رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أصداء سيرتهما من محطة قطارات طنطا إلى صراع المجد
حليم ورشدى الصديقان اللدودان

محمد شعير

  • ملك المغرب يتعجب من رفض كل منهما الدخول قبل الآخر ويضع يده على كتفيهما مسرورا



هذه قصة علاقة خاصة جدا بين صديقين؛ إنها العلاقة بين الفنانيْن الكبيريْن عبدالحليم حافظ ومحمد رشدي. القصة توفرت لها كل العناصر اللازمة لدراما إنسانية متكاملة؛ صعود وهبوط، تقارب وتصارع، محبة ومنافسة. لكن القصة - التي نشير إلى مراجعها في النهاية- تبقى «أصداء سيرة صديقين» وليست رؤية كاملة ونهائية لـ «سيرة علاقة»، فلعل هناك آخرين لديهم ما هو مغاير أو يضيف، مما ندعوهم إلى الكشف عنه، بمحبة واحترام لفنانيْن كبيريْن كانا من رموز عصر ذهبي، لكن الهدف دوما هو الحقيقة، والمعلومة، والتدريب الدائب المتواصل على النقد والتوازن والمراجعة، فالكل بشر.. القصة هي: «قطاران في محطة».






(1)



فى محطة القطار فى طنطا أواخر الأربعينيات من القرن الماضي...

شاب نحيل أنيق قمحي، فى عينيه مسحة حزن، ينادى على آخر يمسك بيده آلة عود: «يا فنان.. يا فنان!».

«انت بتنادى عليَّ؟».

«هو فيه فنان غيرك فى المحطة؟»، ضاحكًا.

«إيه اللى عرّفك؟».

«انت مش معاك عود؟.. تبقى فنان!».

يضحك الثاني: «عندك حق.. تصدَّق مش فى دماغى حكاية العود دى خالص».

يقول الشاب الأول: «طيب مش نتعرف؟».

يرد صاحب العود: «أنا اسمى رشدى محمد، من دسوق ومطرب معروف فى بلدنا».

«وأنا عبدالحليم شبانة، مدرس موسيقى فى ملجأ أيتام هنا فى طنطا، أخويا المطرب اسماعيل شبانة».

داخل القطار المتجه إلى محطة «باب الحديد» فى القاهرة، اشترى الشابان التِرمس والصميت والدقَّة وأكلا معًا بشهية. غنَّى رشدى أغانى لليلى مراد ومحمد عبدالمطلب، وأمسك عبدالحليم العود وأخذ يدندن عليه. ظل رشدى ينظر إليه شاعرًا بشيء عجيب يسكن القلب فى صوته. وصل القطار إلى القاهرة، واستعد رشدى للتوجه إلى صديقه أحمد المنشاوى الذى يقيم عنده، بينما أمده عبدالحليم بعنوان سكنه فى حى السيدة زينب، بركة الفيل، قائلًا: «حاشوفك، حاستناك، أنا سهرتى كل يوم فى قهوة التوفيقية».

(2)



ينطلق قطارا الفنانيْن الشابَّيْن ليدخل بهما عالم الغناء، لكن على مهل.

وفى منزل خال الموسيقار أحمد فؤاد حسن، جلس عبدالحليم ورشدى لزيارة الموسيقار فى مرضه، فتأتى الأنباء من الراديو باختيار فريد باشا زعلوك وزيرا للدعاية فى حكومة أحمد نجيب الهلالى باشا فى مارس 1952. فريد زعلوك هو عضو مجلس النواب عن دسوق وسبق أن دعم رشدى وساعده فى الالتحاق بمعهد الموسيقي، لذلك بادر عبدالحليم بتوجيه صديقه إلى الذهاب إلى الوزير الجديد ليتدخل لتحسين وضعه على خريطة الإذاعة. يوافق رشدى قائلًا فى قرار نفسه: «أنا مش بذكاء عبدالحليم»، لكنه يذهب إلى الوزير الذى يُحضر له حافظ عبدالوهاب مراقب الأغانى فى الإذاعة، فيسأله: «طلباتك إيه؟» يرد رشدي: «الحمد لله.. أنا باسجل فى الإذاعة ربع ساعة كل نص شهر»، ولا يطلب شيئًا.

(3)



يمر شهران، وفى مايو 1952، يصبح رشدى الذى استجاب لدعوة الفنان سعد عبدالوهاب بتغيير اسمه الفنى إلى محمد رشدي- على موعد مع صافرة مدوية يطلقها قطاره مؤذنًا بدخول أولى محطات الشهرة، بغناء وتلحين «قولوا لمأذون البلد». أما قطار عبدالحليم - الذى استعار اسم حافظ عبدالوهاب مراقب الأغانى ليصبح اسمه الفنى عبدالحليم حافظ- فما يزال يتحسس طريقه إلى عالم الصحافة والشهرة، ولم تسعفه أغانيه فى ذلك، بعكس صديقه الذى عرف الطريق إلى صفحات الجرائد والمجلات بأغنية واحدة.

(4)

صباح جديد يتجه فيه رشدى إلى مقر الإذاعة بشارع الشريفين للتسجيل فى موعده، لكن عينه المركزة على مبلغ الـ 17 جنيها التى سيتقاضاها بعد التسجيل لم تنشغل كثيرا بمشهد الدبابات والجنود الذين يحيطون بمقر الإذاعة!.

صباح 23 يوليو 1952.. يعرف رشدى بما يجري، لكنه يظل يتنقل من مكان إلى آخر داخل الإذاعة متوسلا بالدموع ألا يتم إلغاء تسجيله حتى يحصل على الـ 17 جنيها، وبعد أن يذيع الضابط محمد أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة بيان القوات المسلحة، يسمع توسلات رشدى فيقول له: «مش انت اللى بتغنى (مأذون البلد)؟.. غنِّيها علشان النهارده أفراح». ويغنى رشدى بالفعل.

وبعد 13 يوما فقط من الحدث الكبير، يقدم حليم أولى أغنياته الوطنية، وهى «ارفعوا الأعلام» يوم 5 أغسطس، ثم أغنية «تعيشى حرة يا بلادي» فى 26 أغسطس، بينما يصل قطار رشدى بعد حوالى شهرين، بأغنية «بلادنا الغالية» يوم 18 سبتمبر، و«الوطن الجديد» بعد شهرين آخرين يوم 22 نوفمبر، وبينهما يقدم أغنيتين أخريين عاطفيتين!.

ومساء يوم 18 يونيو 1953...

«اليوم أزف لكم بشرى ميلاد الجمهورية، وأقدم لكم الفنان عبدالحليم حافظ»...

يقف فنان الشعب يوسف وهبى فى حفل أضواء المدينة بمناسبة إعلان ميلاد الجمهورية ليعلن بكلماته هذه عن المحطة الأولى لانطلاق قطار حليم نحو المجد بأقصى سرعة، فى حين لم يشارك رشدى فى الحفل من الأصل.



(5)



ينعزل رشدى فى بيته حزينًا.. ويتذكر...

نزل يومًا مع عبدالحليم، وجلسا أمام محل بقالة يسمعان تسجيلًا جديدًا لحليم، الذى بادره بعدها قائلًا: «إيه رأيك يا محمد؟». ردَّ عليه: «انت فيك حاجة من حليم الرومي»، قاصدًا المطرب والملحن اللبنانى ذا الشأن، وهنا صرخ عبدالحليم: «أنا مش شبه حد يا محمد، أنا لون»!.

فى بيته حاصرته الأسئلة: «يعنى إيه (أنا لون)؟.. طيب أنا مين؟.. هل أنا محمد عبدالمطلب؟.. هل أنا محمد الكحلاوي؟»، ثم توالت الإجابات: أنا مطرب الأغنية الواحدة.. حشرتُ نفسى فى طريقة غناء محمد عبدالمطلب.. وليس لى لون غنائي.

عرف عبدالحليم بحالة رشدي، فذهب إليه، وحدَّثه: «انت زعلان ليه يا محمد؟. افهم قصدي، لازم كل واحد فينا يبقى له لونه الخاص، تفتكر أنا وانت لو قلِّدنا حليم الرومى ولَّا محمد عبدالوهاب ومحمد عبدالمطلب حننجح؟. طبعا لأ».



(6)



برغم العلامات الإرشادية التى لوَّح بها حليم لقطار رشدي، إلا أن القطار خرج عن القضبان!.

تاه.. وأصبح المطرب الذى كان قبل فترة قصيرة حديث الصحافة يسهر فى شارع محمد على يقضى الليل فى اللهو والسمر، ويهرب من ترشيح الإذاعة اسمه لتقديم مختاراتها الإذاعية.

ويلتقيه الموسيقار محمد حسن الشجاعى الذى تولى مسئولية مراقبة الموسيقى والغناء فى الإذاعة فيقول له بوضوح: «شوف يا ابني، أنا بقَّال عنده صنف جبنة اسمه عبدالوهاب، وصنف تانى اسمه أم كلثوم، وصنف اسمه عبدالمطلب، ولو بعت اثنين عبدالمطلب يبقى باتاجر فى الخسارة، إذا كنت عايز تبقى محمد رشدى حاقف جنبك، وبعدين بطَّل تتأفف وتتَّنِّك زى عبدالمطلب كده».

لكن قطار رشدى ظل تائهًا لسنوات؛ ثمانى سنوات كاملة، لم يستدل أحد فيها عليها، ولم يستدل هو ذاته على نفسه؛ سنوات كان خلالها قطار حليم يطوى المحطة تلو المحطة، حتى قارب الطيران إلى عنان السماء!.

(7)

فجأة.. يتعرض قطار رشدى لحادث.. حادث حقيقي.. كاد يودى بحياة صاحبه.

أول يونيو 1959، فى أثناء عودة محمد رشدى من مدينة فايد مع مجموعة من الفنانين لإحياء سهرة غنائية، طلبت منه مطربة اسمها نادية فهمى تبادل مقعديهما داخل الأتوبيس، وبعدها بدقائق يقع حادث مروع، تفقد هى فيه حياتها، ويخرج منه هو ليبقى طريح الفراش لأشهر، ويجرى عملية تجميل فى وجهه، ويسير على عكازين لمدة عامين!.

ويعود محمد حسن الشجاعى حاملًا إشارة ضوء جديدة، يضعها فى طريق قطار رشدى التائه المهشم فى 1961.. لعل وعسي.. فيرشحه لغناء ملحمة أدهم الشرقاوى فى الإذاعة، التى تحظى بعناية رسمية كبيرة، قائلًا له: «دى فرصتك، لو ضاعت منك انسَ إنك تشوف فرصة زيها تاني، عندى ثقة فيك».



(8)

ينطلق قطار رشدى من جديد، ولأجل الرحلة يتزود أولًا بالوقود، يذاكر محمد رشدى كل ما يتعلق بفن الموَّال ويبحث عن قصة الشاب أدهم الشرقاوى نفسه، الذى اختلفت حوله الأقاويل، بين بطل وطنى ومجرم قاطع طريق.. ثم غنَّي.. غنَّى رشدى كما لم يغنِّ من قبل!.

النجاح الساحق منقطع النظير يصبح هو عنوان «محطة الأدهم» فى حياة رشدي، وفى الحياة الفنية فى مصر، لذا فقد سعى الكل إلى استغلال الحالة، بما فى ذلك السينما، ويقرر المنتج رمسيس نجيب عمل فيلم عن أدهم، لكن المفاجأة هى فى المطرب الذى سوف يغنى فى الفيلم.. المطرب هو عبدالحليم حافظ!.

يبدأ احتكاك القطارين قليلًا.. الفيلم لا يحقق النجاح الجماهيرى الكبير.. الصحافة تقارن.. تتهم عبدالحليم أحيانًا باستغلال نجاح رشدي.. ولا أحد منهما يرد.. لكن العنوان الذى يتردد فى ذهن رشدى بعد نجاحه يتبدَّل من «عودة محمد رشدي» إلى «محمد رشدى يهزم عبدالحليم».



(9)



شاب أسمر نحيل طويل، قادم من أقاصى الصعيد، بدأ يشق طريقه منذ فترة فى القاهرة، كان يجلس لمراقبة كل هذا، فأصر بعدها على مقابلة رشدي.. الشاب اسمه عبدالرحمن الأبنودي.

جلسا معًا فى «قهوة التجارة» فى شارع محمد علي، ثم قاما للمشى حتى وصلا إلى شارع الشريفين، ولم ينقطع الحديث. الأبنودى قال لرشدي: «بعد ما سمعت (أدهم الشرقاوي) اتأكدت إنك الوحيد اللى عندك القدرة إنك تغنِّى أشعاري.. قرارات يوليو الاشتراكية محتاجة أغنية فيها البعد الاجتماعي.. فيها الفلاح والعامل البسيط والفقير.. ده زمنك مش زمن عبدالحليم حافظ».

يثمر اللقاء بعد ذلك عن أغنية «وهيبة» فى مايو 1964، ثم ينضم إلى رحلة الثنائى «رشدي- الأبنودي» مبدع آخر سبق أن لحَّن لعبدالحليم أربع أغنيات، هو بليغ حمدي، وتفجر الرحلة الثلاثية الطاقات، بعدة أغنيات منها «وسَّع للنور» و«آه يا ليل يا قمر».. حتى جاءت قنبلة «عدوية».. التى قادت قطار رشدى إلى وجهة جديدة تمامًا؛ وجهة محلقة.

(10)

يجلس الأبنودى مع رشدى وبليغ داخل ستوديو شركة «صوت القاهرة» لتسجيل إحدى الأغاني، وفجأة يجد أمامه رجلين يرتديان بدلتين ونظارات سوداء يطلبان منه بحدَّة الخروج معهما. عرف الأبنودى أنه قيد الاعتقال، فذهب معهما بهدوء.

سيارة فارهة تقل الأبنودى إلى حيث لا يدري، لكنها تتوقف أمام عمارة ضخة فى حى الزمالك يقف أسفلها رجال شرطة، صعد مع الرجلين إلى شقة، لينفتح الباب عن خادم نوبى يرتدى طربوشا وقفطانا وحزاما أحمر، وفى الداخل.. كان يجلس عبدالحليم حافظ.

«عبدالرحمن.. انت جيت؟»، حليم يبادر الأبنودى مرحِّبا، لكن الأخير يقول: «مين ولاد الجزمة دول اللى سيِّبوا ركبي»، ثم يركض وراءهم فى الشقة، وحليم يحتضنه ويقبِّله ويضحك.

(11)

حادث اختطاف الأبنودى من قطار رشدي، بدأ بخدعة، أو لعبة، لكن اللعبة كانت فى الأصل جَدًّا. الجَدُّ بدأه حليم بعد القبلات والضحكات بكلمات واضحة وجهها للأبنودي: «أنا عايز أغنِّى اللغة بتاعتك دى علشان عاجباني، لكن أنا ما اقدرش أقول: المسامير والمزامير، زى صاحبك»، قاصدًا كلمات أغنية «عدوية» لرشدي!.

«أنا كل ما أقول التوبة»، تصبح هى أول تعاون بين حليم والأبنودي، ويبحث قطار رشدى عن طريق جديد بديل، يتجه إلى الملحن الشاب الموهوب حلمى بكر، والشاعر حسن أبو عتمان الذى يعمل فى الأصل حلاقا، ويثمر الطريق/ الفريق الجديد عن محطتين ذهبيتين عما «عرباوي» و«حسن المغنواتي».. لكن احتكاك القطارين؛ قطار حليم وقطار رشدي، أخذ يتزايد ويرمى بشرر.



(12)

حليم يصف رشدى فى حواراته الصحفية بأنه «مطرب الفولكلور الأول». يغضب رشدى ويقرر الرد: «أنا مطرب عالمة الذرة، مطرب الأغنية العاطفية الجديدة التى تتفق مع المرحلة التى تعيشها مصر، والتى تقف فيها وهيبة مع عالمة الذرة على قدم المساواة».

وتخرج مجلة «الكواكب» بحوار صحفى مثير لحليم، يذكر فيه أسماء عدة مطربين بينهم رشدى ويقول عنهم: «كان المفروض أن يقدموا شيئا جديدا لفن الأداء فوق ما قدمته، وحتى يسبقوني، ولكن الواقع غير ذلك تماما، فهم لم يصنعوا شيئا، وحتى لم يلحقوني، والسبب فى كل ذلك أنهم يعتمدون على التقليد.. تقليدي».

ويقام حفل غنائى ينظمه الاتحاد الاشتراكي، بمشاركة عبدالحليم حافظ ومحمد رشدى ونجاة وشادية وفايزة أحمد، ويهمس الكاتب الصحفى رجاء النقاش بسر لرشدى قبل الحفل: «اعمل حسابك انت مش حتغنى فى الحفلة.. لأن عبدالحليم رفض وقال: ما ينفعش اثنين (خناشير) فى حفلة واحدة».. ولم يغن رشدى بالفعل.



(13)

حفل غنائى آخر، عادي، أقامه فرع التوجيه المعنوى بالقوات المسلحة فى أنشاص، غنَّى فيه رشدى وآخرون، ونقلته الإذاعة على الهواء، وبينما كان يُفترض حضور عبدالحليم للغناء إلا أنه اعتذر فى أثناء تقديم الفقرات.. وكانت مصر ليلتها على موعد مع الحدث الكبير صباح اليوم التالي.. الحفل أقيم مساء 4 يونيو 1967.

هزيمة الخامس من يونيو تُغير الكثير فى وجه مصر والحياة فيها، بما فى ذلك الحياة الفنية. يتوقف السباق المحموم بين قطارى حليم ورشدي، ويخمد لهيب المعارك بينهما، مع تصاعد نيران معارك الاستنزاف. ويتجه القطاران معا إلى محطة واحدة.. وجهة محددة.. إلى الجبهة.. يغنيان لتحفيز الجنود، استعدادًا لمعركة استرداد الأرض.

(14)

إلى المغرب.. اتجه قطار رشدى أكثر من مرة، بدعوة من عبدالحليم الذى عهد إليه الملك الحسن عاهل المغرب بدعوة من يشاء من الفنانين المصريين لإحياء الحفلات الملكية والعامة.

وهناك، فى إحدى الزيارات، داخل قصر الملك، رفض رشدى الدخول قبل حليم، وكذلك رفض حليم الدخول أولًا، فأخذ حليم بذراع رشدى ودخلا معًا قدمًا بقدم. رآهما الملك فوضع يديه على كتفيهما معًا فى سرور.

فى زيارة أخري، أصيب حليم بنزيف حاد مفاجئ وتم نقله إلى المستشفي، قبل أن يأمر الملك الحسن بسفره إلى باريس على نفقته الخاصة. رشدى زار عبدالحليم فى مرضه، فقال له حليم: «الملك بيقدَّرك وبيقول عليك: انت ولد الناس، وتلف محافظات المغرب».. وأقام رشدى بالفعل حفلات فى 12 محافظة مغربية.



(15)

وأخيرا...

يتوقف قطار حليم.. يتوقف إلى الأبد.

يرحل عبدالحليم حافظ.. ويبكيه محمد رشدى بحرقة.. ثم يجلس ليتذكر.

يتذكر كل محطات الرحلة.. مقابلتهما الأولى فى محطة القطار بطنطا.. معاركهما.. قيمته الفنية.. والإنسانية.

يحدث نفسه: «كان الأذكى والأقوي.. تعامل مع الفن بإخلاص.. فهم الظرف.. تعلَّم.. تثقف.. جمع حوله كل من يفيدونه.. أنا عشت الأول فى لوني.. وهو الأول فى القيمة.. أنا تزوجت وهو لم يتزوج.. منحنى الله نعمة الأبناء والصحة.. وعاش هو معذبا بالمرض لكنه حقق المجد.. عبدالحليم هو عنوان شامل لقصة جيلنا».

بعد وفاة عبدالحليم بأشهر، سافر الرئيس السادات إلى إسرائيل، وبعدها وقَّع اتفاقية كامب ديفيد. حاول مسئولون تقديم إغراءات كثيرة لرشدى مقابل إعلانه التأييد والغناء، لكنه رفض، واحتد، فزاد الحصار الفنى عليه، ورضى هو بذلك، لكن ظل السؤال الذى يشغله هو:

لو كان عبدالحليم موجودًا.. ماذا كان سيفعل بعد كل ما قدمه فى الأغنية الوطنية؟.



> المصادر:

كتاب «مذكرات محمد رشدي.. موَّال أهل البلد غَنُّوه» للكاتب الصحفي سعيد الشحات، الذي قام بتحقيق المذكرات بالعودة إلى عدة مصادر مختلفة، ومن أهمها: «أعز الناس» لمجدي العمروسي صديق عبدالحليم ومدير أعماله، و«معارك فنية» للدكتور نبيل حنفي محمود، و«الخال.. أسرار ووثائق» عن الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي للكاتب الصحفي محمد توفيق، و«بليغ حمدي.. مذكرات شخصية وشهادات مثيرة» للكاتب الصحفي أيمن الحكيم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق