رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

محمــد على أول رئيـس تحرير فى تاريخ مصر
جورنال الباشا!

محمد بركة;

فى بدايات حكم الباشا «محمد علي» لم يبد اهتماما بالصحافة لكنه فى 1826شعر بأنه لم يعد مسيطرا على مقاليد الأمور وأن شئون الدولة صارت تحتاج إلى طريقة جديدة لإدارتها فقرر «صناعة» صحيفة يستطيع من خلالها متابعة أعمال مديرى المديريات. أراد الباشا أن يستخدم «مطبعة بولاق» على نحو أفضل فطلب من كل دواوين الحكومة فى الوجهين القبلى والبحرى أن يقوموا بإرسال خلاصة أعمالهم كل أسبوع ليتم جمعها وتبويبها وتصنيفها لعرضها عليه وذلك من خلال صحيفة أطلق عليها«جورنال الخديوى» وتم تكليف محمود افندى بجمع التقارير من الأقاليم وعرضها على الباشا من خلال الجورنال واصطحب محمود معه مجموعة من الكتاب ليخرج على أيديهم العدد الأول بالعربية و التركية .

.............................

تلك الواقعة وردت بتفاصيل شيقة ولغة سردية غاية فى العذوبة ضمن كتاب «الملك و الكتابة» الصادر أخيرا فى ثلاثة أجزاء دفعة و احدة عن دار «ريشة» للكاتب و الباحث محمد توفيق الذى يقدم تاريخا بانوراميا مدهشا لعلاقة السلطة بالصحافة فى مصر عبر مئتى عام منذ الحملة الفرنسية على مصر حتى نهاية الألفية الأولى.

تضمنت صحيفة الباشا إلى جانب الأخبار الرسمية والحكومية بعض القصص من «ألف ليلة وليلة» فضلا عن بعض الاشعار و الأمثال من التراث العربي. والمدهش أنه على الرغم من اهتمام محمد على البالغ بالصحيفة فإنه كان أميا لا يجيد القراءة والكتابة باللغة العربية لكنه عين من يقرأ له الصحيفة كل يوم. وفى عام 1828 أدرك الباشا أن «جورنال الخديوى» على حالته لا يصلح لأن يقرأه الناس فقرر أن يصدر صحيفة جديدة يقرؤها كل متعلم على أرض مصر و صدر العدد الأول من صحيفة «وقايع مصر» فى أربع صفحات باللغتين العربية والتركية تحت إشراف سامى أفندى . ربما الأزمة التى واجهت الصحيفة فى بدايتها هى عدم صدورها فى مواعيد ثابتة وصارمة فحينا تصدر الجريدة ثلاث مرات أسبوعيا وحينا تصدر مرة واحدة فى الأسبوع. وفى أحيان أخرى كانت تمر فترة طويلة ولا تصدر الجريدة.

اهتمت «وقايع مصر» بنشر أوامر الحكومة وأخبارها الرسمية وإعلاناتها، هذا إلى جانب نشر الأخبار الداخلية والخارجية التى تهم الناس . لم يكن محمد على يقبل أن ينشر فى صحيفته خبرا دون علمه وموافقته ولم يكن واردا أن يحدث خطأ فى الجريدة التى يصدرها الباشا بنفسه فقد قرر أن يشرف بنفسه، على محتوى الجريدة ولم يكن من الجائز أن تذهب «الوقائع المصرية» إلى المطبعة قبل أن يراجع مادتها بالتفصيل، حيث كان يرسل ملاحظاته للكتاب ويعنفهم إذا لزم الأمر.

فى أحد الأيام لاحظ الباشا نشر بعض الأخبار التافهة من وجهة نظره فخاطب المسئول قائلا : «أخذنا العجب فى درج هذه الحوادث القبيحة فإذا علمتم ذلك فعليكم من الآن فصاعدا أن تدرجوا الحوادث اللائقة بالنشر». كما كان يصدر تعليماته بصرف رواتب العاملين فى الجريدة من قروش ودراهم علاوة على منحهم خبزا ولحما وأرزا وسمنا وملابس حسب فصول السنة!

حين تولى «رفاعة الطهطاوى» رئاسة تحرير الصحيفة، حاول بحسه الوطنى رد الاعتبار للغة العربية وجعل الأولوية لها فى النشر على حساب اللغة التركية، كما حاول إيقاظ روح الانتماء العربى من خلال نشر مقتطفات من القصص و القصائد من عيون الأدب العربي.

يرحل محمد على عن الدنيا ورحيل رفاعة الطهطاوى عن منصبه كناظر للوقائع المصرية لمدة خمسة عشر عاما، عادت الأمور إلى ما كانت عليه وصارت اللغة التركية فى يمين الصفحة واللغة العربية فى اليسار وتم منع نشر القطع الأدبية والقصائد الشعرية والاكتفاء بأخبار حفر الترع وإنشاء الجسور والقناطر وأخبار العزل والتنصيب. وأمر الوالى الجديد »عباس الأول« بأن يتم إلغاء طريقة توزيع الصحف التى صاغها جده محمد على وطلب أن يتم إرسال النسخ إلى حائزى أعلى الرتب العسكرية فقط وبرر الخديو كلامه قائلا: إن الجريدة كانت ترسل لجماعة أمية وسفلة ، فى نظرة تعبر عن منتهى الاستعلاء من الحاكم على الرعية !

وبعد ثلاث سنوات من حكم «سعيد» الذى خلف «عباس» وتحديدا فى عام 1857 بدأ الغضب يتسلل إلى السلطان العثمانى وشعر بأن نفوذ الأتراك قد تقلص فى مصر فأرسلت الحكومة التركية إسكندر شلهوب افندى إلى مصر ودعمته فى إصدار مجلة أسبوعية باسم السلطنة، بهدف الدفاع عن حقوق العثمانيين ونشر الأخطاء التى ترتكبها الحكومة المصرية . وعلى الرغم من وجود شروط واضحة لإصدار صحيفة جديدة وهى أن يوافق الوالى بنفسه على إصدارها وألا تتجاوز فى ما تنشره قوانين الدولة العليا وألا تذكر أى شيء ضد الحكومة المحلية فإن سعيد لم يكترث ووافق على صدور السلطنة لكنها لم تحقق للسلطان ما أراد فلم تستهو المصريين واضطرت للاحتجاب بعد فترة قصيرة، فقد عزف عنها الحس الشعبى العام الذى رأى فيها مجرد أداة للصراع بين «الباب العالى» فى اسطنبول وبين الوالى فى القاهرة . خلف الخديو إسماعيل سلفه سعيد فى حكم البلاد وكانت مصر غارقة فى الديون وبذات المفاوضات تتأزم حول مصير حفر قناة السويس فنصحه «الصدر الأعظم»، الرجل الثانى بعد السلطان العثماني، قائلا : «نصف مصر من أجل إنقاذ النصف الآخر». قامت أغلب الصحف الفرنسية بالهجوم على مصر بسبب توقف العمل فى قناة السويس لكن بعض الصحف انتصرت للموقف المصرى ومنها صحيفة «لى تان» التى نشرت تقريرا حول حقوق العمال فى القناة وأنهم لا يحصلون على أجور عادلة. لم يعان إسماعيل من الصحف التى تصدر فى فرنسا فقط بل عانى أكثر من الصحف الفرنسية التى تصدر فى مصر ومن بينها صحيفة يمتلكها رجل فرنسى يدعى مسيو أنطوان موريس وتحمل اسم «القطر المصرى» أو «ليجيبت» بالفرنسية .

وتأسست الصحيفة فى الإسكندرية لتكون معارضة لإسماعيل وبدأت تسخر من أفكاره وتقلل من أهمية مشروعاته وتهاجم حكومته وتدافع عن رؤية فرنسا فى قناة السويس. وفى شهر يناير عام 1865 أصدر الباب العالى قانونا للمطبوعات يطبق فى كل أنحاء الإمبراطورية العثمانية ويتكون القانون من 35 مادة وتحتوى على الشروط الواجب توافرها فى من يريد إصدار صحيفة جديدة ومنها أن يكون عثمانى الجنسية وألا يقل عمره عن 30 سنة ولم تصدر فى حقه احكام مخلة بالشرف. ونص القانون على حق الأجانب فى إصدار الصحف بشرط أن تمنح أو تمنع الترخيص بدون إبداء أسباب.

وفور عودة الخديو اسماعيل إلى مصر انتقدته صحيفة القطر المصرى الفرنسية، ولم تعد صحيفة «روزنامة الوقائع» التى يصدرها عبدالرحمن رشدى قادرة على الرد عليها . هنا أدرك حاكم البلاد أهمية أن تكون لديه صحف تتحدث باسمه وتعبر عن أفكاره وتصد الهجوم الواقع عليه من الصحف الفرنسية فقرر استعادة صحيفة «الوقائع المصرية» وإنشاء عدة صحف أخرى فأحضر آلات طباعة جديدة على أحدث طراز من أوروبا وأحضر معها الفنيين الأجانب لتعليم الشباب المصريين كيفية التعامل مع آلات الطباعة الحديثة .

بدأ عام 1865 نقطة فارقة فى تاريخ الصحافة المصرية، ففيه صدرت مجموعة من الصحف الرسمية الجديدة وأولاها صحيفة متخصصة باسم «يعسوب الطب» وفى شهر أكتوبر أصدر إسماعيل صحيفة شهرية أخرى باسم «الجريدة العسكرية المصرية» وهدفها نشر المعارف والعلوم وتنوير الأذهان واقتصر توزيعها على الضباط والجنود. وفى العام التالى صدرت فى الإسكندرية مجلة فرنسية أسبوعية مصرية سياسية تجارية أدبية باسم «تقدم مصر» أو «لوبروجريه إيجيبسيان» وتم توزيع العددين الأول والثانى مجانا لتعريف القراء بالصحيفة ولجذب المعلنين، حيث صدرت فى ثمانى صفحات بطباعة أنيقة وحروف متقنة ومالكها هو مسيو جاكان. ولعل أشهر موقف للصحيفة هو حملتها على الخديو إسماعيل، لأنه أراد أن يقوم بإصلاح النظام القضائى المصرى ويومها هاجمت الصحيفة الفرنسية المشروع بدعوى أنه يضر مصالح الأجانب فى مصر. وردت عليها الصحف المصرية وعدت نقدها تدخلا فى الشأن المصري.

وفى أبريل عام 1877 صدر العدد الأول من صحيفة جديدة باسم «حقيقة الأخبار» لصاحبها أنيس خلاط وتحتوى على أربع صفحات وتعتمد بالأساس على نشر الأخبار الخارجية خاصة اخبار الحرب بين تركيا وروسيا التى كانت تعدها بعض الصحف أخبارا داخلية على اعتبار أن الدولة العثمانية تضم مصر وتركيا. وكانت الصحيفة مثل غيرها وقتها لا تنشر إلا الأخبار التى تنتصر لتركيا على حساب روسيا كنوع من الدعاية للأتراك ، مدفوعة الأجر .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق