فرحانة حسين، الشهيرة بـ «أم داود» تجاوزت الـ 90 عاما، ولكن التقدم فى العمر ومتاعب الحياة لم تنسها تفاصيل رحلتها بالصفوف الأولى للمناضلات المدافعات عن أراضى سيناء فى مواجهة العدوان الإسرائيلى.
فى زيارة الأهرام لمنزل «أم داود» بمناسبة حلول الذكرى الـ 47 لنصر أكتوبر وبوصفها من آخر مناضلات سيناء الباقيات على قيد الحياة، اتضح أن نشاطها النضالى لم يتوقف، هو فقط اتخذ أشكالا جديدة. فتحكى «أم دواد»، وهى من قبيلة «الرياشات» الشهيرة بين قبائل سيناء، عن ذكريات النضال البعيد والتى أعدتها الأقدار لها إعدادا.
فتكشف كيف أنها اتسمت منذ سنوات صباها بالعقل الراجح والصلابة والذاكرة المنتبهة لأدق التفاصيل.
وتقول: « كنت موطن ثقة أفراد قبيلتى وأهلنى ذلك للنجاح فى تجارة الأقمشة، فكنت أقطع المسافة سفرا بين مصر والأراضى الفلسطينية المحتلة لإدارة تجارتى فكنت من القلة النسائية التى تجاوزت العادات والتقاليد الصارمة للحياة البدوية».
وعن انضمامها إلى العمل الوطنى، تكشف «أم داود» كيف أن ذلك لم يكن بالأمر الهين، فتقول: «تم إخضاعى أولا للمراقبة من جانب المخابرات الحربية للتأكد من ولائى وانتمائى الوطنى، حتى تم اختيارى فشعرت بالفخر وعظيم المسئولية».
وعن المرحلة التالية، تحكى المناضلة السيناوية كيف أنه بدأ تدريبها على حيل وآليات الرصد وجمع المعلومات عن المعسكرات الإسرائيلية، فتقول: «رغم عدم إجادتى القراءة والكتابة، إلا أننى كنت أتمتع بذاكرة قوية قادرة على حفظ الأرقام والحروف، حتى اننى تمكنت من الحصول فى مرة من المرات على مخطط لمطار الجورة الذى كانت القوات الإسرائيلية تسعى لتشييده فى وقتها. كما تمكنت من تصوير واحدة من القواعد الإسرائيلية بشمال سيناء، مؤكدة بفخر أنها نجحت فى مهام عجز عنها الرجال.
وكثيرا ما نقلت «أم داود» رسائل إلى العناصر الوطنية المقاتلة، حيث كانت تنقش بقطعة قماش مثبتة بثوبها السيناوى. وتحكى كيف أنها فى إحدى المرات كانت تصطحب نجلها ذا الأربعة أعوام لعبور واحد من الأكمنة الإسرائيلية، وإذا بالطفل الصغير يشير إلى الرسالة المثبتة بثوب والدته، لتبادر الأخيرة بضربه فيصرخ باكيا، محدثا ارتباكا بين أفراد الكمين الذين لم يتنبهوا إلى إشارات الطفل.
ولكن المخاطر التى واجهتها «أم داود» لم تنته هنا، فتحكى كيف أنه تم إلقاء القبض عليها من جانب القوات الإسرائيلية فى محاولة للضغط عليها لإجبارها على الإرشاد عن أحد المناضلين من أفراد قبيلتها، وهو ما تصدت له وحالت دون تحقيقه.
تلك الحكايات وأكثر، تعكف «أم داود» على روايتها للجميع، مؤكدة دوما أهمية قيم الولاء والإخلاص فى حماية الوطن، مشددة على أن أهالى سيناء سيظلون جبهة الدفاع الأولى أمام محاولات العدوان والتسلل الخارجى. وتواصل المناضلة العجوز حكاياتها وهى تعكف على أعمال التطريز السيناوى الذى تمتهنه منذ خمسة عقود، ويشكل مصدر الدخل الأساسى لها.
ومن جانبه، يؤكد عبد المنعم، أحد أنجال المناضلة الكبيرة والقائم على رعايتها حاليا، فخره بـ «أم داود» مؤكدا أنها مثال تكرر بين سيدات سيناء. وان دور مناضلات سيناء لا يقل بأى شكل من الأشكال عن دور العسكرى الذى يواجه حاملا سلاحه. ويعرب عن أمله فى أن يتوارث أبناؤه وأبناؤهم روايات الجدة والقيم التى تحاول غرسها، بحيث يصبحون مواطنين قادرين على فداء وطنهم وحمايته.
رابط دائم: