قدم فشل المخابرات الإسرائيلية عام 1973 مثالا فاضحا على فشل الاستخبارات عندما تبنى مجتمعات السياسة والمخابرات حلقة ردود فعل بسبب تحيزاتهم التى تعميهم عن التغييرات فى بيئة التهديد. لذا خلال أكثر من 45 عاما منذ الحرب، ظهرت دراسات كثيرة بالفكر الإسرائيلى والغربى تناقش وتحلل كيفية حدوث ذلك الفشل وأسبابه.
فشلت المخابرات الإسرائيلية فى رؤية الحرب مقبلة عام 1973 لأنها كانت مرتبطة بـ«مفهوم أو عقيدة » تأصلت بالفكر السياسى والعسكرى والاستخباراتى الإسرائيلي. وهى عقيدة آمن بها الرأى العام الإسرائيلى أيضا. لذا كان يتم استبعاد أى إنذارات ومؤشرات حول الحرب لأن «المفهوم » بنى على قناعة بالتفوق الإسرائيلى وفشل العرب لذلك لن يذهب العرب إلى الحرب . كيفية تشكيل هذا المفهوم وتأثيراته السلبية الكبيرة على هزيمة إسرائيل ناقشها بالتفصيل أورى بار جوزيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حيفا فى كتابه «الحارس يسقط نائما: مفاجأة يوم الغفران ومصادرها». يجادل بار جوزيف بأنه فى العامين السابقين للحرب كان هناك إيمان لدى الرتب العليا بالجيش بالتفوق العسكرى الإسرائيلي وأن أى مشاركة عسكرية مع مصر من شأنها أن تنتهى بانتصار إسرائيلى حاسم. أدى هذا الاعتقاد إلى غطرسة مؤسسية كانت عواقبها وخيمة، مبرزا كيف تبنى ذلك إيلى زعيرا مدير المخابرات العسكرية بل كان يعتقد أن دوره إيصال هذا اليقين لكل القادة العسكريين والسياسيين . ولا يعفى وزير الدفاع موشى ديان من المحاكمة فبمجرد اندلاع الحرب كانت هناك أخطاء لوجستية وأخرى فى ساحة المعركة لا علاقة لها بفشل المخابرات. لكنها أظهرت تأثير «التفكير الجماعى» داخل القيادة السياسية والعسكرية برفضهم تقدير احتمالية الحرب على أساس الإنذار المبكر بدلاً من «المفهوم» الذى جعل تكلفة الفشل الاستخباراتى والعسكرى فادحة.
لم تكن نظرة الأمريكيين للعرب وللسادات ايجابية عام 1970، وكانوا مقتنعين بانهم غير قادرين على القيام بأى عملية عسكرية ضد إسرائيل، بينما نجح السادات بخداع الجميع عبر الإنذارات الكاذبة بالداخل والخارج، نجحت حيلة السادات كما يسميها الغرب «الذئب الباكى»، التى تستند على أسطورة ثقافية غربية عن محتال يحذر من خطر غير موجود حيث يُستشهد بالإرهاق التحذيرى فى إدارة الاستجابة العامة للكوارث فبالإضافة إلى «المفهوم» الإسرائيلى الذي جعل الإسرائيليين بغطرستهم ضحايا متلازمة «الذئب الباكى». الأمريكيون كانوا ضحاياها أيضا لأنهم فتنوا بالمفهوم الإسرائيلي. لذا وبدلا من فحص الافتراضات الإسرائيلية، أصبح مجتمع الاستخبارات الأمريكية بمنزلة جوقة تعزف نفس الأخطاء الإسرائيلية.
القضية نفسها حللها تسفى لائير، أحد كبار علماء الدراسات الاستراتيجية الإسرائيليين فى كتابه «حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية»، معتبرا أن الفشل الإسرائيلى لم ينتج عن عدم كفاية المعلومات، ولكن من سوء فهمها وعدم القدرة على التفريق بين المعلومات المفيدة أو الإشارات التحذيرية وبين المعلومات غير ذات الصلة أو «الضوضاء» التى نجحت خطة الخداع المصرية فى تصديرها لتتصدر المشهد فاعتبرتها المخابرات الإسرائيلية معلومات مفيدة فأفشلت تحديد إشارات الإنذار المبكر، محملا المخابرات الإسرائيلية مسئولية الفشل. وهو ما أيده أيضا اثنان من كبار المسئولين السابقين بجهاز الموساد، ديفيد آربيل وأورى نئمان فى كتابهما «وهم مستحوذ من دون غفران» إلا أنهما اعتبرا الأمر كان متعمدا من أجل خوض الحرب كمقامرة لفرض أمر واقع ولكن انقلب السحر على الساحر، مؤكدين أن القيادة العسكرية والسياسية تسلمت تحذيرات حول الحرب، موضحين أن «السعى لتعديل الحدود وإلى تسوية جيو إستراتيجية جديدة دفع لإغلاق العيون على المستوى السياسى والعسكري، فالخسائر الفادحة التى لحقت بالجيش بالأيام الأولى من الحرب لم تحدث بسبب إخفاق أمنى وإنما بسبب فكرة مستحوذة لدى تيار يعتقد أن حدود دولة إسرائيل كما جرى رسمها عام 1948 مأساة للأجيال القادمة لذا يجب توسيعها، فاعتقدوا أن حربا إضافية ستمهد الطريق لدى العالم وعند العرب أيضا لقبول هذا الوضع كأمر واقع».
رابط دائم: