قبل سنوات ليست بعيدة كانت الولادة حدثا عاديا يتم فى البيوت على يد طبيب أو قابلة متخصصة تحمل تصريحا بمزاولة المهنة من وزارة الصحة، ثم أصبحت الولادة تتم فى المستشفيات لكنها كانت طبيعية ولا تجرى الجراحات القيصرية إلا فى أضيق الحدود وعندما تستدعى الضرورة الطبية لذلك, اليوم وفى الوقت الذى ترى منظمة الصحة العالمية النسبة العادية للجراحات القيصرية يجب ألا تزيد على 15% فى أى مجتمع إلا أنها وصلت فى مصر إلى نسبة 52% حسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة.
الأسباب متنوعة والاتهامات متبادلة مابين «بيزنس» المستشفيات ودلع الامهات وخوفهن من تأثيرات الولادة الطبيعية، وظنا منهن أن الولادة القيصرية أسهل وأسرع.
ووسط هذه النسب العالية والأرقام المفزعة ظهرت تقريبا فى الأفق مهنة جديدة للتشجيع والتدريب على الولادة الطبيعية هى مهنة «الدولا» وهى مهنة جديدة نوعا ما فى مصر ظهرت قبل عشر سنوات وما زالت أعداد من يمارسها محدودة برغم أنها مهنة معروفة عالميا ولها برامج تعليمية علمية معترف بها دوليا واصلها كلمة لاتينية معناها مساعدة المرأة ورعايتها طوال فترة الحمل وبعد الولادة .
وتقول نور أمام ان علاقتها بمهنة «الدولا» بدأت بعد أن وضعت ابنتها «صفية» بعملية قيصرية وتعرضت خلال فترة الحمل والولادة لمتاعب متعددة ثم عانت من فترة اكتئاب ما بعد الولادة لمدة طويلة وتلقت علاجا نفسيا، ولأن حياتها كانت قد توقفت تقريبا خلال مدة الحمل والولادة والاكتئاب فقد بدأت فى البحث عن معلومات من خلال الانترنت وبالصدفة تعرفت على احد المراكز الكندية لتدريب «الدولا» وتلقت تدريبا لمدة خمسة أشهر ثم فكرت أن اغلب السيدات فى مصر لديهن نقص شديد فى المعلومات عن أنفسهن وعن خياراتهن الطبية ومعلومات مغلوطة عن الولادة القيصرية والتعامل معها على أنها جراحة بسيطة وغير متعبة مثل الولادة الطبيعية ولذلك قررت احتراف مهنة «الدولا» وتضيف: دورى يبدأ منذ الشهر الثامن للحمل تقريبا وخلاله ألازم الأم الحامل وأكون تحت تصرفها فى أى وقت فبإمكانها الاتصال والسؤال فى أى وقت عن أى شئ تريده وأن اعرفها خياراتها الطبية واشرح لها ما هى الولادة وكيف تحدث وما هى مقبلة عليه وما هى التدخلات الطبية المتوقعة وأهدئ من روعها وأدربها على تمرينات التنفس والراحة والتدليك وعلى التعامل الصحيح مع الطلق حتى تضع حملها وأكون معها فى المستشفى منذ البداية وأوفر لها البيئة الملائمة التى تساعدها على ولادة آمنة فلا أحد يدخل غرفتها إلا المتخصصون وبأقل عدد ممكن وأحرص على أن تكون درجة الإضاءة فى غرفتها مناسبة ودائما ما أطلب من السيدات أن يحضرن الأشياء المحببة لديهن من المنزل كى تكون فى بيئة مريحة تماما تساعدها على الولادة بدون مضاعفات. وتؤكد نور: «الدولا» لا تتدخل فى قرارات الطبيب فهو فقط من يحدد التدخل الطبى الملائم لحالة السيدة اشرح للسيدة ما سيحدث لها واطمئنها واحاول التقليل من توترها وبعد الولادة أصاحبها حتى أتأكد من أن الطفل أصبح قادرا على الرضاعة الطبيعية وأن كل شئ تمام.
وتقول: الخطأ الأول الذى ترتكبه اغلب السيدات هو الذهاب للمستشفى مع أول «طلق» فى حين أن الآم الطلق قد تستمر عدة أيام وعند الذهاب للمستشفى تصبح أكثر توترا وتزداد صعوبات الولادة الطبيعية ويصبح المتاح هو الجراحة القيصرية. الخطأ الثانى هو الجهل المروع الذى تعانى منه أغلب البنات عن أنفسهن وطبيعة أجسامهن ومخاوف مبالغ فيها عن الولادة الطبيعية وآلامها ومعتقدات لا أساس لها من الصحة عن تشوهات الجسم أو الأعضاء التناسلية. لم تكتف نور بدورها كـ»دولا» ولكنها أطلقت مدونة خاصة لتوعية البنات والسيدات بكل ما يتعلق بجسم المرأة ومراحل الحمل والولادة
د.هناء ابو القاسم
د. هناء ابو القاسم استشارى طب النساء والولادة واحدة من أوليات من تحمسن لمهنة «الدولا» واستعانت بهن من خلال مركز لتدريبهن افتتحته «دولا» امريكية فى الاسكندريه لكن توقف نشاطه بسبب قيود السفر وجائحة كورونا وهى اليوم تكتفى بتدريب الحوامل وأزواجهن وتعريفهم بمراحل الولادة ونمو الجنين بالإضافة إلى التمرينات المساعدة للمرأة عن طريق عدد من المتخصصات سواء من تلقين تدريبهن فى مصر أو عن طريق الانترنت وتفضل استخدام مصطلح الولادة الآمنة وليست الطبيعية فلا أحد يستطيع ان يتنبأ بنوع الولادة أو المضاعفات التى قد تحدث لكن من حق السيدة الحامل أن تحصل على الرعاية الكاملة والمعلومات الكافية لتصل إلى مرحلة الولادة سواء كانت طبيعية أو قيصرية وتكون لديها فكرة كاملة عن تجربة الولادة التى ستخوضها.
ولكن حتى الان عدد العاملات فى هذه المهنة محدود جدا ولا تعارض بين عملها وعمل الطبيب بالعكس فهى لا تتدخل فى عمله على الإطلاق ولا تتخذ أى قرارات طبية فالقرار الأخير هو للطبيب ولا أحد غيره.
وتقول د. هناء ان هناك حالة من الخوف والهلع لدى السيدات من الولادة الطبيعية ترفع من معدلات الولادة القيصرية بسبب ثقافة التخويف حتى فى السينما والدراما كما لو كانت عملية تعذيب رغم أنها تجربة سعيدة لا تنسى وهى تصف الولادة الطبيعية بالمعجزة وبالسعادة التى لا توصف بالنسبة لها كطبيبة فبين الآلام والصراخ والجو المشحون ينتهى كل هذا فى لحظة ويتحول إلى جو من الفرح والسعادة والابتسامات بمجرد خروج المولود وبمجرد أن تحمله الأم بين ذراعيها تنسى كل لحظات الألم، وهى تجربة لا تزال تشعرها بالانبهار رغم مرور كل هذه السنوات على عملها كطبيبة. الغريب كما تقول فليست البنات فقط هن من يشعرن بالهلع من الولادة الطبيعية بل أن الأمهات أنفسهن أصبحن يشجعن بناتهن على الولادة القيصرية وقد تأتينى احداهن وتقول لى «بنتى مش هتستحمل الالم خليها تولد قيصري» رغم أن الأم نفسها ولدت طبيعيا.
ولا ترى د. هناء أن الأمر يتعلق بـ «بيزنس» المستشفيات أو انتهازية الأطباء ففى الأصل الولادة ليست دور الطبيب وليس من المنطقى أن يتفرغ الطبيب يوما كاملا أو يومين أحيانا كى يكون بجوار السيدة الحامل وتلتمس العذر للأطباء ففى الخارج مهمة الولادة تتولاها الـ«ميدوايف» فى المستشفيات وهى ليست مجرد ممرضة بل هى قابلة متخصصة تدرس لمدة خمس سنوات كى تتخصص فى الولادة لكنها لا تجرى عمليات جراحية وتتولى تقديم الدعم للسيدة الحامل قبل الولادة مثل تمرينات التنفس والتدليك والدعم النفسى لها وإجراء الولادة الطبيعية ويقتصر تدخل الطبيب على الحالات الصعبة والمستعصية وهذا النوع من الدراسة او التخصص غير موجود عندنا بما يعطى أهمية أكبر لمهنة الدولا التى هى ليست قابلة أو داية بالمعنى الشعبى الدارج بل هى مساعدة ومدربة للحامل ومثقفة وتراها مهنة إنسانية فى المقام الأول لأنها تستهلك وقتا كبيرا من الدولا وتقوم بدور لا غنى عنه فى حياة اى سيدة حامل.
رابط دائم: