تحاول الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا، أن تلعب دورا قويا ومحوريا فى الأزمة الليبية، ولكن يبدو أن هذه القضية أكبر من قدرتها السياسية،
فهى لم تستطع طوال الفترة الماضية أن تلوح بعصاها فى وجه أنقرة، التى استباحت الأراضى الليبية وضربت بمخرجات مؤتمر «برلين 1» الذى عقد فى يناير الماضى عرض الحائط، بل إنها وقفت عاجزة تماما أمام البلطجة التركية، التى تنقل السلاح والميليشيات والإرهابيين بسفنها الحربية تحت أعين وبصر السفن الأوروبية المرابطة على الساحل الليبي.
اهتمام برلين بالأزمة الليبية، يرجع لكثير من الأسباب ولعل أهمها إدراكها التام لتداعيات ومخاطر الفوضى فى ليبيا وانعكاساتها على الأمن الإقليمى والدولي، وخشيتها كذلك من إعادة «كابوس» الهجرة غير الشرعية، ولكن فى حقيقة الأمر فإن ألمانيا لديها تخوف من أن تتحول ليبيا إلى بؤرة لتصدير الإرهابيين إلى أوروبا.
وهذا بالفعل ما تمت مناقشته خلال مؤتمر «برلين 2»، الذى عقد فى الخامس من شهر أكتوبر الحالى، عبر دائرة الفيديو المغلقة وبمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش الذى وجه رسائل لحل الأزمة الليبية، حيث قال أن مستقبل ليبيا على المحك، ودعا جميع الليبيين لمواصلة العمل من أجل وقف دائم لإطلاق النار، والمساهمة بشكل بناء فى منتدى الحوار السياسى، الذى ترعاه الأمم المتحدة، كما طالب بتنفيذ الالتزامات، التى تم التعهد بها فى مؤتمر (برلين 1)، ومنها التنفيذ الكامل غير المشروط لحظر توريد الأسلحة، الذى فرضه مجلس الأمن، وأن تتوقف جميع أشكال الدعم العسكري، والعمل على إعادة الحياة وتوفير الخدمات الأساسية للشعب الليبي.
وهنا يقول المراقبون إن هذا المؤتمر عقد بعد 9 أشهر فقط من المؤتمر الاول، الذى للأسف لم تستطع ألمانيا أو الاتحاد الأوروبى، تنفيذ مخرجاته على أرض الواقع.
ووصفوا مؤتمر برلين 2 بأنه صورة كربونية لبرلين 1، حيث لم يضف جديدا فى طرق علاج الأزمة الليبية، وأنه عقد فقط من أجل الضغط على أطراف النزاع داخل ليبيا وخارجها، لتنفيذ مخرجات المؤتمر الأول، وأضاف أحد المحللين أن ألمانيا لم ولن تستطيع عمل تغيير على الأرض، أو مراقبة تنفيذ ما تعهدت به الأطراف المشاركة فى المؤتمر، مثل وقف إطلاق النار وحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، كما أنها لم تستطع أيضا معاقبة أنقرة، التى ثبت أنها وراء وجود الميليشيات المسلحة على الأراضى الليبية، واكتفت فقط بمعاقبة شركة تركية تورد الأسلحة للإرهابيين، ولكن مع ذلك تتوقع الصحف الألمانية أن يؤدى فرض عقوبات على الشركة التركية إلى تفاقم التوتر القائم بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.
ويعتقد المراقبون أن مؤتمر برلين2 سوف يدفع الاتحاد الأوروبى لتغيير سياسته اللينة فى التعامل مع تركيا، حيث لم يعد تدخلها فى الشأن الليبى مقبولا، وأنه على الأوروبيين أن يقفوا لها بقوة.
ولفت المراقبون إلى أن انعقاد مؤتمر برلين 2 جاء وسط تفشى فيروس كورونا، افقده روح المؤتمرات الصاخبة، التى تحظى بالشد والجذب بين الدول المشاركة، كما أن غياب طرفى الصراع الليبي، المشير خليفة حفتر وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق، أسهم فى ذلك. كما لم يشر المؤتمر إلى عدم التزام أردوغان بموضوع حظر توريد السلاح والمرتزقة إلى داخل ليبيا، ولذلك وصفه المراقبون بأنه العودة إلى المربع صفر، بالإضافة إلى أنه يطرح الشكوك حول مدى قدرة ألمانيا والاتحاد الأوروبى على إيجاد خيار سياسى لتحقيق مخرجات المؤتمر.
رابط دائم: