-
القيادة المصرية قررت عدم السماح للعدو بأن يهنأ بما اغتصبه فى 67
-
ضغط العام التدريبى فى 6 أشهر.. والخداع من أهم الخطط
-
الاتحاد السوفييتى لم يستجب لمتطلبات التسليح لمواجهة التفوق الإسرائيلى
رغم مرور 47 عاما على حرب أكتوبر، فإننا مازلنا نكتشف المزيد من أشرارها جديدا لم يكن فى الحسبان، وسنظل نتعلم من دروسها المستفادة ونعلم أولادنا وأحفادنا، وستظل بالنسبة للعالم معركة المفاجآت التى لا تنتهى، وبالنسبة لنا الكنز الثمين والبرهان الكبير على قدرات الجيش المصرى العظيم وعلى أن قياداته لديها من الخطط والاستراتيجيات ما يشغل الباحثين العسكريين فى العالم سنوات وسنوات.
فى حوار لـ «الأهرام»، يقول اللواء دكتور محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، إن النتائج العظيمة لحرب أكتوبر جاءت نتاج جهد وتدريب وتجارب كثيرة وعظيمة، مشيرا الى ان حرب الاستنزاف التى فرضتها القيادة المصرية على أعمال القتال فى منطقة القناة كان لها الأثر الأكبر فى ذلك، حيث تم الإعداد والتجهيز للثأر من الهزيمة واسترجاع الأرض والحقوق فى أقرب فرصة.
وأضاف الغبارى ان القيادة المصرية قررت ألا تسمح للعدو بأن يهنأ بما اغتصبه فى 1967، وأنه يجب وضعه تحت ضغط الحرب يوميا، وذلك بما عرف بعد ذلك بـ«حرب الاستنزاف» بمراحلها الثلاث، وتم الإعداد سواء للقوات أو لمسرح العمليات الجديد تحت ساتر هذه الحرب، وتم تنفيذ أكبر عملية إعادة تجميع قوات مهزومة وتنظيمها فى ميدان المعركة وتحت ضغط العدو، حيث تم احتلال وحدات وتشكيلات موجودة للقطاعات والمناطق الدفاعية لها على المحاور الرئيسية والمهمة، وإعادة تشكيل وحدات وتشكيلات جديدة وإعادة التسليح للجميع فى منطقة القناة.
ويضيف الغباري: تم تجهيز مسرح العمليات من خنادق أفراد ومرابض مدفعية ودبابات ودشم أسلحة خفيفة ومتوسطة وتحصينات الردارات والصواريخ والمطارات وأراضى الهبوط، بداية بالجهود الذاتية والإمكانات المحلية وبالإفراد المقاتلين انفسهم، حتى وصول الدعم بالمواد والتجهيزات الهندسية من القيادة العامة بعد توفيرها من الدولة. وتلا ذلك وصول معدات المهندسين العسكريين اللازمة لاستكمال إعداد المسرح هندسيا، ومن أمثلة الإعداد بالأفراد للدفاع عن النفس حفر ما يسمى بالحفرة البرميلية لوقاية الفرد المقاتل من غارات الطيران وقذائف المدفعية، وهذه الحفر كانت من أفكار الجنود وعمقها 1.5م وقطرها 90سم ــ100سم، وينزل فيها الفرد أثناء الغارات حيث تحميه وتقيه من الانفجاريات نفسها وشظاياها ولكنها لا تحقق له الحماية او الوقاية من الإصابة المباشرة، لأنها تحتاج الى تحصينات لم تكن الدولة تملك اى إمكانات مادية لتنفيذها فى ذلك التوقيت.
وحول عامل التدريب، يقول الغبارى: تم ضغط العام التدريبى وهو عام ميلادى الى ستة أشهر، مع تنفيذ الالتزامات التدريبية المخططة للعام الكامل، اى مضاعفة التدريب، كما تم التدريب على كل ما هو ضرورى للحرب، أى الموضوعات والدروس التى ستنفذ فى الحرب، مثل أسلوب فتح الثغرات على السواتر الترابية والموانع الهندسية لإقامة ممرات العبور، واقتحام مانع مائى وأسلوب مهاجمة النقط الحصينة وأسلوب صد وتدمير الاحتياطيات المدرعة والميكانيكية المحلية والتكتيكية، ثم تم تجهيز مناطق تدريب مشابهة لقطاعات الهجوم للوحدات طبقا لمهمتها بدءا من قطاع العبور والساتر الترابى والموانع الهندسية والنقط الحصينة وطرق ومحاور الاقتراب للاحتياطيات المحلية والتكتيكية والطرق الإدارية ثم التدريب عليها نهارا وليلا مع فرض المواقف المتنوعة الطارئة التى يمكن ان تؤثر على تنفيذ المهمة والتدريب على حلها ومجابهتها.
وأضاف: كما تم التدريب على مهام العمليات وكان يتم تنفيذ الخطة الدفاعية عن غرب القناة لجميع الوحدات والتشكيلات طبقا للمهمة المكلفة بها الوحدة او التشكيل وخاصة الأهداف الحيوية المهمة داخل نطاق المسئولية وفى نطاق الجبهة الداخلية ولرفع الروح المعنوية المتبادلة بين الجيش والشعب، وذلك كان يحدث دوريا حتى اعتاد العدو الاسرائيلى هذا الروتين، مما ساعد بعد ذلك فى خطة الخداع الاستراتيجى بكثرة التحركات للقوات وفى اتجاهات مختلفة. وتحت ساتر هذه التدريبات، كان يتم تدريب عناصر أخرى على عبور قناة السويس فرديا ليلا فى البداية، وكانت تتم كمسابقة بين المقاتلين كل ليلة على من يعبر فى صمت ويخترق الموانع بمفرده ويتسلل الى أطراف النقطة الحصينة ويفتح ثغرة او ممرا فى الموانع الهندسية ويستولى على اى متاع للجنود الإسرائيليين ويعود به حتى يفاجأ الجنود الإسرائيليون فى الصباح بضياع احد أمتعتهم، وبالبحث يجد آثار المتسلل من القناة فيزرع الرعب فى قلوبهم ويزيد من توترهم.
استمر هذا التدريب مع زيادة عدد الأفراد كل فترة زمنية حتى اعتاد المقاتلون المصريون على العبور ومفاجأة الإسرائيليين وإحداث الخسائر المباشرة من قتل او اسر احد جنود أو زرع الألغام للدوريات الإسرائيلية او عمل الكمائن لها. ووصل التدريب الى التنفيذ بجماعة مشاة ثم سرية مشاة كاملة وعلى المهمة التى ستنفذها فى قطاع مسئوليتها فى الحرب المقبلة، حتى كانت المفاجأة الكبرى وهى عبور كتيبة مشاة كاملة بدعمها على موقع حصين فى القنطرة شرق مكون من عدة نقاط حصينة وتمت السيطرة عليه وعزله من الإمدادات لمدة ست ساعات كاملة والعودة الى الغرب بلا خسائر تذكر.. وهكذا تم فك رهبة العبور وأسطورة الموانع التى لا تخترق ومستوى الجنود الإسرائيليين الذين أشيع انهم لا يقهرون، وهنا كانت الثقة فى ان النصر قادم قادم بإذن الله.
وقال اللواء الغبارى : وصلت التدريبات إلى حد الاشتباك المدبر مع العدو كتدريب حى على تدمير النقط الحصينة، خاصة الموجودة على محاور الهجوم المنتظرة من الغرب بواسطة الضرب المباشر بالدبابات وغير المباشر بالمدفعية لتدمير تلك النقاط واستخدم أسلوب مبتكر وبما يتلاءم مع شكل وتحصين تلك النقط ومواقعها، وتم اختيار أفضل توقيت وهو قبل الغروب بالحيز الزمنى المطلوب للمهمة، على ان ينتهى الاشتباك مع الغروب ذاته وذلك لوجود الشمس على خط الأفق فى مواجهة المعدات البصرية للإسرائيليين فتحدث الزغللة وعدم وضوح الرؤية وتصعب من عمليات الرد وجدية الاشتباكات مع قواتنا، وكانت عملية التدمير تتم بدبابتين «جى اس» الثقيلة ذات المدفع عيار 122مم ضرب مباشر، كل دبابة على زاوية او ركن من النقطة حتى يتم هدم الركن تماما، وذلك فى حراسة من 3ــ4 دبابات متوسطة للتأمين والاشتباك مع الدبابات المعادية فى حالة توقعها للاشتباك وتدخلها، وقد كان لى شرف تنفيذ العمليات الخاصة بالنقط الحصينة فى مواقع الدفرسوار لتمركزى فى منطقة مطار الدفرسوار، وكان العدو فى مواقع أعلى من مواقعنا، ولكننا بالمناورة وحسن التدريب والخداع المستمر وبطرق مختلفة كنا نتفوق ونسيطر وننفذ مهامنا والدليل خسائره، وبعد إيقاف النيران ومحاولات السلام لم ينجح العدو فى استعادة كفاءة معداته لشدة التدمير الذى لحق بها وكم كانت سعادتنا بالنجاح سواء لمستوى التدريب الذى وصلت اليه قواتنا او للإحباط الذى أصاب العدو وكسر غطرسته.
ويقول الغبارى: وضعت الإستراتيجية العسكرية على أن تكون إستراتيجية هجومية تستهدف هزيمة التجميع الرئيسى للقوات الإسرائيلية فى سيناء وطبقا للإمكانات والموارد المتاحة للقوات المسلحة وفى تنسيق تام مع سوريا. وتضمنت الأهداف الإستراتيجية هزيمة التجميع الرئيسى لقوات العدو فى سيناء وهضبة الجولان السورية والاستيلاء على خطوط ومناطق حيوية ذات أهمية إستراتيجية تهيئ أنسب الظروف لاستكمال تحرير الأراضى المحتلة.
وأضاف الغبارى: من أهم الخطط كانت خطة الخداع التى تضمنت إخفاء نية الهجوم، واستمر تنفيذ خطة خداع عدة أشهر، بتنفيذ تحركات عسكرية كثيرة، تحت ستار التدريب، مع التغيير المستمر فى حجم القوات، كما تم إنهاء خدمة 20 ألف فرد، قبل العمليات بـ 48 ساعة وتم تحريك معدات العبور، من الخلف للجبهة، تحت ستار الليل كما نفذت وسائل الإعلام، والجهود الدبلوماسية والسياسية، مهامها فى الخطة بإتقان وكفاءة عالية.
وشملت أهداف الخطة تدمير الجزء الأكبر من القوات الإسرائيلية و إضعاف قدرات العدو الجوية، وشل فاعليتها، فى مسرح العمليات و شل وإرباك قيادة العدو، لفترة زمنية مناسبة لتحقيق النجاح فى العبور والتغلب على «خط بارليف» وعرقلة التحركات، وحرمان العدو من القدرة على المناورة، والعمل ضد جبهة عربية واحدة، وإجباره على العمل ضد أكثر من جبهة، فى وقت واحد، كما سعت القيادة العامة الى حل المسائل التكتيكية والمشكلات الإدارية والفنية التى تعوق أو تعطل عملية العبور واقتحام المانع المائى وتدمير «خط بارليف» فتمت الدراسات العلمية والميدانية التى تعالج تلك المسائل او المشكلات.
وحول المسائل التكتيكية والمشكلات الإدارية والفنية التى كانت القيادات تخشى أن تكون سببا فى تعطيل عملية العبور وأساليب التغلب عليها، يقول الغبارى: المسألة الاولى كانت تتمثل فى قوة وسيطرة الكيان الاسرائيلى وتفوقه على المصرى بسبب الفارق التكنولوجى فى معدات الطيران (غربى وشرقى) وإحجام الاتحاد السوفيتى عن إمدادنا بالطائرات الحديثة ذات المدى الكبير والقادرة على تنفيذ المهام الهجومية فى عمق العدو، وقد تغلبنا على هذه المسألة بتقوية عناصر الدفاع الجوى بأحدث الصواريخ المضادة للطائرات (ذاتية الحركة ــ محمول على الكتف) وبتكثيف التجهيز الهندسى وأهمها الحفر البرميلية لوقاية الأفراد.
وتمثلت المسألة الثانية فى ان طبيعة الأرض غرب وشرق القناة كانت تتكون نتيجة عمليات تطهير قناة السويس، حيث يتم التخلص من ناتج الحفر على الضفة الشرقية للقناة، مما جعل الأرض فيها اعلى من الأرض غربا وأصبح عمل القوات المصرية مكشوفا، بالإضافة الى صعوبة رصد اعمال القوات الإسرائيلية.. كما ان القوات التى ستعبر القناة وقت الحرب ستعبر تحت ستر وتأمين عناصر من غرب القناة، فكان الحل إنشاء تباب ترتفع أعلى من الساتر الترابى فى شرق القناة وسميت بـ«المصاطب»، وتم إنشاء مرابض للدبابات والصواريخ المضادة للدبابات وكذا عناصر من الدفاع الجوى وبذلك تحقق القدرة على استطلاع اعمال القوات الإسرائيلية وتحركاتها شرق القناة وتأمين اعمال العبور للقوات المصرية بعد ذلك.
ويتابع مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق: المسألة الثالثة تمثلت فى ان أجناب قناة السويس لا تصلح لعمليات الإبرار وإنشاء كبارى العبور، حيث، كل جانب يتكون من الواح من الصلب تبطن بها أجناب القناة حتى مستوى سطح الماء وهو اقل من سطح الأرض بمسافة من 2ــ3 أمتار تغطى بجدار خرسانى ودبش طبقا لطبيعة تربة المكان، وتمت الدراسة وخرجت بنتائج تحقق أفضل ما يمكن وهى أن دراسة حركة التيار والمد والجزر فى القناة تؤكد ضرورة اختيار وقت اعلى مد لتقليل الأعمال الهندسية المطلوبة لإنشاء ساحات الإسقاط لمعدات العبور وبالتالى يمكن التجهيز لساحات كثيرة للإخفاء والتمويه، حيث ستحتاج الى تكسير فى تكسية القناة وان يكون العمل لإظهار هدف آخر غير المراد، وأيضاً إيجاد حل لمطالع الضفة الشرقية من مياه القناة حيث اعتمد على ما ستقوم به مضخات المياه لفتح السوتر الترابية ونزولها لمياه القناة، ولن تحتاج الا لمجهود قليل لتكون مراسى للكبارى والمعديات والمعدات البرمائية الاخرى.
وتضمنت المسألة الرابعة التدريب اللازم وإن كان شاقا وغير نمطى، ولكن تم اختيار مبدأين من مباديء التدريب، هما التدريب على كل ما هو ضرورى للحرب، والثانى التدريب على ارض وأهداف مشابهة اولا، وهو التدريب على كل ما هو ضرورى للحرب وإن ما يحمله الفرد المقاتل أثناء تقدمه لتنفيذ المهمة القتالية تتنوع بين معدات للوقاية مثل سلاحه الذى يقاتل به كفرد «الار بى جي» وسلاحه الشخصى والذخيرة اللازمة لهما ومهمات الوقاية من الأسلحة الكيماوية وتعيين قتال ليوم وكوريك او أزمة للحفر وشدّة خفيفة بالإضافة لعدد من القنابل اليدوية الهجومية أو دفاعية وهذا الحجم من المهمات سيكون عائقا ويحد من قدرة المقاتل على المناورة والحركة، ولذا تم اختراع جاكت اطلق عليه اسم «جاكت العبور» صمم به جيوب بحجم مفردات المهمات كل على مقاسه و توزيعه بما يحقق التوازن على الجسم، كما تم التوصل من تجارب التدريب وتكراره الى سلم العبور من حبال وعقل خشب لصعود الساتر الترابى المتهايل، بالإضافة الى موضوعات كثيرة مثل ضرورة تعلم السباحة وأفضل أسلوب للتجديف والتدريب عليه وأفضل طريقة لحمل القوارب والاقتراب بها الى الشاطيء وكذا طريقة الركوب فيها والنزول منها.
والمبدأ الثانى وهو التدريب على أرض مشابهة لأرض المعركة، لأن المانع المائى لقناة السويس وأسلوب الدفاع عنه بالنقط القوية والحصينة وطبيعة الأرض على الضفة الشرقية التى سيتم الهجوم عليها كان يمثل درجة عالية من الصعوبة، لذا وجب التدريب عليها وبجدية وتم اختيار مناطق تتشابه مع مسرح العمليات لشرق القناة واختيار أماكن على نهر النيل والترع الكبيرة شرط أن يكون لها ظهير صحراوى مثل ترعة الإسماعيلية وعرض النيل يحقق نفس عرض قناة السويس، وتم بناء نقط قوية وحصينة وطرق الاقتراب اليها فى الشرق بالإضافة الى محاور الاقتراب للنقطة القوية ومدقات السير عليها وحقول الألغام ومستودعات النابالم ومواسيرها تحت مياه القناة وتوقيتات غيار القوات بالنقطة وكذلك الإمداد الادارى واحتمالات الهجوم المضاد بالاحتياطيات المدرعة القريبة وأسلوب عزلها وعدم تمكينها من الاتصال بالنقطة القوية او الحصينة، وهذا النموذج كان يبنى لكل وحدة طبقا للقطاع الذى ستهاجم وتعبر منه وتأخذ الوحدة وقتها فى التدريب على العبور والاقتحام مع التكرار وتعديل الأسلوب والطريقة للوصول الى افضل طريقة واقلها خسائر محتملة لتكون هى المنهج فى التنفيذ لتحقيق النصر.
وأضاف اللواء الغبارى، أن خطة الخداع الاستراتيجى بنيت على أساس أن اى عمليات عسكرية لابد ان يتوافر لها عنصرا المفاجأة والمبادأة حتى تستطيع ان تسيطر على ميدان الحرب او المعركة، لذا تم وضع خطة الخداع هذه على المستويين الاستراتيجى والتعبوى للتغلب على مشكلة الخسائر المنتظرة والتى قدرها الخبراء الروس 30% من قوة اى وحدة منفذة لعبور المانع المائى و30% لنفس الوحدة لاقتحام الساتر الترابى والنقط الحصينة لخط بارليف الحصين، اى اجمالى خسائر الوحدة تصل الى 60% من قوة الوحدة فى حين ان المعلوم فى قوانين القتال لجميع العقائد القتالية، ان الوحدة اذا فقدت 40%من قوتها خسائر تخلى الى الخلف ويعاد استكمالها واستعادة كفاءتها القتالية اى ان الوحدة التى تفقد 60% تخرج من حسابات القتال نهائيا.
اللواء محمد الغبارى
رابط دائم: