المصالحة وعودة النازحين وتقاسم السلطة ودمج المتمردين بالجيش.. أبرز بنود الاتفاق
رحبت مصر بالتوقيع النهائى على «اتفاق جوبا للسلام» بين الحكومة الانتقالية لجمهورية السودان والجبهة الثورية والحركات المسلحة، أمس، مشيدةً بالمساعى الصادقة والحثيثة التى بذلتها الوساطة الجنوب سودانية من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.
وبتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، شاركت مصر فى مراسم توقيع اتفاق السلام التاريخي، عبر وفد رفيع المستوى يترأسه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ويضم الوزير عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، كما وقعت مصر كشاهد على اتفاق السلام التاريخى.
وفى مستهل كلمته خلال المشاركة فى مراسم التوقيع النهائي، نقل الدكتور مدبولى إلى الحضور تحيات الرئيس السيسى وتهنئته ومباركته، بمناسبة التوقيع النهائى على اتفاق السلام الشامل. وأكد رئيس الوزراء أن «هذا الإتفاق يشير إلى بداية عصر جديد للسودان الشقيق، يملؤه الأمل فى الاستقرار والرخاء، لافتاً إلى أن مصر تُقدر الجهود الجادة والحميدة التى قامت بها دولة جنوب السودان الشقيقة، منذ انطلاق منبر جوبا التفاوضي، وحتى اليوم الذى يتوج بتوقيع اتفاق السلام النهائي». وأشار مدبولى إلى أن مصر طالما دعمت منذ البداية هذا المنبر، بل أعدت وشاركت فى التأسيس له، بدعوة الأشقاء فى الحركات المسلحة السودانية لترتيب أوضاعهم وتأكيد النية على تحقيق السلام فى مؤتمر العين السخنة عام ٢٠١٩.
كما أكد رئيس الوزراء، على اقتناع مصر بأن تنفيذ الاتفاق الشامل للسلام فى السودان يعدُ أكثر أهمية من التوقيع عليه، مشيراً إلى ما يحمله ذلك من التزامات سياسية، واقتصادية، وتنموية، وأمنية، واجتماعية، تحتم على الأطراف الموقعة كافة، بل تفرضُ على كافة الحريصين على مصالح السودان، فى المجتمعين الإقليمى والدولي، بذل كل جهد ممكن دعماً لاستحقاقات ما بعد السلام.
كما أعرب مدبولى عن عزم مصر الراسخ ـ كما كان عهدها دائماً ـ على استمرارالعمل مع أشقائها فى السودان، من أجل تعزيز مختلف أوجه الشراكة القائمة بين البلدين الشقيقين، فى إطار الروابط الأزلية الممتدة بين شعبيها، وعلى النحو الذى يُجسد كافة آمال التنمية لشعبى مصر والسودان. وأضاف: اجتماعنا فى هذا الحفل هنا فى جوبا، إنما يؤكد على إمكانية تجاوز كل خلاف، وبناء علاقات تعاون قائم على المصالح المشتركة بين الأشقاء الأفارقة جميعاً، أملأً فى أن يعزز ذلك من قدرة قارتنا السمراء الغنية العامرة بالموارد والثروات، على حل مشاكلها وتعزيز التنمية والرخاء فى ربوعها. وفى ختام كلمته هنأ رئيس الوزراء الأشقاء فى السودان، وجنوب السودان، وفى قارة أفريقيا، والعالم أجمع، بهذا السلام الشامل الذى يعبر عن الإرادة الأفريقية الرشيدة، الطامحة فى العدل، والديموقراطية، والاستقرار.
ووسط إجراءات أمنية مشددة، واحتفالات شعبية شاركت فيها أطياف متعددة من أبناء دولتى السودان وجنوب السودان، فى جوبا عاصمة الجنوب أمس، دشن السودان عهدا جديدا من السلام بتوقيع الحكومة السودانية، وقادة الحركات المسلحة المكونة للجبهة الثورية اتفاق السلام النهائي، الذى من المرتقب أن ينهى الحروب الممتدة فى السودان، ويعيد تشكيل المشهد السياسى فى الخرطوم، ويفتح الباب لمشاركة واسعة فى الحكم الانتقالي، بما يعزز استقرار السودان.
ويتضمن الاتفاق التاريخى اتفاقيات تتعلق بتقاسم السلطة، وملكية الأراضي، والتعويضات، والمصالحة، فضلا عن عودة النازحين من ديارهم خلال ١٧ سنة من الصراع، كما ينص على تفكيك القوات المتمردة ودمجها فى الجيش الوطني.
ورفرفت أعلام السودان فى شوارع جوبا عاصمة الجنوب، التى تزينت بأبهى حلة لاستقبال المناسبة التاريخية، كما ازدانت ساحة الحرية وسط المدينة للاحتفال بالسلام فى السودان، الذى شارك فيه أبناء الشعبين، عبر احتفالات غنائية وشعرية، مما عكس قناعتهم بأن السلام والاستقرار فى البلدين مرتبط ببعضه البعض، رغم انفصال البلدين من قرابة ١٠ أعوام، باستقلال جنوب السودان وإقامة دولته عام ٢٠١١، لكن المواطنين فى الدولتين لا يزالون يؤكدون على عمق الروابط والمصالح، والمصير المشتركة. وحضر مراسم الاحتفال التى رعتها دولة جنوب السودان برئاسة الرئيس سلفا كير ميارديت، أركان الحكم فى السودان، يتقدمهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك ووزراء وأعضاء مجلس السيادة، وشارك فى الاحتفال بالتوقيع رؤساء تشاد وجيبوتى والصومال، ورئيسا وزراء اثيوبيا وأوغندا، ووزير البترول الإماراتى ووزير الشئون الأفريقية السعودى ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى وممثل الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ومبعوثو دول الترويكا والمبعوث الأمريكي، ومبعوثون وممثلون لدول وهيئات عربية وأفريقية ودولية.
وتم على هامش الاحتفال تكريم رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت من قبل منظمة السلام العالمية باعتباره رجل سلام وقيادة رشيدة وله قدرات فى حل القضايا السودانية. وقال عمر قمر الدين وزير الخارجية السودانى المكلف لـ»الأهرام» إن توقيع اتفاق السلام السودانى فى جوبا سيضع حدا لمعاناة الشعب السوداني، ويفتح صفحة جديدة تنهى الحروب التى استنزفت موارد السودان وإمكاناته، وسيكون دعما كبيرا للحكم الانتقالي، وقال إن الحكومة السودانية حريصة على إكمال مسيرة السلام مع حركتى عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور.
ومن جانبه، أكد ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية لـ»الأهرام» أن الفرصة الحالية التى يتيحها توقيع اتفاق السلام فى السودان غير مسبوقة، ومغايرة تماما لكل أوضاع السودان السابقة، وتتجه إلى معالجة قضايا البناء الوطني، وإعادة بناء السودان وتحقيق إصلاحات حقيقية.
وأضاف عرمان: توقيع اتفاق السلام السودانى سيكون له انعكاس إيجابى كبير على تطور العلاقات مع دولة جنوب السودان. وقال ضيو مطوك مقرر لجنة الوساطة ووزير الاستثمار بجنوب السودان لـ»الأهرام» إن تنفيذ اتفاق السلام يحتاج إلى موارد كبيرة، لإعادة النازحين واللاجئين، وتطبيق بنود الاتفاق تطبيقا أمينا. وبدوره، أكد رئيس مفوضية السلام السودانية سليمان الدبيلو إن هذا اليوم تاريخي، ونأمل أن ينهى التوقيع القتال إلى الأبد ويمهد الطريق للتنمية.
رابط دائم: