مرت بنا ذكري رحيل الفنانة فردوس محمد التاسعة والخمسون، ورغم أنها لم تعش الأمومة في حياتها، إلا أنها أقدر وأصدق وأشهر من مثلت دور الأم المصرية الأصيلة علي شاشة السينما العربية.. لم تلعب الفنانة الكبيرة أدوار البطولة في الأفلام التي شاركت فيها، لكنها كانت بأدوارها الثانوية، كالملح الذي لا يطيب الطعام إلا به، شأنها في ذلك شأن كوكبة عظيمة من نجوم الشاشة المصرية، قامت السينما المصرية علي أكتافهم رغم أنهم لم يمثلوا الأدوار الأولي، لكن كان لا غني عنهم، ولم يشعروا يوما أن غاية المشوار الفني يجب بالضرورة أن تكون أدوار البطولة.
ويحضرني مشهد خالد من مشاهد السينما المصرية، للفنانة الراحلة، لا تتعدي مدته الدقيقة، من فيلم «سيدة القصر»، شاركها الفنان المبدع استيفان روستي، إذ تقدم منها خلال حفل عقد قران ابنتها بنت البلد فاتن حمامة علي وجيه المجتمع الأمثل عمر الشريف، وقد افتتح العروسان الرقص، فانحني أمامها كما يفعل الأرستقراط، وقال لها: «مدام تسمحي لي بالرقصة دي»، فنظرت إليه باستغراب وقالت: «ما ترقص يا خويا وأنا حايشاك»، فرد استفان روستي بغير تردد «كده طب عن إذنك أما أروح اتحزم وآجي»!! وقفل عائدا من حيث أتي وهي تودعه بنظرات التعجب.
مشهد رغم قِصَره، إلا أنه صار علما ودليلا علي فيلم من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف، تجلت فيه عبقرية فنانين من فناني الدور الثانوي، فعاش خالدا في ذاكرة السينما المصرية، فالأدوار لا تقاس بمساحتها الزمنية، وإنما بما تركته من أثر في نفس المشاهد، يتجدد مع كل مشاهدة، فلا يبلي علي مر السنين.
د. يحيي نور الدين طراف
رابط دائم: