لم يكن يدرك الملك «تحتمس الثالث» أن بصماته العسكرية ستقفز قرونا وتعبر المحيطات لتُلهم أباطرة السياسة فى العالم دروسا فى فن التجسس وتنظيم أجهزة مخابرات على أعلى مستوى .. فالفرعون القديم زرع جنوده أثناء حصار مدينة يافا واستطاع الجيش المصرى بمساعدة هؤلاء الجواسيس إحراز النصر تلو الآخر، وبمرور العصور واختلاف الحروب تلونت وسائل التجسس وتجاوزت مرحلة الأشخاص إلى الاختباء وراء الكيانات الوهمية والتلاعب بالمعلومات بـ «ضغطة زر». وبعد فضيحة التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام ٢٠١٦ لتمرير صعود الرئيس الجمهورى دونالد ترامب، صار السكوت «ممنوعا» من دوائر الأمن الوطنى فى الولايات المتحدة تحسبا لتكرار المهزلة فى معركة ٢٠٢٠ ضد المنافس الديمقراطى جو بايدن، ولذلك خرج رئيس جهاز مكافحة التجسس الأمريكى ويليام إيفانينا عن صمته وحذر من ضرورة اتخاذ إجراءات احترازية ضد فيروس «الأيدى الأجنبية» التى تسعى لاختراق الانتخابات الأمريكية. وخلص إيفانينا إلى أن دولا أجنبية - وتحديدا روسيا والصين وإيران - تحاول ممارسة نفوذ على الناخبين الأمريكيين عبر وسائل الإعلام التقليدية ثم الإنترنت، مستغلين قضايا مثل وباء كورونا وانتفاضة السود وقودا لآلة التضليل. وانصبت الاتهامات على الدب الروسى المساند لتجديد ولاية ترامب حرصا على مصالح موسكو المرتبطة ببقاء مرشح الجمهوريين فى السلطة، إلا أن مستشار الأمن القومى الأمريكى روبرت أوبراين ركز هجومه على الصين بما لديها من برنامج مريب يفتح أمامها المجال لتزوير نتائج الانتخابات والتأثير على قرار الناخب الأمريكى، فيما أكد وزير العدل الأمريكى ويليام بار أن الخطر الصينى بالفعل يفوق التهديد الروسى!. ومن البديهى أن ينكر «مثلث الرعب» هذه المخاوف الأمريكية قبل حلول ٣ نوفمبر المقبل، غير أن ما كشفته شركة «مايكروسوفت» مؤخرا يُشعل المشهد برمته، حيث رصدت عيون الشركة إشارات عن نشاط قراصنة من «٣ دول» يخططون للتلاعب بالانتخابات الأمريكية، وسرعان ما التقط كبير المسئولين الإليكترونيين فى وزارة الأمن الداخلى الأمريكية كريستوفر كريس هذا التسريب ليعلن أن ما ذكرته «ميكروسوفت» يتسق مع بيانات سابقة صادرة عن أجهزة المخابرات الأمريكية تفضح بدورها السيناريو الثلاثى الأبعاد. ورفع رئيس وحدة الأمن السيبرانى فى «مايكروسوفت» توم بريت الغطاء عن ممارسات مجموعة «سترونتيوم» الروسية التى تطرق إليها تقرير المحقق روبرت مولر حول التدخلات الروسية عام ٢٠١٦، وأكد بريت أن نفس المجموعة تعمل حاليا على جمع بيانات تسجيل الدخول أو مساومة المستشارين السياسيين ومراكز الأبحاث وأعضاء الأحزاب السياسية. وانضمت منصات إليكترونية أخرى إلى صفوف «مايكروسوفت» لحشد الرأى العام الأمريكى والعالمى ضد «جواسيس الانتخابات»، لنجد شركة «فيسبوك» تفضح منظمة إعلامية وهمية باسم «بيانات سلام» تم تقديمها على أنها مصدر أخبار مستقل لاستهداف الناخبين من تيار اليسار فى الولايات المتحدة وبريطانيا، وشملت العملية تجنيد صحفيين مستقلين للكتابة عن السياسات الداخلية والتركيز على تورط الولايات المتحدة فى التوترات العرقية خلال الفترة التى تسبق الانتخابات.
وحفاظا على سمعة فيسبوك، شدد رئيس الشركة التنفيذى مارك زوكربيرج على إجراءات تحصين المنصة من القرصنة الشيطانية. وللحد من تلك التهديدات، ستضع فيسبوك - على حد قول مؤسسها الشاب - علامة على أى منشور يسعى للتشكيك فى شرعية نتائج الانتخابات، وسيتم حذف أى محتوى يتضمن معلومات خاطئة عن كورونا أو أى شىء يتعلق بالتصويت. وبالمثل، تمسكت «تويتر» بدرع حماية الانتخابات الأمريكية عن طريق تأمين آلية التصويت عبر البريد، والمتوقع الاعتماد عليه فى ظل تفشى جائحة كورونا، وبالتالى يمكن الرهان على الأساليب الروتينية والطبيعة اللامركزية للانتخابات الأمريكية لتجنب أى تلاعب فى بطاقات الاقتراع بالبريد، حتى وإن تبارى حلفاء مرشحى الرئاسة فى وسائل التدمير السياسى! وموعدنا ٣ نوفمبر مع الناخب الأمريكى الوحيد القادر على مقاومة كل من يعبث باختياره ويحرك بوصلة قلمه عند التصويت، فما يحدث من حوله اختبار تاريخى للإرادة الشعبية أمام «فخ» جواسيس الظلام!
رابط دائم: