الحديث عن أهمية المسرح التجارى وأثره على خريطة الحركة المسرحية يحتاج كثيرا من التأمل والمتابعة لرصد طبيعة علاقته بالجمهور من جهة وبالفرق المسرحية الرسمية والمستقلة من جهة أخرى.. فعلى مدى التاريخ كانت عروض على الaكسار ونجيب الريحانى ومن بعدها فرقة الفنانين المتحدين ثم فرق محمد صبحى وغيرها شاهدا على صناعة مسرح كوميدى لافت.. بعضها يقدم الاسكتشات الخفيفة المضحكة للجمهور وبعضها يقدم الكوميديا فى قالب دراما ساخر ومأساوى أحيانا.. وفى كل الأحوال الفائز هو الجمهور..

وفى تجربة أشرف عبد الباقى المسرحية نجد حرصا ووعيا شديدا بفكرة صناعة المسرح وليس مجرد تقديم عرض مسرحى يهدف إلى الربح وانتهى الأمر.. ففى الوقت الذى قدم خلاله حوالى 120 عرضا ارتجاليا لفرقة مسرح مصر على مدى سبع سنوات – ظهر خلالها ممثلا مرات معدودة للغاية- كان مهموما دائما بفكرة الاستمرار من جهة.. وفكرة التوسع الأفقى لنشاطه المسرحى من جهة أخرى.. خاصة وانه صار مسئولا عن تشغيل عدد كبير من شباب الممثلين الموهوبين.. فاتجه مرة لمسرح العرائس بعرض «رجالة بلدنا».. ومرة للمسرح الغنائى بعرض على بابا.. بالتزامن مع عروض مسرح مصر.. ثم فاجأ الجميع بتوسع أفقى لفرقته حينما أعاد تجديد مسرح نجيب الريحانى ليقدم عليه عروضا مسرحية طويلة.. بمجموعة أخرى من أعضاء الفرقة.. فأثمرت عرض جريمة فى المعادى.. تلاها عرض اللوكاندة المقام حاليا.. بينما قرر بين هذا وذاك بدء مرحلة جديدة يقفز بمشروعه الفنى من خلالها قفزة للأمام.. فقدم بالأبطال المؤسسين لفرقته عرض صباحية مباركة على مسرح جراند نايل.. وفى هذا العرض يلجأ المخرج أشرف عبد الباقى إلى نص كوميدى طويل من تأليف أحمد عبد الوهاب وكريم سامى.. يعتمد على الطريقة الكلاسيكية لكتابة نص مسرحى من فصلين تعتمد على بداية ووسط ونهاية وحبكة درامية.. وتدور الأحداث حول جريمة قتل لعروسة ليلة زفافها وما يواجهه عريسها من مشكلات خلال محاولته فك لغز الجريمة بمعاونة الجهات الرسمية.. ليكتشف فى النهاية أنه وقع ضحية جريمة نصب.. العرض يعتمد اعتمادا أساسيا على الحوار المكتوب بعيدا عن الارتجال غير المحسوب.. فنرى على ربيع ومحمد أسامة «أوس أوس» يلتزمان حرفيا بملامح الشخصيات المكتوبة لهما.. الأول فى دور العريس عز والثانى فى شخصية المحقق شريف.. بل واستغلا أداءهما الكوميدي فى تفجير الضحك من بين سطور النص وجسدا مع طاهر أبو ليلة «رفعت مساعد المحقق» ثلاثيا مرحا للغاية.. بينما كانت الاستعانة بحسام داغر فى دور فضل زوج أخت عز «على ربيع» فى محلها تماما فقد جسد شخصية الزوج المخدوع والمتردد الأضحوكة بحرفية لا متناهية مستغلا طبقات صوته الحادة والتناقض بين تعبيرات وجهه الطفولية وانفعالاته المبالغ فيها بما جعل الجمهور ينتظرون ظهوره بفارغ الصبر.. ولعب سليمان عيد شخصية فايق والد العروسة المقتولة بخبرة وهدوء شديدين.. فى حين امتلكت ملك ياسر مقومات أدائية خاصة فى دور العروسة نيللى استغلت بها قدراتها فى تقطيع الكلمات والتركيز على مخارج الحروف بطريقة جاذبة للانتباه وكأنها تتعمد تقديم أداء مصطنع يثير الضحك.. واجتهد هانى فاروق فى لعب شخصية «البار مان» بأداء غلب عليه الصمت والتعبير بانفعالات الوجه فلفت الأنظار إليه.. مثلما اجتهدت دارين تامر ونيللى محمود فى دورى شقيقتى عز أو على ربيع.. ولعب المخرج أشرف عبد الباقى على فكرة اللعبة المسرحية التى يسعى لكشف خيوطها للجمهور بين الحين والآخر.. مرة بالفواصل الغنائية على طرف خشبة المسرح لتسلية الجمهور خلال تغيير الديكورات ومرة بإعادة تقديم مشهد ما خلال الدراما بطلب من الممثل.. وهكذا.. بينما كانت أشعار أيمن بهجت قمر الرشيقة وألحان أحمد الموجى العصرية عنصرا مهما من عناصر نجاح غنائية العرض.. وصمم د. محمود سامى كعادته ديكورات بسيطة مناسبة للأجواء الدرامية للعرض ويسهل تغييرها بين المشهد والآخر بأقل مجهود.. ويحسب لأشرف عبد الباقى فى النهاية أنه لم يستسهل الاستمرار فى طريق التمثيل وفقط.. بل قرر اللجوء للأصعب وهو الإخراج والإنتاج المسرحى معتدل التكلفة بسيط الأرباح رغم الإقبال الجماهيرى.
رابط دائم: