استيقظت مبكرًا وعيناى محدقتان انظر إلى الساعة فى إحباط ... أتمنى أن يعود المؤشر إلى اليسار وتتبدل دقائق الصباح إلى ساعات الليل الباردة ... أتحسس الأرض بقدمى كالطفل الذى يبدأ المشى الآن ، منهك أقوم على مراحل بوجه شاحب ... أسير ببطء حتى لا تتفرق عظامى وبرأسى ألف فكرة معقدة لا أجد لها حلا ... أصل لنتائج مجردة ومُرضية، فأحلامى التى عانقتها بالليل لا أجد منها إلا بقايا أعذار فى الصباح ... أتمنى لو النوم والراحة لا يعترفا بالفوارق الطبقية و المادية أو العمرية، وأن يقتنع عقلى بأن الحياة بسيطة وكل ما نتج عنها من تعقيدات ما هى إلا ضوابط اضطر الإنسان اختراعها، وأقرتها المجتمعات والهيئات لتعذبنا جميعًا ... أعتادت الروتين يومياً ، أعلم عدد السلالم التى أصعدها ، عدد الخطوات الثابتة لمحطة الأتوبيس... الطريق لم يتغير ... صوت مساعد السائق وهو يجلجل «واحد معادى واحد معادي... خش رابع جنب أخواتك فى الكنبه اللى ورا ...!»، كل شيء يتحرك فى إطار ثابت ويتكرر بنفس الملامح ، كل يوم أستمع لمكالمات زملاء الرحلة وكأنى أسدد فواتير لا يمكن الهروب من سدادها ، منهم من يشتكى حاله ومنهم العاشق وكثيرًا منهم مثلى يضع سماعة الأذن بدون أن يسمع شيئا ... فقط يريد الهدوء المؤقت كى يتمكن من بدء يومٍ جديد يستطيع فيه أن ينجز ما يمكن إنجازه. ولكن هذة المرة حدث طارئ منعنى من النوم، سيدة فى أوائل الخمسينيات تعبر سنين عمرها فى جُمل مختصرة عبر الهاتف وأنها كانت فى شبابها «آية فى الجمال» يتعجب لها الآخرون، حتى كانوا إذا أرادوا أن يصفوا فتاة بالجمال قالوا عنها جميلة مثل فلانة، وكان ذلك سبباً فى جعلها كالقطة المدللة يتهافت عليها الخطاب منذ الصغر ، وأنها تزوجت زوجها الحالى ولم تشعر نحوه بأية عاطفة ، وكانت تمنى نفسها بأن سوف تحبه بعد الزواج حين تصبح حياتهم مستقرة، ولكن ذلك الشعور لم يتغير بعد الزواج واستمرت مشاعرها حيادية تجاهه وقلبها لم ينبض له بالحب حتى بعد ما رزقت منه بالبنات والبنين، تنظر إليه دائما كالجبل الصامت إلى جوارها وتتساءل فى صمت من أنت .... ومن أنا، وماذا جنيت من رحلتى معك ؟، مضيت معه أكثر من 32 عاما ولم يشعرنى مرة واحدة بلمسة رقيقة أو يهتم بأن يقول لى كلمة حب واحدة، نعم هو شخص طيب القلب ويكن الجميع له بالاحترام ، لكنه ليس الزوج الذى أتمناه ولا أحب الجلوس معه طويلا، كما أنه عديم الشخصية معى وأنا الذى أسيًره كيفما أشاء ولا ينفذ إلا أوامرى ... ولايشغله سوى العمل الذى يذهب إليه وهو فى أسوأ حالاته الصحية، وكأنما لا يطيق الجلوس فى البيت معي..
عندما وصلت محطتى وأثناء النزول دست على قدمها دون قصد فنهرتنى صارخة : مش تفتح يا أعمي…ثم راحت تكيل إلى السباب .. وأنا اندهش من هذه التى تقول عن نفسها آية الجمال!.
رابط دائم: