رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

روسيا ومواجهة المخططات الغربية فى المحيط الإقليمى

د. سامى عمارة

يبدو أن روسيا تعود ثانية إلى مواجهة مخططات، ثمة من توقع أنها صارت فى عداد الماضي، فما يجرى من أحداث على مقربة من حدودها، فى بيلاروس وأوكرانيا، وقره باغ، وقيرغيزيا، يؤكد أبعاد الخطة التى سبق أن أعلنتها الولايات المتحدة حول محاصرة روسيا بنقاط ساخنة تكفى لزعزعة استقرارها وتهديد أمنها، دون أى تدخل مباشر فى شئونها الداخلية. ولعل ما قيل حول أن فكرة «الثورات الملونة»، والحروب والاضطرابات التى يمكن أن تجرى على مقربة، ليست بعيدة عن أذهان المسئولين فى الكرملين، بما يعنى أن موسكو ستظل على أهبة الاستعداد للرد على النحو الذى يتناسب مع مقتضيات اللحظة، والمتغيرات الدولية والمحلية، بما فى ذلك احتمالات الإعلان عن جمهورية «آرتساخ»، وهو الاسم الأرمنى لمقاطعة «قره باغ ذات الحكم الذاتي»، مقابل انسحابها من الأراضى الأذربيجانية، وما قد ينجم عن ذلك من تبعات وردود أفعال من جانب كل من أذربيجان وحليفتها تركيا.

 

 

 

ما أعلنه الكرملين حول دعوة وزيرى خارجية أذربيجان وأرمينيا إلى اجتماع وساطة، استمر فى موسكو لما يزيد على العشر ساعات، بمشاركة عميد الدبلوماسية الروسية سيرجى لافروف، وما جرى ويجرى من اتصالات دولية، يؤكد أن موسكو عقدت العزم على عدم التفريط فى أى فرصة تكفل لها الاحتفاظ بمواقعها ودورها فى الساحتين الإقليمية والدولية. وكانت الفترة القليلة الماضية شهدت تصعيد الضغوط والهجوم ضد ما بقى من بلدان الفضاء السوفييتى السابق، بعد نجاح الدوائر الغربية فى استمالة بلدان البلطيق الثلاثة (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) إلى فلكها فى عام 1991، وبعدها جورجيا فى عام 2003، وأوكرانيا اعتبارا من عام 2004 وما بعدها من سنوات شهدت نجاح نيكول باشينيان, الصحفى المغمور فى أرمينيا, فى الإطاحة بسلفه سيرج سركسيان فى عام 2018، بدعم سافر من أصحاب فكرة «الثورات الملونة»، وهو ما تعامل معه الرئيس فلاديمير بوتين على نحو اتسم بحصافة شديدة بما أبقى على أرمينيا ضمن دائرة مصالح بلاده، فضلا عن نجاحه قبل ذلك فى تأمين انفصال ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا فى عام 2008، وانتزاع القرم من أوكرانيا فى 2014.

 غير أن ما كشف عنه بوتين فى وقت لاحق بتصريحه «بالغ الأهمية»، تعليقا على استمرار الأزمة الأوكرانية حول « أنه كان من المفروض أن تخرج أى جمهورية من الاتحاد السوفيتى السابق فى إطار ذات الحدود التى انضمت بها إليه»، يعنى ضمنا استعداده لإعادة النظر فى حق روسيا فى استعادة «هدايا» بلاده إلى هذه الجمهوريات بما فى ذلك أوكرانيا، وتحديدا فى أراضى «جمهوريتى لوجانسك ودونيتسك»، غير المعترف بهما فى منطقة الدونباس.

ومن هذا المنظور يتابع الكرملين مجريات الأزمة السياسية فى بيلاروس، ونذكر أن موسكو اعترفت بنتائج الانتخابات، وبشرعية فوز لوكاشينكو فى هذه الانتخابات، رغما عن سابق حملته المعادية للسياسات الروسية، وتحوله نحو مغازلة الغرب الذى عاد وحنث بوعوده إليه، وجنح نحو دعم منافسيه ممن يواصل أنصارهم اليوم مظاهراتهم طلباً لرحيله.

ومن اللافت أن كل البلدان التى راحت ضحية ما جرى ويجرى من مؤامرات منذ تاريخ انهيار الاتحاد السوفيتى السابق ومنها بيلاروس وأرمينيا وقيرغيزيا، كانت ولا تزال ترتبط مع روسيا، بتحالفات على غرار «معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادى الأوروآسيوي»، فضلا عن ارتباطها بتعاقدات ثنائية تسمح لروسيا بوجود قواعدها العسكرية. وذلك يكشف عن أبعاد استراتيجية الدوائر الغربية التى طالما اعتمدت فى مخططاتها على تخريب الداخل، وتقطيع شبكات التواصل بين هذه الجمهوريات مع روسيا، إلى جانب محاولات إنهاك روسيا وإضعافها، وتشتيت أنظار قياداتها. وفى هذا الصدد كشفت المصادر الروسية ما نشرته مؤسسة «RAND» تحت عنوان «المنافسة من موقع متميز»، حول أن «هيكلا قريبا من المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاجون نشر خطة تقريبية للأحداث التى تدور منذ 2019 وحتى اليوم، من منظور استراتيجية إنهاك روسيا وإجهاد قواتها من خلال زيادة عدد الصراعات وتأجيج حدتها»، فضلا عما تنسجه من شبكات منظمات المجتمع المدنى والاعتماد على الشباب ممن توفدهم إلى الخارج على منح دراسية لاستكمال دراساتهم فى الجامعات والمعاهد الغربية، إلى جانب مشاركتهم فى معسكرات التدريب على إدارة الاضطرابات من خلال شبكات التواصل الاجتماعى والانترنت. أما عن نتائج هذه المقدمات، فتتمثل فيما نشهده اليوم من «تقدم نسبي» على صعيد تنفيذ المخطط سالف الذكر، من خلال تورط الكثيرين من هؤلاء الشباب فى تنفيذ ما تدبره من مخططات الإطاحة بالأنظمة القديمة، واستبدالها بأخرى جديدة ترتبط بالغرب بعلاقات تحالف مغايرة لما كانت تربطها بروسيا أو الاتحاد السوفيتى السابق.

ولعل ذلك تحديدا يمكن أن يكشف عن احتمالات ظهور «جمهورية آرتساخ» بديلا لمقاطعة «ناجورنى قره باغ ذات الحكم الذاتي» جديدة على الخريطة السياسية للمنطقة بوصفها الحل المقترح من جانب أرمينيا للصراع القائم اليوم بين أرمينيا وأذربيجان، مقابل الانسحاب من كل الأراضى الأذربيجانية. وذلك ما نستوحيه من البرامج الحوارية على شاشات القنوات الإخبارية الروسية الرسمية، بما يعنى ضمنا احتمالات اعتراف روسيا وأرمينيا بهذه الجمهورية، وما قد يعقبه من تغيير فى الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.

 ومن هنا يمكن توقع أن يفضى ذلك لاحقا وفى إطار ما قاله الرئيس بوتين حول «مشروعية ضرورة أن تخرج جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق فى إطار ذات الحدود التى انضمت بها إليه»، إلى احتمالات «موجة من الاعترافات المتبادلة» يمكن أن تطول «ضم القرم إلى روسيا»، و«استقلال جمهوريتى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية» عن جورجيا. فضلا عما قد يتبع ذلك من احتمالات الاعتراف بجمهوريتى جنوب شرق أوكرانيا فى أراضى منطقة الدونباس التى كانت روسيا الاتحادية «أهدتها» إلى أوكرانيا إبان سنوات حكم زعيم الثورة الاشتراكية لينين, لدعم الحركة العمالية هناك قبل ضم مساحات كبيرة من الأراضى البولندية إلى غرب أوكرانيا، عقب تحقيق النصر على النازية فى الحرب العالمية الثانية.

ونمضى مع توقعاتنا حول احتمال الاعتراف بهاتين الجمهوريتين من جانب «روسيا وأرمينيا وبيلاروس»، وربما بقية بلدان معاهدة الأمن الجماعى ودول الاتحاد الأوروآسيوي، رغم حساسية الموقف، لنقول إن هذه التوقعات تستند إلى متابعة دقيقة تؤكد: «أن ما يقوله بوتين اليوم يعود إلى تطبيقه فى وقت لاحق وإن طال الزمن».

وكان بوتين كشف عن احتمالات إعداد العدة لاستعادة روسيا مواقعها التى تستحق على خريطة السياسة العالمية، ما سبق وكشف عنه فى خطابه الشهير فى ميونيخ فى مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى فى عام 2007، وهو ما جرى تحقيقه فى حربه مع جورجيا فى عام 2008، وما أعقبه من تحركات على صعيد تعزيز قواته المسلحة، وإعادة روسيا إلى موقعها الذى تستحق على خريطة السياسة العالمية.

 ومن هنا أيضا يمكن توقع مواجهة جديدة لطموحات الرئيس التركى أردوغان الذى استبق رئيس أذربيجان الهام علييف، بإعلان رفضه مبادرة الوساطة من جانب موسكو، وإن عاد وقبلها على مضض، فى الوقت الذى يدفع فيه بالمنظمات الإرهابية ومنها تنظيم «النصرة» من سوريا والعراق إلى منطقة النزاع. وذلك ما توقفت عنده موسكو بكثير من الإدانة والنقد والرفض، انطلاقا من اعتبار أن ذلك لا يلقى بالمزيد من النار فى أتون ذلك النزاع وحسب، بل يهدد أمن روسيا فى جنوب القوقاز على نحو مباشر، ويلقى بظلاله على تفاهماتهما فى مواقع أخرى ومنها سوريا وليبيا. وذلك ما يفسر اتفاق روسيا مع الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبى وبريطانيا وكندا حول إدانة ورفض سياسات تركيا فى المنطقة. وجاء ذلك فى وقت مواكب لتهديد الرئيس الإيرانى حسن روحانى حول أن بلاده «لن تتسامح مع أى دولة ترسل إرهابيين إلى حدود إيران تحت أى ذريعة»، فى إشارة إلى إرسال الأتراك للإرهابيين إلى منطقة النزاع المتاخمة للحدود الإيرانية. ورغم عدم صحة إضفاء الطابع الدينى على ما يجرى فى قره باغ وما حولها، نشير فى هذا الصدد إلى ما نقله موقع «سفوبودنايا بريسا» (الصحافة الحرة) عن صحيفة «ذا هيل» الأمريكية، التى قالت: «إن ما يجرى الآن وضع غير عادى فى العلاقات الدولية، حيث تتطابق مصالح الجمهورية الإسلامية مع مصالح دولة مسيحية على حساب دولة مسلمة».

غير أن ما استبق الرئيس الأذرى به «مباحثات موسكو»، من تصريحات تقول «إن بلاده تعطى أرمينيا الفرصة الأخيرة، وإنها لا توافق على ما يقال بأن لا حل عسكريا لهذه الأزمة»، يزيد من حدة الأزمة، ويكشف عن استمرار تمسكه بحق بلاده فى تحرير أراضيها، وضرورة انسحاب أرمينيا من كل الأراضى الأذربيجانية المحتلة، ومنها «قره باغ» التى نجح فى استعادة أجزاء كبيرة منها فى الحرب الأخيرة، تمهيدا لإعادة ما يقرب من 800 ألف أذرى اضطرتهم المعارك السابقة إلى الفرار منها إلى الوطن الأم فى أذربيجان.

ومن هنا يمكن تفسير الانتهاكات المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار، التى تتواصل من الجانبين منذ إعلان تنفيذه اعتباراً من ظهر السبت الماضي، ما قد يدفع روسيا إلى التحول إلى سيناريو مغاير لإرغام الطرفين على الالتزام به، إلى حين توصل مجموعة مينسك تحت رعاية موسكو وواشنطن وباريس, والتى تضم فى عضويتها تركيا والسويد وفنلندا، إلى حلول مقبولة من جانب الأطراف المعنية. وحتى ذلك الحين يظل كل من الرئيس علييف، ورئيس الحكومة الارمينية باشينيان متمسكا بمواقفه ليس فقط دفاعا عن الوطن ومصالحه، بل أيضا لاعتبارات داخلية، تتعلق بمواقع كل منهما فى الداخل، فى الوقت نفسه الذى يبدو فيه واضحا عدم ارتياح موسكو لتحقيق أى من الطرفين الانتصار على الآخر، وإن تحولت أجهزتها الإعلامية الرسمية على نحو غير مباشر، إلى جانب أرمينيا التى تملك فيها قاعدة عسكرية، فضلا عن العضوية المشتركة فى معاهدة الأمن الجماعي. ومن هنا تظل الأبواب فى المنطقة وربما خارجها أيضا، مفتوحة على كل الاحتمالات. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق