين من أهم قواعدها من خلال استفتاء إلكترونى حيث تم إلغاء قاعدة الفترتين كحد أقصى للانتخاب للمناصب السياسية. كما أسقط المصوتون الحظر الذى كان مفروضا فى السابق حول عقد «تحالفات رسمية» مع الأحزاب التقليدية لخوض الانتخابات ضمن ائتلافات واسعة (ورغم نتيجة التصويت، وصف دى باتيستا دخول خمس نجوم مع الحزب الديمقراطى فى حكومة ائتلافية بأنه «الموت الأسود»). 

جانب آخر أصبح يشكل منطقة قوة وضعف للحركة فى آن واحد، يتمثل فى منصة «روسو» الإلكترونية التى تعد بمثابة «الدينامو» للحركة وتهدف لضمان الشفافية وإشراك المواطنين. فمن خلال «روسو» يتم التصويت على اختيار المرشحين الذين يخوضون الانتخابات المحلية والبرلمانية باسم خمس نجوم. كما تقوم «روسو» بتجميع مطالب ومقترحات أعضائها حول مشروعات القوانين، فضلا عن جمع التبرعات. ودون مقر ولا مكاتب نالت الحركة شهرة وشعبية بفضل «روسو» ليس فى إيطاليا فحسب، بل أصبحت من أقوى الحركات /الأحزاب السياسية على مستوى أوروبا. وجذبت «روسو» حركات شعبوية فى بلدان أوروبية أخرى إلى محاولة محاكاتها( حسبما نقلت صحيفة فاينانشيال تايمز).

لكن هذه المنصة والتى ينسب اسمها إلى المفكر الشهير جان جاك روسو المناصر لفكرة الديمقراطية المباشرة تسببت فى فتح وابل من النيران على خمس نجوم من المتربصين بها. فحتى العام الماضى، كان أعضاء المنصة يبلغ عددهم 100ألف، وبناء على نتيجة تصويتهم تلتزم الحركة باتخاذ القرارات المصيرية. حتى أن قرار تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطى العام الماضى لم تتخذه الحركة إلا بعد موافقة أعضاء المنصة. وهو ما تسبب فى موجة انتقادات واسعة حيث إن هؤلاء الـ100 ألف لا تتجاوز نسبتهم الـ1% من حجم الأصوات التى حصلت عليها خمس نجوم فى الانتخابات، وبالتالى فإن اسناد القرار إليهم وتعريض البلاد لخوض انتخابات جديدة يعد استخفافا بمؤسسات الدولة السياسية المنتخبة. وتسعى الحركة إلى توسيع دائرة العضوية بالمنصة إلا أن هذه العملية تستغرق وقتا للتأكد من أن الأعضاء الجدد هم أشخاص حقيقيون.

قد يأسف الكثير من المتحمسين لأفكار خمس نجوم الثورية لما آل إليه الوضع، فأطراف كثيرة تتراشق الاتهامات فى كل اتجاه، والمسافات تتسع بين وجهات النظر ولا يمكن استبعاد الطموحات الشخصية وربما المكائد تماما عن المشهد.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق