بعيدا عن الجدل حول ما إذا كانا «خونة» أم من أبطال حرية الصحافة، فإن لا أحد ينكر أن جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس وإدوارد سنودن العميل السابق بالمخابرات المركزية الأمريكية قدما للعالم أحدث نسخة لأحد أهم أسلحة حرب المعلومات والجاسوسية فى عصر التكنولوجيا ألا وهى التسريبات السياسية. أسانج أحدث ضجة كبرى فى العالم بعدما سرب عام ٢٠١٠ آلاف الوثائق العسكرية والدبلوماسية الأمريكية التى أزاحت الغطاء عن جرائم حرب ارتكبتها القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان. وبعد ٧ سنوات احتمى خلالها فى سفارة الإكوادور بلندن، سحبت الإكوادور حق أسانج فى اللجوء السياسي، لتعتقله السلطات البريطانية فى إبريل ٢٠١٩ بتهمة اختراقه شروط إطلاق سراحه بكفالة. ومنذ بضعة أيام ، بدأت محكمة بريطانية النظر فى طلب أمريكى لتسليم أسانج تمهيدا لمحاكمته بأمريكا حيث يواجه ١٨ اتهاما يتعلق بمساعدته للمجندة الأمريكية السابقة تشيلسى ماننيج على اختراق أنظمة فيدرالية والتآمر لنشر وثائق رسمية عالية السرية. وهى تهم يصل مجموع عقوباتها فى حال إدانته إلى ١٧٥ عاما. أما سنودن المتعاقد السابق لدى الـ « سى آى إيه» فقد أحدث هزة ليس فقط على مستوى قادة الدول ولكن أيضا على مستوى الشعوب والرأى العام العالمى بعد أن سرب عام ٢٠١٣ تفاصيل برنامج سرى للتجسس الرقمى تستخدمه وكالة الأمن القومى الأمريكية للتجسس على الاتصالات الهاتفية لملايين المواطنين الأمريكيين إلى جانب التنصت على هواتف كبار قادة العالم. لجأ سنودن فى أول الأمر إلى هونج كونج ومنها إلى روسيا، حيث يستقر هناك فى مكان غير معلوم. وأصدر فى سبتمبر ٢٠١٩ كتابا جديدا يحمل عنوان « سجل دائم» يكشف فيه المزيد من أسرار برامج التجسس الأمريكية على خطوط الهواتف والإنترنت.ورغم أن البعض يراه بطلا مدافعا عن حرية التعبير وتداول المعلومات، إلا أن الولايات المتحدة تريد محاسبته بتهم تجسس وسرقة أسرار دولة، وهى جرائم تصل عقوبتها إلى السجن لمدة ٣٠ عاماً.
وعاد الحديث عن أسانج وسنودن إلى الواجهة من جديد فى ٢٠٢٠ وسط تساؤلات عديدة حول ما إذا كانا بالفعل قد تحركا بغرض الدفاع عن حق وصول الملايين من البشر للمعلومات فى عصر التكنولوجيا، أم أنهما كانا مجرد أداة فى الحروب التكنولوجية الصامتة التى تدور بين الولايات المتحدة وأبرز أعدائها روسيا والصين. ففى أغسطس الماضي، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إنه من المحتمل أن يصدر عفوا رئاسيا عن سنودن، وذلك رغم أن ترامب كان قد وصف سنودن «بالخائن» إبان حملته الرئاسية عام ٢٠١٦ووعد بالتعامل معه بقسوة إذا ما انتخب رئيساً. ويرجع البعض ذلك إلى أن ترامب يريد أن يعزز من سلطاته الرئاسية فى ظل خلافاته الحادة الأخيرة مع ما يطلق عليه الدولة العميقة. فربما يكون قرار ترامب بالعفو عن سنودن يهدف إلى إحراج المؤسسات الأمريكية. أما بالنسبة لأسانج فالأمر أكثر تعقيدا وإثارة للجدل، فعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما ظلت سبع سنوات لم تتحرك خلالها على أرض الواقع لتسليم أسانج، فإن إدارة ترامب هى من بدت «جادة» فى إجراءات المطالبة بتسليمه ومحاكمته داخل أراضيها. وكان ترامب قد أعرب فى ٢٠١٦ عن إعجابه بوثائق ويكيليكس لتسريبها رسائل البريد الإليكترونى لحملة منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون ، وكشف محامو أسانج فى فبراير الماضى أن فريق ترامب عرضوا على موكلهم عام ٢٠١٧ العفو الرئاسى مقابل نفى أسانج تورط روسيا فى اختراق البريد الإلكترونى للحزب الديمقراطي. ووسط هذه التقارير يبقى أسانج وسنودن لغزين محيرين، فهل ستكشف «تسريبات» جديدة سرهما أم سيبقى مطويا فى ملفات الحروب السرية للقوى الكبرى»؟!.
رابط دائم: