لم يكن الكشف عن إصابة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزوجته قبل أيام بفيروس كورونا اللعين خطوة هينة على الإدارة الأمريكية أو حملة الرئيس الانتخابية ، ولا سيما فى الوقت الذى بدأ فيه العد العكسى ترقبا لأكبر وأهم انتخابات فى العالم .
فمرض ترامب لم يوجه ضربة قاصمة لحملته الانتخابية فى وقت حاسم فحسب، بل لأبرز القضايا التى يراهن عليها فى أجندته الرئاسية ، ألا وهى «ملف كورونا». فلطالما قلل من خطورة الفيروس المتحور، ومن التعويل على إرشادات التباعد الاجتماعى، وارتداء الكمامة للوقاية من الوباء الفتاك، بالرغم من أن الولايات المتحدة لاتزال أكثر الدول تضررا منه بحصيلة تقارب 8 ملايين مصاب، وأكثر من 215 ألف وفاة.
فالرئيس الأمريكى طالما عول على أكتوبر الحالى لإعادة الزخم لحملته الانتخابية بعد اللكمات المبرحة التى تلقتها طيلة سبتمبر الماضى، بدءا من القبض على مدير حملته براد بارسكال فى فلوريدا ، وتقرير صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية حول تهربه وتلاعبه بضرائب الدخل الفيدرالية طيلة السنوات الماضية، وحتى أدائه المروع فى أولى مناظرته الرئاسية أمام خصمه الديمقراطى جو بايدن، التى قفزت بعدها نسب الدعم لبايدن، بين الناخبين المسجلين، إلى 53% مقابل 39% فقط لصالح ترامب. لكن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن، ليبدأ أكتوبر بلكمة أشد قوة تطرح ترامب أرضا، وتقضى على صورته ، التى كان يروج لها كمرشح أكثر جرأة وقوة فى مواجهة خصمه، الذى يفضل، على حد تعبيرترامب، الاختباء فى قبو منزله خوفا من الوباء، لكون المرشح الديمقراطى يظهر دوما مرتديا كمامته فى كافة الفاعليات الانتخابية.
ولعل ذلك يفسر تصرفات ورسائل ترامب غير المنطقية وغير المفهومة طيلة الأيام الماضية ، منذ الإعلان عن إصابته بكوفيد 19 . فترامب أراد أن يحول نقطة ضعفه الجديدة إلى صالحه، عبر الترويج لقصة نجاحه فى التغلب على الفيروس خلال ما تبقى من حملته بمجرد العودة إليها ليتحدث بعبارات أكثر شخصية تلخص قصة نجاحه. وهو ما ألمح إليه ترامب صراحة ، خلال أحد الفيديوهات التى أطلقها من المستشفى العسكرى حيث كان يتلقى العلاج ، إذ قال « لقد تعلمت الكثير عن الفيروس. لقد تعلمت ذلك من خلال الذهاب إلى المدرسة. هذه هى المدرسة الحقيقية. هذا شىء ممتع للغاية. وسوف أخبركم عنه لاحقا».
كذلك، دعا ترامب ، فى أول ظهور له بعد الخروج من المستشفى متمردا على كمامته، الأمريكيين إلى عدم الخوف من الفيروس ، وعدم تركه يسيطر على حياتهم ، مؤكدا أن الولايات المتحدة لديها أفضل أدوية وأجهزة فى العالم. وفى إطار ذلك، يؤكد آل كارديناس الخبير الاستراتيجى الجمهورى، والرئيس السابق لاتحاد المحافظين الأمريكى أنه «بالرغم من أن العودة لمناقشة الوباء قبل أربعة أسابيع من الانتخابات ربما ليس الوقت المناسب لذلك ، فإن الرئيس الأمريكى يراهن على قدر التعاطف الذى سيحصل عليه نتيجة لجهوده الشجاعة فى العودة إلى مسار الحملة فى ذلك التوقيت». على الصعيد نفسه ، يعد سرعة إطلاق لقاح مضاد للمرض قبل موعد الانتخابات المقرر فى 3 نوفمبر المقبل ، هو المحور الثانى الذى يراهن عليه ترامب فى المرحلة القادمة من حملته ، لإعادة الثقة فى إدارته «الحكيمة» للملف الشائك.
المشكلة أن الوقت حقا لا يحتمل أى تخاذل من جانب حملة ترامب ، فى ظل ذلك التفوق الملحوظ لحملة بايدن فى الآونة الاخيرة وسيطرتها على إعلانات وسائل الإعلام، بينما تعانى حملة ترامب ضعفا كبيرا فى التمويل ، ولا سيما بعد إلغاء الكثير من فاعليات جمع التبرعات بسبب مرض الرئيس الأمريكى.
ولعل ذلك ما دفع حملة ترامب لسرعة إطلاق ما أسموه العملية «ماجا» بمجرد دخول الرئيس الأمريكى مشفاه ، لتضم وكلاء رفيعى المستوى لترامب كأفراد عائلته ، ونائبه مايك بنس وغيرهم للمشاركة فى فاعليات بشكل شخصى، أو افتراضي لضمان استمرار الحملة ، وعدم توقفها فى ذلك التوقيت الحرج.
كذلك دعت الحملة أنصار ترامب أيضا للخروج بقوة، وإظهار الحماس لتأييده ودعمه ، والاحتشاد وراءه لإعادة انتخابه مرة أخرى. فهل ينجح ترامب فعلا فى مهمته «المستحيلة»، أم سيعود البيت الأبيض لأحضان الديمقراطيين مرة أخرى ؟
رابط دائم: