-
العلماء: حماية الأوطان من أشرف الأعمال ..وعدو الداخل أشد خطرا
ونحن نحتفل بالذكرى السابعة والأربعين لنصر السادس من أكتوبر1973، يدعو علماء الدين جموع الشعب إلى الحفاظ على مقدرات وطنهم والالتحام خلف قيادته، وطالبوا بالتصدى للمتطرفين أعداء الوطن الذين يريدون زعزعة استقراره وبث روح الفرقة بين أبنائه من خلال بث شائعاتهم وأكاذيبهم المسمومة.
ويشدد العلماء على أهمية تعزيز قيم الوطنية والانتماء لدى الشباب والناشئة وبث روح أكتوبر فى نفوسهم بما يدفعهم لإتقان العمل وحفظ الوطن، ويحصنهم من الانسياق وراء المغرضين والمشككين ويتصدون للحروب النفسية التى تحاك ضدهم، وقالوا: إذا كنا قد انتصرنا على أعداء الخارج فى أكتوبر 73، فإننا لا نزال نخوض حربا خفية مع أهل الشر وأعوانهم الذين يستهدفون أمننا واستقرارنا فى الداخل.
فى البداية يوضح الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين السابق، بجامعة الأزهر، أن منزلة الأوطان فى الإسلام والدفاع عنها، من أهم ما يجب أن نعرفه جميعا، فكل كائن حى يفتقر إلى مكان يقيم فيه، ويرتبط به بعد فترة من الزمن، يستوى فى هذا الإنسان والحيوان، والطير، والحشرات، وقد فطرت هذه الكائنات على حب موطنها، والدفاع عنه حال الاعتداء عليه، والإنسان أولى بهذا من هذه الكائنات، وقد صرح القرآن الكريم، بالربط القوى بين الإنسان والأرض التى يقيم فيها، وفى هذا جاءت آيات القرآن تؤكد الربط القوى بين الوطن والإنسان، كما أن الإسلام جعل الإخراج من الوطن (عقوبة تأديبية)، للزانى غير المحصن وللبغاة الساعين فى الأرض فسادا، «أو ينفوا من الأرض».
ويضيف أن كل ذلك يدل على أن الإقامة فى الوطن عز وكرامة وقيمة، ولهذا أصبح الدفاع عنه فرض عين، على كل مقيم فيه، لأن بسقوطه وإهداره إهداراً للكرامة والمنزلة، بل الآدمية، وحين يسقط الوطن، تسقط العزة، والأنفة والمنعة، ويكون الصغار والهوان، وقد ابتلينا بهذا فى نكسة 5 يونيو 1967 ولكن شاءت إرادة الله أن يسقط جزء من الوطن دون أن تسقط الإرادة، وأن نفقد السلاح دون أن نفقد العزيمة، وأن ينصرف كثيرون عنا، فكان لجوؤنا إلى الله، وقد استنصرنا إخواننا العرب والمسلمين، فنصرونا، فكان الإعداد والاستعداد لأداء فرض العين، وهو قهر وكسر وطرد المعتدى الغاصب، وكان الإعداد الجيد من ناحية ثانية، وقوة الإيمان من ناحية ثالثة، فحررت الأرض المغتصبة بما لا يخطر على بال أحد فى الشرق أو الغرب، خاصة أن الهزيمة فى 1967 كانت قاسية، والفترة الزمنية للإعداد والاستعداد كانت قصيرة، وأن إسرائيل قد جابت الشرق والغرب تدعو حلفاءها إلى عدم مد مصر والعرب بالسلاح، فضلا عن الموانع الطبيعية، (قناة السويس)، والموانع الصناعية (خط بارليف)، إضافة إلى الظهير الصحراوى فى سيناء، مما أصاب البعض باليأس حينها، ولكنه الجندى المصري، خير أجناد الأرض والقيادة المصرية، التى تتسم بالحنكة، والقدرة على المراوغة، والتفوق السياسى، والمداهنة (الدهاء السياسى)، كما أن الشعب المصرى أدى دور البطل فى تحقيق هذا النصر، فالشعب كان مع الجيش، وقبل الجيش، وبعد الجيش، فقد تحمل الشعب الكثير من شظف العيش، وصعوبة الحياة تحت عبارة (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، وبلغ الدعم العسكرى ذروته من قبل الأهالى، حيث جاب الفقراء قبل الأغنياء بما يملكون ربوع البلاد يطالبون الجيش المصرى بالإقدام، حبا فى الوطن ورغبة فى ألا ينكسر الجيش مرة ثانية الأمر الذى مكن الجيش المصرى من تحقيق أكبر نصر فى أقل وقت فى التاريخ المعاصر، وهكذا صارت حرب أكتوبر درسا يدرس فى كل الكليات العسكرية، فى بلاد العالم.
ويطالب د. بكر بتدريس كتاب عن (حرب أكتوبر) لطلاب المرحلة الثانوية، مشيرا إلى أن هذه الحرب لم تنل حقها من التعريف بها حتى الآن، وحذر الشباب من الانضمام إلى أى جماعة أو جمعية توهمهم بأنهم إن ماتوا سيكونون شهداء. وأوضح أن الشهيد من مات فى قتال مشروع تحت راية ولى أمر عام (رئيس الدولة أو الحاكم)، أما من يفجر نفسه، بين الجيش أو الشرطة أو عموم الناس، فهو منتحر، والجنة حرام عليه، بنص أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويعاقب فى جهنم بما قتل به نفسه فى الدنيا.
الشهادة أعلى المراتب
ويستطرد قائلا: إن الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحقيق هذا النصر، قد نالوا أعظم المراتب فى الإسلام، وهى مرتبة الشهداء، الذين اصطفاهم الله، واختارهم إلى جواره لينالوا أعلى المراتب فى جنة الخلد، كما أن الشهداء أعطوا وعدا بالشفاعة فى ذويهم، وأكسبوا أولادهم الفخار فى الدنيا والمباهاة يوم القيامة، ويكفى أن الله وعدهم، ومن أصدق من الله قيلا: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون».
فى سياق متصل يؤكد الدكتور عبدالراضى رضوان عميد كلية دار العلوم بالقاهرة ـ أن حرب أكتوبر المجيدة هى من أعظم الانتصارات العسكرية فى التاريخ، ذلك الانتصار الذى يعكس خصوصية للأمة المصرية حضارة وتاريخا وموقعا وشعبا وجيشا هو خير أجناد الأرض، فهذه الخصوصية الحضارية للأمة المصرية قد مكَّنتها من توفير عوامل الانتصار العديدة التى يأتى فى مقدمتها وحدة الجبهة الداخلية وصلابتها وارتفاع المعنويات على مستوى جبهات القتال وعلى مستوى الجبهة الشعبية، وهذا ما تمتعت به جموع الأمة قبل المعركة وفى أثنائها نتيجة الدور الذى قام به المثقفون والمفكرون ورجال الدين فى حملاتهم التوعوية والتحفيزية لبناء العزائم وتقويتها، وتعزيز قيم الولاء والانتماء الوطنى والارتفاع بروح التضحية والفداء لأجل مصر خير الأوطان.
ويتابع: ما إن تهب علينا نسائم الاحتفال بانتصارات أكتوبر حتى تعلو أصوات المتآمرين والخونة مردِّدة من الشائعات والأكاذيب ما يثير شباب مصر الذى لم يعاصر انتصارات جيشه العظيم على الجيش الإسرائيلي فى واحد من أعظم الانتصارات العسكرية فى التاريخ، فيستغل المتآمرون والخونة عدم معرفة الشباب الصغير السن بمدى التضحيات التى قدمها هذا الجيش ومدى التحديات والمصاعب التى تغلب عليها الجيش كى يحقق انتصاره العظيم على الجيش الإسرائيلى الذى كان يروِّج دعايات عالمية واسعة بأنه الجيش الذى لا يُقهر.
من جهتها، تؤكد الدكتورة أسماء عبد العظيم مدرسة التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر أن الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم فى حق دينه ومجتمعه وأمته، ومثير للاضطراب والفوضي، لذا تمثل الشائعات أعظم أشكال الفساد والفتن. هى أشد من القتل، فنشر الشائعات سلاح خطير يفتك بالأمة معنويا ويحطم جدار الثقة بين أفرادها وبينها وبين قياداتها، لذا فالأمم الواعية هى التى لا تلتفت إلى الشائعات وتتصدى لحيل وألاعيب مثيرى الفتن.
وتضيف أن الاستهداف المعنوى أخطر وأشد على المجتمع، خاصة فى وقت الحروب والأزمات والكوارث والنكبات، حيث يستهدف الإنسان من حيث جسده وبنائه، وهذه حرب أشد ضراوة وأقوى فتكا من الحروب المعتادة، لأنها تستهدف الإنسان من حيث عمقه وعطائه وقيمه ونمائه، وهى حرب الشائعات.
أعداء الداخل أخطر
وتقول إذا كان هناك أعداء فى خارج الوطن يحملون فى قلوبهم درجات من الحقد والكراهية لهذا الوطن ولعقيدته ولشعبه، فهؤلاء معروفون للجميع، ولكن الأشد خطرا هم أعداء الداخل الذين يعيشون بيننا ولا نعرفهم، يأكلون وينعمون من خيرات الوطن ويتظاهرون بغير الحقيقة، فهؤلاء عدو خفي أشد خطرا على المجتمع يثيرون الفتن والاضطرابات من أجل إسقاط الدولة.. هؤلاء الغلاة المتطرفون المتآمرون على الوطن هم العدو الخفى الذين يجب استئصالهم من المجتمع ومحاربتهم والقضاء عليهم.
استعادة روح أكتوبر
من جانبها، تطالب د.أمانى محمود عبد الصمد الباحثة بمجمع البحوث الاسلامية بإطلاق مبادرات الطاقة الإيجابية والاقتداء بروح نصر أكتوبر، وبثها على جموع الشباب لاستعادة روح أكتوبر لتحفيز هم على العمل والتنمية لبناء المجتمع من خلال العزيمة التى لا تلين لتجتمع حولها أجيالنا الشابة التى تمتلك من الطاقات الكثير لكى تغير وجه الواقع الذى نعيشه ولكى يشاركوا فى التنمية، فالشباب الذين لم يعاصروا حرب أكتوبر يجب أن يعلموا أن بناء الأوطان وحب الوطن يأتى بالعمل والعزيمة، الأمر الذى يستوجب تثقيفهم وغرس الهوية وروح الانتصار والعمل وحب الوطن فيهم، وتشير إلى أن للأسرة دورا مهما فى هذا الجانب من خلال التنشئة الاجتماعية السليمة وترسيخ قيم الانتماء الوطنى من البداية حتى يتربى أولادنا على روح النصر والعمل لرفعة الوطن، والحفاظ على مكتسباته.
رابط دائم: